من المؤسف ان نفقد شاعراً كبيراً في قامة عبدالوهاب البياتي في ظروف ارتفاع أصوات حول زمن الرواية وانتهاء زمن الشعر وكأنه - على رغم كل ما قدمه للقصيدة العربية من تجديد - صدق هذه المقولة الكاذبة. عبدالوهاب البياتي كان منذ الاربعينات دينامية حيوية في الشعر العربي وأدخل على القصيدة العربية روحاً سومرية وآشورية فقدم لنا هذا التواصل الجميل مع التراث في ضوء جديد وبتوظيف جديد، كما اغنى قصيدته وقصيدتنا بالتالي بحواره المبدع مع التراث العربي خصوصاً الصوفي منه. ولا يمكننا أن ننسى اصطناعه للأقنعة الجميلة، أقنعة الخيّام والحلاج والسهرروردي. وهو بهذه الاقنعة وغيرها صنع جدلا بين اللحظة الراهنة وبين شبيهاتها في الماضي البعيد. والبياتي كون شعري كبير صادق، نظرا لصدقه الشديد، الكثير من كبار شعراء العالم مثل ناظم حكمت وبابلو نيرودا، وعاش موحَّدا وموحِّدا بين الشعر والسياسة، فقد خاض الشعر كما يخوض السياسي معاركه وخاض السياسة كما يخوض الشاعر معاركه ايضاً بالحميمية والفناء نفسيهما. وهو الامر الذي جعله مطارداً عبر الخريطة العربية حاملاً منافيه بين روسيا واوروبا من دون ان ينسى لحظة حبه الاول العراق. ومن الغريب في تجربة الشاعر الكبير عبدالوهاب البياتي انها ظلت طازجة حتى لحظاته الاخيرة. طازجة الى الدرجة التي تجعله متماهياً مع التجريب الذي تمارسه أجيال جاءت من بعده وبعضها جاءت من عباءته. الى الدرجة التي يمكن وصفه بها بأنه أب شرعي وندٌّ أيضاً.