يُتوقع أن تكون مصر على أعتاب تغيّر جذري في السياسات الاقتصادية، الذي ارتبط تاريخياً بمدى تغير الوضع السياسي فيها. اذ تحولت مصر إلى دولة اشتراكية تعمل على نشر مفاهيم الاشتراكية بعد ثورة 1952، ثم تغير هذا المسار سريعاً عام 1974 بعد انتصار تشرين الأول (أكتوبر)، لتأتي مرحلة «الانفتاح الاقتصادي»، التي ساهمت في إعادة تشكيل خريطة المجتمع، وأدخلت إليه عادات اقتصادية جديدة. ومع تولي مبارك الحكم عام 1981 وعلى مدار 30 سنة، استمرت الحكومات المتتالية في اتباع سياسات اقتصادية ساهمت بقوة في ثورة شعبية على تلك السياسات التي أعلنت مراراً أن «التوزيع غير العادل للثروة أفضل من توزيع الفقر على الجميع». كما رأت أن من الأفضل أن ينعم رجال السلطة وحدهم بثمار التنمية بدلاً من التوزيع العادل للجميع، ما خلق ممارسات سلبية للرأسمالية ووصفها بال «خبيثة». ولفت مدير السياسات الاقتصادية في «مركز السلام للتنمية» عمرو العراقي، إلى «أننا حالياً على اعتاب مرحلة اقتصادية جديدة ويبقى التحدي الأكبر، كيفية إسقاط التحديات التي خلفها النظام السابق والمتمثلة بركود النشاط الاقتصادي ونقص السيولة، إضافة إلى انخفاض معدلات الادخار المحلي وازدياد الخلل في توزيع الدخل القومي الناتج عن الممارسات الاقتصادية الفاسدة التي انتهجها النظام السابق». وأشار إلى أن «الموارد المالية للاقتصاد المصري بين عامي 1974 و2004، بلغت نحو 500 بليون دولار، وهي حصيلة أربعة مصادر أساسية يعتمد عليها الاقتصاد المصري، تتمثل في تحويلات العاملين في الخارج ورسوم المرور في قناة السويس، فضلاً عن العائدات البترولية وقطاع السياحة». واعتبر أن «السياسات الاقتصادية المتبعة في العهد الماضي أدارت هذه الموارد الضخمة في شكل أعطى أولوية للإنفاق الاستهلاكي، كما ركّزت الدولة سياستها المالية على انشاء البنية التحتية وأنفقت أكثر من 280 بليون دولار خلال فترة قصيرة أي بين 1982 و1998، كما جاء الجزء الأكبر من هذا المبلغ من طريق الاستدانة الخارجية». وأوضح العراقي، أن التفكير البوليسي للسلطة «انعكس على الموازنة العامة، إذ استحوذ قطاع الدفاع والأمن على نسبة تتراوح بين 20 في المئة و25 من الإنفاق منذ بداية ثمانينات القرن الماضي». وأشار إلى أن مخصصات خدمة الديون المحلية والخارجية «أخذت تتزايد حتى باتت تتراوح سنوياً بين 25 في المئة و 33 من نفقات الموازنة العامة للدولة على مدار السنوات العشرين الأخيرة. ما يعنى أن ما بين 45 في المئة و60 في المئة من نفقات الموازنة ظلت تذهب إلى هذين القطاعين فقط، لتبقى نسبة تكاد تقلّ عن 50 في المئة للقطاعات الأكثر حيوية لحياة الشعب المصري». وأكد ضرورة «إعادة رسم الموازنة المقبلة للدولة على نحو ينشط الإنفاق الاستثماري حتى نتمكن من زيادة الطلب الفعلي للتغلب على حال الركود وعجز السيولة، إضافة إلى ضرورة خفض الإنفاق الحكومي وإعادة هيكلة نفقات الموازنة في شكل يسمح بالدفع نحو تنمية معدلات نمو الاقتصاد». وأشار الباحث الاقتصادي في «مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية» أحمد النجار، إلى «خريطة طريق للنظام الاقتصادي يجب أن تتبنّاها مصر في المرحلة المقبلة، وسبل التغلب على المعضلات الاقتصادية ذات الأبعاد الاجتماعية والسياسية، وهي بمثابة وصفة علاج، يتصدرها تبنّي نظام الاقتصاد المنفتح على العالم مُتكئاً على القطاعين العام والخاص». وأكد «استنهاض النمو الاقتصادي عبر رفع مُعدل الاستثمار، إذ تحتاج مصر في ظل الأوضاع الراهنة إلى رفع المساهمة الحكومية المباشرة في الاستثمارات الصناعية والزراعية والخدمية الحقيقية لاقتحام الصناعات العالية التقنية، التي تعد ضرورة لتحديث المجتمع ورفع إنتاجية العمل». وشدد على ضرورة «وضع نظام جديد للأجور ورفع الحد الأدنى، لأنه سيشكل آلية لتحسين توزيع القيمة المضافة في العملية الإنتاجية بين العاملين وأرباب العمل». وطرح النجار، مجموعة من المسارات لمعالجة أزمة البطالة «تتمثل في هيكلة الإنفاق العام وتخصيص جزء كبير للاستثمار الصناعي والزراعي والخدمي، وإحداث تغيير في السياسات المصرفية لتتحيّز للمقترضين والمستثمرين الصغار والمتوسطين، وتطوير ميزات السوق لتعزيز جاذبية الاستثمار في مصر لاستنهاض الاستثمارات المحلية التعاونية والكبيرة، وعقد اتفاقات مع جهات إقليمية ودولية لمساندة جهود مصر، والدعوة إلى تأسيس صندوق عربي لمكافحة البطالة والفقر في الوطن العربي، على أن يمول من فرض رسم يمكن تسميته ب «رسم التضامن والنهوض العربي» بقيمة دولار عن كل برميل نفط عربي يُصدّر». ودعا النجار حكومة الثورة إلى ضرورة السعي إلى «إقامة علاقات اقتصادية دولية عادلة ومتكافئة ومتوازنة لدعم الاندماج والتقدم الاقتصادي، والعمل على تحقيق التوازن في الموازين الخارجية لأن الاختلال يهدد بعودة الديون الخارجية إلى التزايد في شكل سريع وإدخال مصر مُجدداً في فخ تلك المديونية بكل شروطها الاقتصادية والسياسية. علماً أن الديون الخارجية المُستحقة على مصر بلغت نحو 30 بليون دولار في حزيران (يونيو) عام 2007. ثم ارتفعت إلى 33.7 بليون في نهاية حزيران (يونيو) عام 2010، وتوازي نحو 15.4 في المئة من الناتج المحلي في العام المالي 2009 - 2010. وشكلت مدفوعات مصر لخدمة ديونها الخارجية نحو 6.2 في المئة من حصيلة الصادرات من السلع والخدمات عام 2009 مقارنة بنحو 4.6 في المئة منها عام 2008». وقال: إن «قيمة الديون الخارجية لا تعتبر مشكلة حقيقية وهي في الحدود الآمنة، بشرط الا تزيد، وأن يُعالج العجز الزاحف إلى ميزان الحساب الجاري».