أول الكلام من الفيروزيات: أنا عندي حنين ما باعرف... لمين؟ ليليِّ بيخطفني من بين السهرانيين!!
في رحلتها الجديدة… غنّت في جنيف تلبية لنداء 12 آب اغسطس بدعوة من اللجنة الدولية للصليب الاحمر… صدحت "فيروز" العصر من شعر "جبران خليل جبران" ولحن ابنها زياد: "الارض لكم"… غنّت بقلبها الموجوع وليس بحنجرتها الملائكية، وقيل بعد تبعثر أسرتها، وأرض لبنان في حربها الاهلية: ان "فيروز" لن تعطي بحجم وقيمة ما أعطت بألحان وكلمات الرحبانيين! لقد ترمّل صوت "فيروز" بالانفصال، ثم بموت الرفيق، وبانتحار الارض، قبل ان تشعر بعد ذلك بترمل الأنثى فيها… ولذلك تراوح صوتها وعطاؤها في فترة اعقبت، بين الحضور والغياب. افتقد النغم العربي هذا الصوت المميز فترة طويلة… كأن الاغنية العربية هي الاخرى: قد ترملت وصار التسابق بين مقتحمي ساحة الفن على شكل "أشرطة" تتحدى ذوق المستمع ومشاعره!
واليوم... صار الجديد الذي يتدفق من صوت "ست الدنيا"/ فيروز: هو الذي يحصد عذاباتها، وعذابات وطنها وأمتها العربية… هو الذي يحمل الشوق والحنين والوفاء، ويختطف هنيهة راحة تضمّخ النفس بالتذكر. وحين أصغي الى صوتها/ فيروز… لا أرى لها شكلاً لأن صوتها يجسد عصوراً من التاريخ، ويقيم بيتاً من اجمل ما سكنَّاه وسكَننا. وتحت هذا التوالد المبذور في جراحنا… يبلُّ صوتها: صاديتنا عندما يبدأ احتراق الوجد في دفاتر تاريخ انساننا المعاصر! وهذا صوتها الفيروز: يتمدد في امسياتنا العربية… كأنه ظل قلوبنا، ويتبع وهج الحنين في صدورنا. صوتها: يحمل الى خفقات الارض العربية حباً آخر يستكبر على الشوق والضنا واللوعة! صوتها: يحمل ميراثه ويمشي الينا اليوم معتقاً… بأصداء ميلاد الحب… بأبعاد الموت الذي نعيشه… بعمق الجرح الذي ينغل في شراييننا. فمن يعي في هذه اللفتات الواقفة… ما يشرخ أحاسيسنا من ضياع؟! ومن يحب مثل هذا الحب/ السؤال… الحب/ الحيرة: - "شو بقلن لأهلي عن وطني الجريح عن وطني اللي متوّج بالخطر والريح قصتنا من أول الزمان"؟!
صوت "فيروز": هو هذا القرار الذي صار: تتويج الفن والابداع. صوتها اليوم: يتبرأ من انتظار "العشاق" الطويل، ويأتي بالموعد: سراً، وناراً… كأنه رعشة الفرح ورجفة الموت!! صوتها/ مينا الحبايب ابداً: ينزل في رحيل اشياء النفس مطراً… يتناثر كأشعة شمس عفية في هذيان الارض العربية: - "انا اللي بيسمّوني: الملكة بالغار… متوّج زمني ومملكتي: ما فيها بكي وجبيني:… ولا مرة حني، ما حني"! صوتها/ فيروز - جارة القمر: يخرج من فانوس الليل مطرزاً بالكلمات حين فرار النجمة من قمرها… في اغانيها: تنادي، تعرض الذكريات/ لوحات ثمينة، ولا احد يقدر على دفع الثمن!!