يشكل الفوسفات ومشتقاته أحد أهم المصادر الطبيعية في المغرب الى جانب المنتوجات البحرية والمعادن المختلفة. وتحتوي المملكة على ثلثي أرباع الاحتياط العالمي من الفوسفات المقدر بنحو 70 بليون طن ما يجعل المغرب أول مصدر لهذا المنتوج الذي تم اكتشافه في مطلع القرن ال20 في مناطق خريبكة واليوسفية واسفي وبوكرع. وبسببه تم تسريع وتيرة استعمار المغرب والسيطرة على خيراته ابتداء من العشرينات تاريخ انشاء المكتب الشريف للفوسفات. ومع تضارب تفسيرات العلماء حول أصل المادة المعدنية هناك شبه اجماع على ان المناطق التي يوجد بها الفوسفات اليوم في المغرب كانت مغمورة بمياه البحار والمحيطات في مراحل سابقة من تاريخ كوكب الأرض قبل مئات آلاف السنين في العصر الجليدي. وعندما تراجع البحر وانسحبت المياه أو تجففت لعوامل مختلفة تركت وراءها أنواعاً من بقايا وهياكل الحيتان الضخمة التي تحولت مع الزمن الى مادة الفوسفات ذي اللون الأبيض الميال الى الخضرة. لذلك تتمركز حالياً وحدات انتاج ومعالجة الفوسفات في المناطق المجاورة للمحيط الأطلسي جنوبالدار البيضاء بطول نحو 200 كلم ما يجعل منها أكبر وأضخم منطقة صناعية في المغرب، وهي تضم الى جانب مركبات الجرف الأصفر للصناعات التحويلية وعددها أربعة، موانئ اخرى للتصدير في كل من اسفي والدار البيضاء. وأربعة مركبات حرارية لانتاج الطاقة في الجرف الاصفر كلفتها 1.5 بليون دولار تنجزها مجموعتا "أ.بي.بي" السويسرية السويدية و"سي.ام.اس" الأميركية. واستثمر المغرب في هذه المناطق عشرات بلايين الدولارات لتشييد أحدث وأضخم مصانع تكرير الفوسفات في العالم الى جانب الولاياتالمتحدة وجمهورية روسيا الفيديرالية. وتمتد أحزمة نقل الفوسفات الآلية عشرات الكيلومترات من مناجمها في خريبكة واليوسفية الى موانئ المحيط الاطلسي، كما تمتد أحزمة مماثلة لنقل الفوسفات المعالج من مناجم بوكراع الى ميناء العيون في الصحراء الغربية. وتعرض الفوسفات على مدى 80 سنة الى فترات من حالات الطمع الخارجي تماماً كما حصل للنفط في مناطق اخرى من البلاد العربية والاسلامية بفعل الحاجة الى مادة اساسية تستخدم في الزراعة والصناعات المختلفة اضافة الى منافعها البيئية باعتبار ان مادة الفوسفات أقل تلويثاً للطبيعة من مواد أخرى كيماوية. وعرفت اسعار الفوسفات فترات من التذبذب تمشياً مع الطلب الدولي على المواد الأولية وارتباطها احياناً بأوضاع سياسية وصراعات وحروب كما حدث عام 1974 عندما ارتفعت الاسعار على غرار النفط عقب الحرب العربية - الاسرائيلية. لعب الفوسفات دوراً كبيراً في تمويل مشاريع التنمية في المغرب طيلة العقود الأخيرة. فقد ظل لفترة طويلة المصدر الأساسي للعملة الصعبة وعلى اكتافه قامت برامج الاستثمار العمومية طيلة فترة الستينات والسبعينات والثمانينات. وساهم ارتفع الاسعار في منتصف السبعينات في تعزيز وضعية الاقتصاد المغربي. وشكل ارتفاع اسعار الفوسفات في أواسط السبعينات عقب حرب اكتوبر العربية - الاسرائيلية زخماً للاقتصاد المغربي الذي حقق في تلك الفترة نمواً بلغ نحو 20 في المئة توسع في اطاره دور القطاع العام وزاد الإنفاق الحكومي ضمن سياسة المشاريع الكبرى التي استهدفت تقوية البنيات التحتية وتطوير الصناعات المحلية والاعتماد على الزراعة كمحرك اساسي للاقتصاد المحلي في اطار سياسة السدود التي خطها الملك الراحل الحسن الثاني منذ عام 1967. ويقول صندوق النقد الدولي في تقرير عنوانه "التجربة المغربية" صدر عام 1995 في واشنطن ان المملكة المغربية راهنت في السبعينات على استمرار ارتفاع اسعار المواد الأولية في السوق الدولية ومنها صادرات الفوسفات كما راهنتا على تحصيل قروض ميسرة في ظل الفائض المالي الدولي وطفرة النفط في منطقة الشرق الأوسط. ومكن الفوسفات من تعزيز مفاوضات المغرب التجارية مع الاتحاد الأوروبي منذ عام 1969 تاريخ توقيع أول اتفاق تجاري، وكان الفوسفات يحتل نحو نصف حجم الصادرات، كما ساهم في تنويع قاعدة الانتاج الصناعية لاحقاً من خلال نقل التكنولوجيا التي رافقت توسع المغرب وريادته في انتاج ومعالجة وتصدير الفوسفات والحامض الفوسفوري الذي ينتج منه المغرب نحو 2.7 مليون طن يجعله في المرتبة الأولى عالمياً وأحد أهم مزودي دول جنوب آسيا خصوصاً الهندوباكستان. كما لعب الفوسفات دوراً كبيراً في تكوين الأطر العليا في الهندسة التحويلية والبحث العلمي بفعل رغبة المغرب في اضفاء نوع من الاستقلال العلمي على بحوثه الفوسفاتية، ما جعل المغرب ينفرد بتجربة انتاج أنواع خاصة من الحامض الفوسفوري والأسمدة الأزوتية والامونياك المخفف. ويتوقع المدير العام للمكتب الشريف للفوسفات السيد مراد شريف ان يزداد الطلب على هذه المادة ومشتقاتها في السنوات المقبلة ما سيحافظ على الاسعار في السوق الدولية بسبب التزايد السكاني في العالم وارتفاع حجم الانتاج الزراعي وتحسن مستوى العيش الذي يولد حاجات غذائية جديدة. وتبدو آفاق الطلب على الفوسفات ومشتقاته واعدة على المدى المتوسط والبعيد، لكن ذلك لا يمنع من الحذر لأن احداثاً سياسياً أو اقتصادية غير متوقعة قد تبرز بين حين وآخر. وخلافاً لمواد أولية أخرى عادت اسعار الفوسفات الى حالتها الطبيعية بعد انخفاض كبير أدى الى اقفال العديد من الشركات المنتجة للفوسفات في العالم. ويستفيد الفوسفات حالياً من تحسن الطلب والاسعار، لذلك يتوقع المغرب عائدات في حدود بليوني دولار مطلع سنة 2000. وأشار شريف الى ان المغرب يكتنز ثلاثة أرباع الاحتياط العالمي من الفوسفات ويحتل المرتبة الأولى في التصدير ويبلغ نصيبه من السوق العالمية 31 في المئة في مقابل 28 في المئة عام 1996. وتقدر مبيعات الفوسفات لسنة 1999 بنحو 1.9 بليون دولار وهو ما يمثل نحو 30 في المئة من اجمالي صادرات المغرب أو نحو ثلاثة في المئة من اجمالي الناتج المحلي وأول مصدر للعملة الصعبة الى جانب السياحة وتحويلات المهاجرين. ويعتقد مراد شريف ان هذه المكانة تضع أعباء ومسؤوليات على مكتب الفوسفات الذي عليه ان يتحكم في وسائل التكنولوجيا المتقدمة وفي تقنيات التدبير الاداري والتجاري وتكوين نسيج من المتعاملين والحلفاء عبر العالم. تحالفات دولية ويملك المكتب الشريف للفوسفات حالياً مشاريع شراكة مع عدد من الشركات الدولية في كل من الهندوباكستان والمانيا وبلجيكا وفرنسا اهمها مشروع برايون الذي يملك فيه نسبة 45.3 في المئة من رأسمال اطلق عليه اسم ايمافوس وهو موجه لإرضاء دول البينلوكس من الاسمدة المختلفة، ومشروع آخر تم انجازه مع مجموعة بادنهايم الالمانية ضمن خطة شراكة وتوسع دولي في وسط أوروبا. كما يملك مكتب الفوسفات مساهمات في شركة "انفيل" الباكستانية لانجاز معمل للاسمدة الأزوتية في باكستان انطلاقاً من الحامض الفوسفوري المصنع في المغرب وقدرته 200 ألف طن سنوياً. وينتظر ان يبدأ العمل بعد أيام في المركب الكيماوي - ايماسيد - في منطقة الجرف الأصفر جنوبالدار البيضاء، الذي ينجزه المكتب الشريف للفوسفات مع مجموعة "بريلا" الصناعية، وهو أكبر مشروع مشترك من نوعه في العالم في مجال الحامض الفوسفوري. وسيوجه نحو 70 في المئة من انتاجه الى الهند التي تعتبر أكبر دولة مستوردة للحامض الفوسفوري المغربي وبلغت قيمة مشترياتها العام الماضي نحو 450 مليون دولار. وقدرت كلفة مشروع ايماسيد بنحو 270 مليون دولار وشاركت في بنائه 73 شركة و153 مزوداً للاجهزة واستغرقت اشغاله نحو سنة ونصف. وكان الاتفاق بين المكتب الشريف للفوسفات ومجموعة "بيرلا" تم في نهاية عام 1997 اثناء حضور رئيس المجموعة الهندية الى الدار البيضاء. وكان المكتب الشريف للفوسفات المملوك للدولة حصل خلال النصف الأول من السنة الجارية على قرض من البنك الأوروبي للاستثمار بقيمة 107 ملايين دولار لتمويل مشاريع استثمارية وبيئية. وينفذ المكتب حالياً خطة استثمارية كلفتها نحو 1.2 بليون دولار تمتد الى سنة 2003 لرفع الانتاج والإبقاء على الريادة الدولية في الانتاج والتصدير في الفوسفات وسط تكهنات بزيادة الطلب العالمي وارتفاع الاسعار تمشياً مع تحسن اسعار الطاقة والمواد الأولية ونصف المصنعة.