بدأت المملكة العربية السعودية تعويض خسائرها الناجمة عن تراجع اسعار النفط العام الماضي على رغم خفض انتاجها باكثر من مليون برميل يومياً ما اتاح لها الوفاء بالتزاماتها المالية تجاه المزارعين والمقاولين المحليين. ووصلت قيمة المخصصات، التي اقرتها الحكومة لسداد متأخرات المزارعين والمقاولين خلال اسبوع، اكثر من بليون دولار اضافة الى مبالغ مماثلة صُرفت في الاشهر السابقة ما يعكس بدء تدفق سيولة مالية اضافية الى خزانة الدولة بعد ارتفاع اسعار النفط باكثر من تسعة دولارات للبرميل السنة الجارية. وانعكس صرف هذه المستحقات مباشرة على الاقتصاد المحلي اذ شهد قطاعا المصارف والمقاولات نشاطاً اكبر في الربع الثاني ويُتوقع ان يسجلا نمواً اعلى السنة الجارية مقارنة مع العام الماضي. وقال مصرفيون في المملكة "ان الحكومة السعودية اصدرت سندات للمقاولين تزيد قيمتها على اربعة بلايين ريال 1.06 بليون دولار لسداد متأخرات متراكمة في العامين الماضيين بعدما قررت صرف نحو 770 مليون ريال 205 ملايين دولار الاسبوع الماضي لسداد ديونها الى المزارعين". واعتبر مدير الدائرة الاقتصادية في "البنك الاهلي السعودي" سعيد الشيخ الخطوتين بانهما "الدليل على تحسن الوضع المالي للمملكة نتيجة ارتفاع اسعار النفط والاجراءات التي اتخذتها الحكومة اخيراً لتنمية الايرادات غير النفطية خصوصاً رفع اسعار البنزين وفرض رسوم على المسافرين المغادرين". واضاف في اتصال مع "الحياة" ان "هناك نمواً ملحوظاً في السيولة واصبح الوضع المالي والاقتصادي افضل بشكل عام اذ سيكون هناك نمو ايجابي في معظم القطاعات السنة الجارية بعد تراجع حاد العام الماضي". واشار الى ان صرف مستحقات المزارعين والمقاولين سيُعطي دفعة جديدة للمصارف السعودية ما سيُسهم في رفع ارباحها السنة الجارية. وافادت احصاءات اصدرها "البنك الاهلي السعودي" ان المصارف السعودية 11 مصرفاً حققت نمواً في ارباحها الصافية بلغ نحو 6.7 في المئة لتصل الى نحو اربعة بلايين ريال 1.06 بليون دولار في النصف الاول من السنة الجارية من 3.75 بليون ريال بليون دولار في الفترة نفسها من العام الماضي. كما ارتفع اجمالي الاصول بنسبة 3.1 في المئة الى 412.4 بليون ريال 110 بلايين دولار من 400.1 بليون ريال 106.6 بليون دولار. ونمت القروض بنحو ثلاثة في المئة الى 179.9 بليون ريال 47.9 بليون دولار من 174.5 بليون ريال 46.5 بليون دولار ما يعكس توسعاً في النشاط الاقتصادي خصوصا في الربع الثاني عندما بدأت اسعار النفط في الانتعاش. وقال السيد الشيخ: "يعكس هذا النمو في الاقراض ايضا زيادة الثقة والاطمئنان في القطاع الخاص الذي سيُسجل نمواً اكبر السنة الجارية... وما يدعم هذه الثقة هو ارتفاع اسعار النفط والخطوات التي اتخذتها الحكومة لسداد المتأخرات". وتوقع مصرفيون ان ترتفع ايرادات السعودية من صادرات النفط السنة الجارية الى نحو 40 بليون دولار مقابل 28 بليون دولار العام الماضي على رغم خفض الانتاج بنحو 1.3 مليون برميل يومياً بموجب اتفاقات "اوبك" ودول نفطية اخرى لتقليص الانتاج وازالة الفائض من السوق. واشار المصرفيون الى ان ارتفاع الاسعار امن للسعودية وحدها فائضاً مالياً زاد على 2.5 بليون دولار في الاشهر الثلاثة الماضية ويُتوقع ان يصل اجمالي الفائض الى اكثر من ثمانية بلايين دولار السنة الجارية. وذكر مصرفيون ان هذا الدخل الاضافي سيُمكن الحكومة السعودية من صرف مزيد من المستحقات للمقاولين والمزارعين في الاشهر المقبلة ما سيؤدي الى توسع النشاط في بعض القطاعات وبالتالي تسريع معدل النمو الاقتصادي. وقال مصرفي: "درجت العادة في الآونة الاخيرة ان تسدد الحكومة المتأخرات المالية كلما كانت هناك سيولة اضافية لان هذا الامر بات يُشكل احد الاولويات في هذه المرحلة التي تتطلب التركيز على تنويع مصادر الدخل والاعتماد على القطاع الخاص لتحقيق نمو اقتصادي قابل للاستمرار". وكانت المتأخرات على الحكومة السعودية تراكمت بشكل كبير ابان حرب الخليج الثانية ما دفعها الى استخدام الفوائض المالية التي تحققت عامي 1996 و1997 نتيجة ارتفاع اسعار النفط لتسوية هذه المشكلة. وحسب مصادر مصرفية، وصلت المبالغ التي خُصصت لهذه المتأخرات الى اعلى مستوى لها عام 1996 وهو 22 بليون ريال 5.9 بليون دولار. وقال مصرفي: "لا تزال هناك متأخرات على الحكومة لكنها ضئيلة مقارنة بمستواها بعد حرب الخليج... وهي الآن تحت السيطرة لانه يبدو ان الحكومة عازمة على منع تكرار التجربة السابقة والتركيز على امور اكثر اهمية".