لا تزال الحكومة السعودية تلتزم عدم الاقتراض من الخارج والمساس باحتياطها النقدي على رغم الانخفاض الحاد في ايراداتها النفطية، في الوقت الذي تواصل فيه تسديد متأخرات المزارعين والمقاولين المحليين. وقال مصرفيون واقتصاديون ان الحكومة السعودية صرفت اكثر من 5.2 بليون دولار هذه السنة للمزارعين والمقاولين، وسيتم توزيع مبالغ اخرى في وقت لاحق من هذا العام وفق جدول زمني جرى وضعه لمعالجة مشكلة الديون الداخلية. واشاروا الى ان هذه المصروفات لم تتأثر ابداً بانخفاض ايرادات السعودية من العملة الصعبة بسبب ضعف اسعار النفط او بإجراءات ترشيد الانفاق التي اعلنتها الحكومة لمواجهة هذا الانخفاض الذي يمكن ان يصل الى الثلث في نهاية العام الجاري. وقال الخبير السعودي احسان ابو حليقة في اتصال هاتفي مع "الحياة"، "سددت الحكومة 4،1 بليون دولار للمزارعين اخيراً والدفعات لم تتأثر البته بانخفاض اسعار النفط لأن الحكومة تعطي هذا الموضوع أولوية ولن تسمح ان يخرج عن السيطرة مرة اخرى". واضاف "الحكومة باتت تدرك ان هذه المصروفات تسهم في انعاش الاقتصاد لأنها تساعد المزارع والمقاول على التوسع في اعماله ومشترواته، اضافة الى ان الطلب على خدمات هؤلاء المزارعين والمقاولين تقلص كثيراً ولم تكن الدفعات ضخمة كما في السابق". واستبعد ابو حليقة ان تلجأ الحكومة السعودية الى الاقتراض من الخارج او السحب من احتياطها النقدي لتغطية هذه المصروفات او تمويل العجز المتوقع في الموازنة العام الجاري. وقال ان هذه الدفعات يتم صرفها لأنه "تمت جدولتها في الموازنة وليس هناك داع للسحب من الاحتياط الخارجي للملكة او اللجوء الى الاقتراض". وزاد "اعتقد ان الحكومة السعودية لا تزال ملتزمة تماماً عدم العودة الى الاقتراض وهي لن تضطر الى السحب من الاحتياط الخارجي لأنها ليست واقعة تحت صغط الديون وليست هناك مشاكل مالية كبيره تستدعي هذا السحب". واوضح ابو حليقة ان السعودية تمتلك عادة احتياطاً خارجياً يكفي لتغطية وارداتها على مدى ثلاثة شهور على الاقل وانها "لن تسمح بأن يتقلص هذا الاحتياط لأن ذلك سيكون مصدر قلق للمصدرين اليها ما سيؤثر في احتياجاتها من الخارج". وقدر مصرفيون سعوديون احتياط المملكة في الخارج بنحو 5،7 بليون دولار بنهاية النصف الاول من العام الجاري مقابل 7.4 بليون دولار بنهاية الربع الاول وسبعة بلايين دولار بنهاية عام 1997، ما يعني ان الحكومة لم تلجأ الى السحب من الاحتياط حتى الآن. وقال مصرفي ان هذا المبلغ يكفي حالياً لتغطية واردات المملكة لمدة اربعة شهور "وهو مستوى مريح ومقبول بالمعايير الدوليه". اكبر احتياط خارجي وكانت السعودية تملك اكبر احتياط خارجي في الدول العربية خلال الفورة النفطية وصل الى اكثر من 25 بليون دولار بداية الثمانينات الا انه بدأ يتضاءل بسبب السحب المتواصل لتمويل العجز الناجم عن انخفاض ايرادات النفط الى ان وصل الى أدنى مستوى له عام 1992 وهو 5.5 بليون دولار. لكن المملكة عملت على اعادة بناء الاحتياط بعد ازمة الخليج التي أرهقت موازنتها، من خلال تخصيص جزء من ايرادات النفط السنوية، ساعدها في ذلك ارتفاع الاسعار عامي 1996 و1997 الى اكثر من 18 دولاراً للبرميل. ودفع هذا الارتفاع الحكومة السعودية الى تطبيق برنامج يعالج مشكلة المتأخرات المتراكمة بعد ازمه الخليج اذ اعتمد اكثر من عشره بلايين دولار لتسديد هذه المستحقات. وبعكس هذين العامين فإن ايرادات المملكة ستصل العام الجاري الى أدنى مستوى لها منذ اكثر من عشر سنوات بسبب انخفاض اسعار النفط و تذبذب الانتاج، اذ قدر مصرفيون هذا الدخل بأقل من 40 بليون دولار مقابل اكثر من 50 بليون دولار العام الماضي. وقال مصرفي في الرياض "لا أحد يستطيع التكهن ما سيكون عليه متوسط سعر النفط هذا العام، لكن من المؤكد انه سيكون أدنى بكثير عن العام الماضي وقد يصل الانخفاض الى خمسة دولارات". واضاف "بالطبع سيؤثر ذلك على ايرادات السعودية من العملة الصعبة ويحتمل ان تنخفض بمقدار الثلث ما سيؤثر سلباً على معدل النمو الاقتصادي ووضع الموازنة وميزان المدفوعات". يشار الى ان السعودية وهي اكبر منتج ومصدّر للنفط في العالم قلّصت العجز في الموازنة الى 1.6 بليون دولار العام الماضي بما يوازي نسبة 1.1 في المئه فقط من إجمالي الناتج المحلي على رغم ارتفاع الانفاق خصوصاً على مشاريع التنمية والخدمات. كما ان الحساب الجاري سجل فائضاً للسنه الثانية على التوالي بعد عجز تراكمي زاد على 50 بليون دولار في الاعوام الخمسة الماضية.