رحل البياتي... كيف نعيش نحن الشعراء العرب من دون قصص وحكايات ومناكفات؟ ستبدو الساحة باردة بالنصوص وحدها. ظلّ يتعارك مع القصيدة ومع الحياة حتى الرمق الأخير. لم يصل البياتي إلى مرحلة الشيخوخة، بل ظلّ طفلاً مشاغباً حتى وهو في السبعين، ولم أفاجأ برحيله، لأنه غادر عمّان إلى دمشق وهو يعلن "ذاهب لأموت في دمشق"، كما قال لي قبل رحيله - هاتفياً - وأضاف: "أنت الوحيد الذي اودعه". فشعرت بأنه يخصني بذلك، على رغم انني انشغلت عنه في مشاغل الحياة اليومية. كان طريفاً يختصر الأوصاف حين تسأله عن شاعر ما، على رغم ان البعض كان يغضب، إلا أنني لم أغضب منه ولم يغضب مني. قال لي أحد الشعراء العرب الكبار عندما زار عمّان: ما سر صداقتك مع البياتي؟ قلت: إنه قراري الشخصي بأن لا اقترب من محرماته!!! فتعاملت معه باحترام واعتراف. بل أصبحت خبيراً بأي جملة يقولها البياتي. لهذا لم تتسلل إلى عقله أو قلبه، أية غمامة ريبة تجاهي. صداقة قديمة معه بدأت عام 1964 في القاهرة ثم بيروت ثم عمّان حتى صيف 1998، وكان للمقاهي طعم خاص في صداقتنا المشتركة. كثيرون قالوا لي: انتما مختلفان، فكيف تستمر الصداقة ستة وثلاثين عاماً؟! ولم يعرفوا ان مفتاح البياتي سهل وبسيط، عندما نبحث عنه بحب وموضوعية. هناك إجماع عربي على ريادته، فهو من جيل السياب ونزار قباني وأدونيس وصلاح عبدالصبور وخليل حاوي... وغيرهم. وهو صاحب انتاج غزير متنوع. شاعر الحنين الرومانسي الثوري وهو يمسك باللحظات الهاربة من التاريخ والاسطورة. بدأ بلغة واقعية وانتهى إلى صوفية بغدادية. ضجيجه في المكان، حيث يفجّر المعارك ويثير الاشكاليات. هل حقاً مات المؤلف!! من يعرف البياتي يدرك ان النصوص لا تكفي. رجل صريح إلى درجة الهجاء. ترك أثراً لا يُنسى في حركة الشعر الحديث، هو إحدى علاماتها. وداعاً أبا علي. * شاعر فلسطيني.