بدأت بالعدالة وتريد ان تنتهي بالسياسة. من الدعوة الى قيام دولة فلسطينية الى تأييد جعل القدس عاصمة لاسرائيل قصة تحوّل عادية قد تفاجئنا بعض الوقت لا أكثر. لم تترشح هيلاري كلينتون رسمياً لمجلس الشيوخ عن نيويورك ولم يفعل بعد خصمها المحتمل رودولف جولياني، رئيس البلدية الذي استغل نجاح ضابط كبير في الشرطة في الحد من الجريمة ليوجه نظره الى مجلس الشيوخ، ومن ثم الى البيت الأبيض ربما. هيلاري كلينتون متهمة بالطموح نفسه، لكن عليها ان تجمع أولاً خمسة وعشرين مليون دولار لحملتها التي بدأتها بالتخلي عن المبادئ واكتشاف جذور يهودية في أسرتها. صحيفة اسبوعية نيويوركية صغيرة تدعى "فوروورد" اكتشفت "بالصدفة" ان جدتها لأمها طلقت جدها لتتزوج ماكس روزنبرغ وتنجب منه آدلين، الأخت غير الشقيقة لوالدة هيلاري. ناطق يهودي باسم الاميركية الأولى ذكر أنها "لم تعرف السيد روزنبرغ بالمعنى الديني، لكن ذكرياتها عنه ودية للغاية، وهي فخورة بأسرتها". وماذا كنا ننتظر؟ ان تشن امرأة طموحة حروبنا نيابة عنا لأننا أضعف، وأكثر تشتتاً من ان نخوضها بأنفسنا؟ ما الذي تربحه أو تخسره سواء فعلت أو لم تفعل في أي حال؟ عندما رفض رونالد ريغان مقولة "أمن سورية من أمن لبنان" غنى له غسان الرحباني "الى ريغان مع الحب"، لكن رفض الرئيس الاميركي كان نظرياً وكذلك الحب في الأغنية لاحقاً. هيلاري أثارت السخرية عندما تبنت مفهوم "سياسة المعاني" الذي ابتكره مايكل ارنر رئيس تحرير مجلة "تيكون" اليهودية، وسواء كان هذا المفهوم مفهوماً أم لا فهي بحثت دائماً عن العمق في ما تراه حولها وسخرت من الرخص الذي يتواطأ فيه الجمهور والاعلام: "إذا أردنا نقل أخبار البوسنة من الصفحة الأولى، ما علي إلا ان أغير تسريحة شعري". وهي غيّرتها الى درجة جعلت الناظر يتساءل ما إذا كانت عاشقة لا علاقة لزوجها بذلك أو هاوية تسلية أو نرجسية تحدق في المرآة وتطلب لنفسها صورة أجمل. ويبدو ان السياسة في اميركا وقربها من بيل كلينتون قضيا على قدر كبير من أملها في الاحتفاظ بجديتها السابقة. تعتنق الميثودية، المذهب البروتستنتي الاصلاحي، وتدعم سعي تيبي غور زوجة نائب الرئيس الى فرض رقابة على الفنون والآداب المتعلقة بالأطفال. نافست وهي صغيرة أطفال الحي في جمع التبرعات للفقراء، واهتمت في عملها بالأسرة والأطفال. يبدو ذلك بعيداً زمناً وهماً، فمع أنها زارت لاجئي كوسوفو وشاركت في ندوات عن المرأة في الأشهر القليلة الماضية ترتبط اهتماماتها الماضية اليوم بهمومها السياسية، ويظهر كل ذلك تجميلاً لصورتها لا أكثر. هل سلبتها الصورة حقيقتها والسياسة مبادئها؟ كانت تناقض زوجها في تمسكها الصارم بالمبادئ، وباتت تتمرن معه ساعات يومياً على إلقاء الخطب. يستخدمان الطائرة الرئاسية في رحلات جمع التبرعات ويتذرعان بان الرؤساء الجمهوريين فعلوا ذلك. الفارق ان هؤلاء كانوا رؤساء لا أميركيات أوائل، لكن هيلاري تعلمت استغلال السلطة وتبرير الغاية الوسيلةَ، وتناست ان كل ساعة تستخدم فيها الطائرة الرئاسية تكلف اثني عشر ألف دولار من جيب دافعي الضرائب. أي الفقراء في الحفلات التي يكلف فيها الطبق الواحد خمسة آلاف دولار والبطاقة الواحدة خمسة وعشرين ألف دولار؟ نقول ان اللعبة السياسية تفرض نفسها وانها تنتظر الوصول لتحقق برنامجها، لكن من الذي لم يساوم عندما وصل خصوصاً اذا طمح، وهو يفعل دائماً، الى ولاية ثانية؟ زوجة كينيث ستار ألمحت بسخرية الى التغير المستمر في شكل هيلاري بالقول انها معجبة "بكل تسريحاتها" ولم تنس ان تذكر انها شخصياً لم تغير تسريحتها في الأعوام العشرين الماضية. هيلاري التي تحولت من امرأة بسيطة المظهر الى سيدة أنيقة ترتدي الملابس الباهظة الثمن تبدو تجسيداً لسندريلا وصور اندي وورهول المتكررة. لكن الفنان الاميركي قدم وجهاً واحداً بألوان مختلفة، في حين تقدم الاميركية الأولى منذ سبعة أعوام وجوهاً عدة ويحار المرء في عالمها الحقيقي، عالم السلطة الغني أو عالم القاعدة الذي يشكل الفقراء هل تذكرهم؟ بعضه. لم يستطع كينيث ستار ان يجد دليلاً ضد هيلاري في المسائل الثلاث التي ارتبط اسمها بها. اتهمت بأنها طردت موظفي مكتب السفر في البيت الأبيض وعينت محلهم مناصرين لها ولزوجها، وانها تورطت في عمليات احتيالية في الشركة التي عملت فيها محامية، وانها سرقت مئات الملفات من ال"اف.بي.اي" وأخفتها قبل ان تظهر بطريقة سحرية في البيت الأبيض. مكنتها براءتها من البدء بالعمل السياسي على حسابها، لكن الجمهوريين لم يتركوها تنعم بالحرية، تركز الصحف على علاقتها بفنسنت فوستر صاحب الشركة التي عملت فيها رغم صداقتها مع زوجته وانجابهما ثلاثة أولاد. كان حبها الحقيقي، تقول الروايات، وال"اف.بي.اي" اشترك في تغطية الجريمة وإظهارها انتحاراً. التفاصيل التي ذكرتها المربية السابقة لتشلسي تظهر زواج بيل وهيلاري، مرة اخرى، صفقة سياسية. كل شيء عادل في الحب والحرب عند الاميركيين، ولن نعرف أبداً هل يحق لنا؟ حقيقة زواجهما الأكثر تعقيداً من الزواج العادي. الأكيد ان بيل يقف معها ويرد بطريقة غير مباشرة انما بالعودة الى البداية. تبعها أسابيع، قال في حفل لجمع التبرعات، من دون ان يقول لها كلمة واحدة الى ان رمت كتبها وصرخت ان عليهما على الأقل التعرف احدهما الى الآخر. لديها مبادرة ضحك وهذه صفة جيدة في السيناتور مزيد من الضحك. كان ذلك في 1973، فهل ترد الذكريات على الحقائق وما يبدو حقائق؟