بدا جهاز الاستخبارات البريطاني مقبلا على تغييرات جذرية بعد الادانة واسعة النطاق التي تعرض لها بسبب عدم اطلاعه الحكومة على تطورات فضيحة تجسس اتسع نطاقها. وكشفت الفضيحة وثائق عرفت باسم "محفوظات ميتروخين"، نسبة الى المنشق السوفياتي فاسيلي ميتروخين الذي هربها من موسكو. ودلت الوثائق على وجود عدد هائل من الجواسيس في بريطانيا كانوا يعملون على مدى اعوام لحساب جهاز "كي جي بي". وعلمت الاستخبارات بوجودهم لكنها قررت عدم ملاحقتهم حتى لا تكشف حصولها على الوثائق. تصدرت الفضيحة الناجمة عن "محفوظات ميتروخين" عناوين الصحف الصادرة في بريطانيا لليوم الرابع على التوالي امس الثلثاء. ونقلت الصحف تصريحات لوزير الداخلية جاك سترو وصف فيها الاستخبارات البريطانية بانها اصبحت "خارج نطاق السيطرة". ولم تخف حكومة رئيس الوزراء توني بلير ولا حكومة الظل المعارضة في مجلس العموم ضيقهما من تجاهلهما وعدم اطلاعهما على معلومات عرفها مسؤولو الاستخبارات منذ اعوام. وتبين ان بلير نفسه لم يطلع على الفضيحة إلا مساء الجمعة عشية نشر الصحف قصص الكشف عن جاسوسين بريطانيين جندهم جهاز ال"كي جي بي"، علما ان رئيسي جهازي الاستخبارات الداخلية والخارجية "ام اي 5" و"ام اي 6" علما بوجود الجواسيس منذ عام 1992. وقرر مسؤولو الاستخبارات في ذلك العام عدم ملاحقة العميلة السوفياتية الملقبة "الجدة العجوز" وتدعى ميليتا نوروود التي يعتقد انها سلمت اسرارا نووية الى موسكو. وبرروا ذلك فيما بعد برغبتهم في الحفاظ على سرية "محفوظات ميتروخين" التي تسلموها في حينه. ولم يطلع مسؤولو الاستخبارات المدعي العام السير جون موريس على الموضوع، كما لم يطلعوا الحكومة الا في عام 1996 عندما حصلوا على موافقة وزير الخارجية في حكومة المحافظين انذاك السير مالكوم ريفكيند للسماح لباحث في جامعة كامبريدج بالاطلاع على المحفوظات. وابلغ مسؤولو الاستخبارات وزير الداخلية الحالي في كانون الاول ديسمبر الماضي بوجود الجواسيس مع تفسير قرار عدم ملاحقة هؤلاء برغبة الجهاز في التقيد بمضمون اتفاق مع فاسيلي ميتروخين وعدم الكشف عن وجود المحفوظات التي هربها الاخير من روسيا وهي نسخ عن وثائق تتعلق بعمليات ال"كي جي بي" في الخارج. ومع اتساع نطاق الاحتجاجات على تفرد مسؤولي الاستخبارات في اتخاذ القرارات، استدعى وزير الداخلية جاك سترو اول من امس رئيسي "ام اي 5" و"ام اي 6" الى مكتبه وامرهما باعداد تقرير حول مجريات القضية منذ البداية. واكد سترو ان لجنة الاستخبارات والامن في مجلس العموم البريطاني ستحقق في القضية وتبلغ بلير بالنتائج. وقال رئيس اللجنة توم كينغ الى تلفزيون هيئة الاذاعة البريطانية: "يدهشني للغاية ان الوزراء لم يكن لديهم علم. والاجهزة مسؤولة امام الوزراء. وهو في رأيي ما يميزها عن كي جي بي. كما انه امر مهم للغاية في ديموقراطيتنا". وتحولت القضية من حكاية جدة تتجسس للشيوعيين وشرطي يلعب دور العاشق مع الديبلوماسيات للحصول على معلومات منهن، الى فضيحة التجسس الاسوأ في بريطانيا خلال السنوات الاخيرة. وقارنها البعض بفضيحة المستشار السابق للملكة السير انتوني بلانت الذي منح قبل عشرين عاما حصانة، لقيامه بالتجسس لمصلحة الاتحاد السوفياتي. وواصلت الصحف البريطانية امس، نشر مقتطفات من كتاب جديد بعنوان "محفوظات ميتروخين" يستمد مادته الاساسية من اعترافات فاسيلي ميتروخين الضابط المنشق عن الاستخبارات السوفياتية0 وقال كريستوفر اندرو الاستاذ في جامعة كمبريدج والمؤلف المشارك للكتاب ان الاعترافات ستكشف النقاب عن آلاف العملاء السوفيات في مختلف انحاء العالم.