يرى اقتصاديون عراقيون ان المديونية الضخمة وإعادة إعمار البنى التحتية للصناعة والزراعة والتجارة تحديات جدية ستواجه الاقتصاد العراقي خلال السنوات العشرين المقبلة. واتفق وزراء وموظفون كبار سابقون في وزارات المالية والصناعة والتجارة والزراعة واساتذة جامعة وباحثون التقوا ضمن "ندوة العراق 2020" التي أقامها المركز العراقي للدراسات الاستراتيجية التابع لحركة الوفاق الوطني العراقي وانتهت في لندن الاثنين الماضي وبحثت في "مرحلة ما بعد صدام" على أن "حالة الغيبوبة" التي يعيشها العراق اقتصادياً تتطلب خطة من مراحل عدة تستهدف أولاً وقف الانهيار وتحقيق الاستقرار لاحقاً ثم النمو الاقتصادي. وقال الباحث الدكتور أحمد موسى جياد ان العراق لو خصص 25 في المئة من موارده لتسديد الديون، فإن ذلك سيكون على حساب التنمية ولن يتمكن من تسديد غير سبعة بلايين دولار، وهذه تتعدى امكانات العراق لفترة طويلة لأن الديون العراقية تعادل، حسب تقديرات جياد، 30 ضعفاً من ايرادات النفط. ويقترح الباحث مخارج عدة من "فخ المديونية" منها التسليم بدفع جميع الديون والمطلوبات التعويضات وبذلك سيكون العراق حتى منتصف القرن المقبل بمثابة "البقرة الحلوب". أو اتباع سياسة واقعية مبنية على التفاوض مع الدول الدائنة للعراق وبين النظام الجديد. ويقول الباحث الدكتور سنان الشبيبي ان مستقبل العراق يتوقف على حل مشاكل العجز المالي وتلافي التضخم النقدي، مشيراً الى أن النمو في الاقتصاد العراقي حالياً هو -9 في المئة بعد أن كان 10 في المئة عام 1968. ويربط الشبيبي بين زيادة الموارد المالية للعراق وبين زيادة النفقات الحربية والتطور في البنية التحتية للصناعات العسكرية، مما شجع الحكومة العراقية على الدخول في صراعات مع دول الجوار فاندلعت الحرب مع ايران التي انتهت بعد أن تحول العراق بلداً مديناً وهو ما جعل الحكومة تبحث في وسائل الحصول على موارد مالية بكميات كبيرة فدفعها الى غزو الكويت وفرض العقوبات جراء ذلك، مما جعلها تلجأ الى طبع النقود لتوفير وسيلة للحصول على النقد الأجنبي وهو السبب المباشر للانخفاض المستمر في قيمة العملة العراقية. ويرى الوزير السابق الدكتور عبدالحسين وداي العطية في "برنامج عمل لإعادة تشغيل المجتمع العراقي 2000 - 2014" ان العراق يحتاج الى ثلاث مراحل كي يصل اقتصاده الى مرحلة الاستقرار التام. ويشير الى "مرحلة اغاثة" مدتها سنة واحدة ثم "اعادة تشغيل الاقتصاد الوطني" عبر مرحلة انتقالية تمتد ثلاث سنوات، ومرحلة "التنمية المستمرة" التي يقدرها بعشر سنوات، منوهاً بضرورة تعديل هيكل الاقتصاد من احاديته النفط الى اقتصاد متنوع في الصناعات التحويلية والزراعة المتطورة. ويعتبر استبدال العملة العراقية الحالية واقامة علاقات اقتصادية نابعة من "المصلحة وليس العواطف والعلاقات الشخصية" ووضع سياسات نقدية ومالية وسعرية وضرائبية ملائمة والتخلص من البطالة وتنشيط القطاعين العام والخاص وتعميم نظام اللامركزية في الادارة الاقتصادية من الوسائل التي ستعمل على تشغيل المجتمع العراقي ل"مرحلة ما بعد صدام". وينوه الدكتور شاكر لطيف بصعوبة تبويب وتحديد الانفاق العسكري العراقي فثمة المعونات ونفقات القروض الخارجية ونفقات خدمة الدين ونفقات مبادلة النفط بالأسلحة ونفقات التصنيع العسكري. ويؤكد خلال بحثه "عسكرة الاقتصاد العراقي والسياسة المالية والنقدية" ان أهم المؤشرات الاجتماعية لنتائج عسكرة الاقتصاد هو التضخم المالي 4000 في المئة وارتفاع مستوى البطالة الى 64 في المئة من اليد العاملة اضافة الى ان 3 في المئة من السكان يستولون على 61 في المئة من الدخل القومي. ويؤكد الدكتور شاكر موسى ان المديونية والتعويضات ستجعل العراق مطالباً بتسديد 82 بليون دولار حتى عام 2008، مشيراً ان وجود نظام حكم جديد سيتدخل في ايجاد طريقة عاجلة للتخلص من المديونية ورفع العقوبات، منوهاً بضرورة وجود استراتيجية لادارة الدين الخارجي وبالتنسيق مع مجلس التعاون الخليجي والتفاوض مع الجهات المطالبة بالتعويضات ووضع مبادئ للاستثمار الخارجي. الى ذلك، يؤكد الدكتور موفق فتوحي ان اعتماد "اقتصاد السوق" واسقاط عقلية الحرب وعسكرة الاقتصاد والمجتمع وتطوير قطاع النفط ودمجه بباقي الاقتصاد الوطني وتوسيع أسواق النفط ومعالجة الهيكلية الزراعية ولا سيما مشكلة المياه واجراءات حاسمة في مجال ضبط التجارة الخارجية من المتطلبات الاستراتيجية للاقتصاد العراقي خلال العشرين سنة المقبلة. وتحدث الدكتور علي حنوش عن مقدمات استراتيجية في التنمية الزراعية مشيراً الى مشكلة "التصحر والتلوث البيئي" فيما أشار الدكتور جمال فؤاد الى مشكلة المياه في التنمية الزراعية وطالب بتحرير الزراعة من السيطرة الحكومية وإبعاد القطاع العام عنها.