حض «الملتقى الاقتصادي العراقي العلمي الأول» بغداد على الاستفادة من الخبرات والكفاءات الاقتصادية العراقية التي اضطرت إلى الهجرة، للمساهمة في بلورة سياسات اقتصادية سليمة يفترض أن يعتمدها صناع القرار السياسي لتحقيق تنمية مستدامة في العراق. ويتناول الملتقى، الذي تنظمه «شبكة الاقتصاديين العراقيين» في بيروت لثلاثة أيام، محاور أبرزها التشوّهات الهيكلية في الاقتصاد العراقي وإشكالية الدولة الريعية، وقضايا النفط والغاز وإدارة الصناعة النفطية، ودور القطاع الخاص في التنمية والسياسات المطلوبة لاستقطاب الاستثمار الأجنبي، إلى جانب السياسة النقدية واستقلالية البنك المركزي، والسياسة المالية والتخطيط، والتنمية الزراعية والموارد المائية. وألقى نائب رئيس الجمهورية العراقية السابق عادل عبدالمهدي، الذي تعذر حضوره، كلمة رئيسة بعنوان «الدولة الريعية... حاجز أساس أمام التنمية المستدامة»، قدمها نيابة عنه الكاتب المتخصص في شؤون الطاقة الزميل وليد خدوري في يوم الافتتاح أول من أمس. وأكد أن العراق شهد أربع مراحل اقتصادية أساسية، الأولى اعتمدت على الزراعة وامتدت من 1920 حتى مطلع ستينات القرن الماضي، والثانية بدأت منتصف الخمسينات وامتدت إلى الثمانينات واعتمدت في شكل شبه كلي على النفط. وتمثلت الفترة الثالثة في اقتصاد الحرب وامتدت من الثمانينات إلى التسعينات تحول خلالها الجيش والمؤسسات العسكرية إلى جهاز يهيمن على الاقتصاد، ما رتّب ديوناً ضخمة على العراق بلغت نحو 120 بليون دولار قبل اجتياح الكويت. وأشار عبدالمهدي إلى «أن البلاد دخلت حينئذ مرحلة الاقتصاد الريعي التي يمكن تقسيمها إلى نمطين متشابهين في المضمون وإن اختلفا في الشكل: الأول الاقتصاد الريعي الأحادي في ظل الانغلاق السياسي والحكم المطلق بين 1991 و2003، والذي شهد انهيار العملة الوطنية واندثار الطبقة الوسطى، والثاني الدولة الريعية في ظل حال من الانفتاح السياسي والحرية الاقتصادية». اقتصاد السوق وأضاف أن الدستور بعد 2003 نص على تطبيق نظام اقتصاد السوق الحرة، وأن الثروة النفطية هي ملك للشعب وليس الدولة، ووضع قانوناً للمصارف وضمان استقلالية المصرف المركزي، إضافة إلى تشجيع الاستثمار الخاص وانتقال رؤوس الأموال من البلاد وإليها، وتحديد قيمة العملة وفق العرض والطلب وغيرها، «إلا أن هذه الإصلاحات لم تُطبق وبقي الوضع كما كان خلال العهد السابق بل برزت ظاهرة تفشي الفساد والترهل والفوضى في الإدارات العامة، إلى جانب ارتفاع خطير في نسب البطالة». واقترح عبدالمهدي بعض الحلول، أبرزها تقليص حجم الدولة، بحيث يُخفَض مثلاً عدد الوزارات، معتبراً أن من غير المقبول أن يكون عدد الوزارات في العراق 27 في مقابل 20 في الصين. كما اقترح اللجوء إلى التعبئة الاجتماعية والاقتصاد الموازي واعتماد اقتصاد السوق فعلاً لا قولاً ليكون معياراً لكفاءة القطاعين العام والخاص، إلى جانب تعزيز دور القطاع الخاص. وأكد سفير العراق لدى «منظمة الأغذية والزراعة للأمم المتحدة» (فاو) حسن الجنابي في تصريح إلى «الحياة»، أن قطاعي المياه والزراعة دُمرا نتيجة الحروب والحصار، لافتاً إلى توجهات داعمة للقطاعين لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية. وأوضح «أن الحكومة خصّصت للقطاعين أموالاً ساهمت في إيقاف تدهورهما لتظهر بوادر نهضة حقيقية»، مشيراً إلى «أن العراق يتجه نحو تحقيق الاكتفاء الذاتي في بعض المحاصيل». وقال: «على رغم زيادة الحكومة المخصصات المالية خارج إطار موازنة وزارة الموارد المائية ووزارة الزراعة إلا أن العراق مازال بعيداً من تحقيق الأمن الغذائي». وأكد سفير العراق في لبنان عمر البرزنجي، على ضرورة محاربة الفقر والجهل والمرض، مشدّداً على ضرورة بناء اقتصاد متين لمحاربة كل العوائق. ويشارك في الملتقى محافظ البنك المركزي العراقي السابق أحد مؤسسي «شبكة الاقتصاديين العراقيين» سنان الشبيبي وعدد من المسؤولين والنواب العراقيين ومجموعة من الخبراء. وشهدت الجلسة الأولى تكريم خدوري تقديراً لعطاءاته المستمرة في مجال الطاقة العراقية خصوصاً والعربية عموماً.