بعد ثلاث جلسات للجان النيابية المشتركة خصصت لمناقشة خطة إنتاج الكهرباء تم التوافق وبالإجماع على مخرج قضى باعتماد قرار مجلس الوزراء كمشروع قانون يطرح اليوم على التصويت في الهيئة العامة للمجلس النيابي بدلاً من نص المشروع الذي حمله وزير الطاقة جبران باسيل. واتسمت جلسة أمس التي رأسها رئيس المجلس النيابي نبيه بري وحضرها رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، بالهدوء والموضوعية وبقيت في إطارها التقني بعيداً من السياسة، وخلافاً للجلستين السابقتين شكلاً ومضموناً. وانحصر النقاش والمداولات في مقاربة الموضوع بطريقة إيجابية على رغم التباين في المواقف حول خطة ومشروع الكهرباء والاقتراحات التي طرحت في هذا الشأن. وجاء هذا المخرج من بري وميقاتي بعد توافق واضح بينهما وبين النائب وليد جنبلاط. وخلال الجلسة توجه رئيس لجنة الأشغال والطاقة النائب محمد قباني إلى بري قائلاً: «من غير الجائز أن يسجل المجلس على نفسه سابقة، هناك إنفاق بليون و 200 مليون دولار من دون اطلاع المجلس النيابي عليه ومن دون وضع ضوابط، وكلام الوزير جبران باسيل عن مناقشة الخطة غير صحيح، وإنما كل ما فعله انه جلب لنا بضعة أسطر ولم يناقش شيئاً اسمه خطة، ولم يأت أصلاً إلى المجلس بشيء اسمه خطة». وقال قباني ل «الحياة»: «هذا ليس تخصيصاً لوزير معين وليس لمحاولة تقييده، بل لحماية المال العام وللحرص على صلاحيات المجلس النيابي، لافتاً إلى أن ميقاتي أشار إلى «انه أجرى اتصالات بالصناديق العربية والدولية وأنها على استعداد للمساعدة، إما في تمويل مشاريع وإما في تمويل الخزينة على أساس أن تكون دفاتر الشروط والمناقصات بحسب المواصفات الدولية، وتعهد الرئيس ميقاتي أن تأتي هذه الخطة ربما غداً وربما خلال يومين أو ثلاثة أيام. ليس هناك مشكلة، نحن لن نسجل سابقة أننا أقررنا مبالغ ضخمة من دون خطة، وهذا الأمر ينطبق على كل القطاعات وليس فقط على قطاع الكهرباء». وشدد النائب غازي يوسف على « ضرورة تطبيق قرار مجلس الوزراء ووضع دفتر شروط ونتائج التلزيم»، وقال: « نحن كنا أبدينا إيجابية على أساس القرار لكننا فوجئنا بأن الخطة فارغة». أما النائب مروان حمادة فعرض ما أوردته جريدة «الديار» تحت عنوان « الصراع يجري على 360 مليون دولار عمولة الكهرباء». وقال: «هذه تهمة للجميع بالفساد وهدر المال العام. كلنا يريد الكهرباء، لكن نريد أن نحمي انفسنا والحكومة وأنت كذلك يا دولة الرئيس (ميقاتي). نحن مع الموقف المبدئي لمجلس الوزراء، لكن ما جاء إلى المجلس النيابي غير الذي وافق عليه مجلس الوزراء. ونحن مع إجماع ال 128 نائباً حول موضوع الكهرباء». واستغرب عدم شمول المشروع موضوع البيئة، وعلى أي أساس سيكون إنتاج الكهرباء إذ يجب أن نحمي البيئة فلماذا استبعادها؟. ثم تقدم النائب اكرم شهيب بمداخلة قال فيها: « نحن في السابق كان اعتراضنا على اقتراح القانون (تقدم به رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون)، واعتراضنا لم يكن سياسياً وإنما تقنياً، لا احد يزايد علينا في موضوع الكهرباء كلنا يريد الكهرباء. من حقنا وضع ضوابط، لكن عندما راحت الأمور إلى جلسات مجلس الوزراء شاهدنا كيف كانت الجلسات حامية، وما وصل إلينا نحن ضده، كونه غير الذي نوقش وأقر في مجلس الوزراء. من حقنا أن نحمي ونراقب ونعرف التفاصيل ونطبق الأسباب الموجبة». وأضاف: « كنا في صدد الوصول الاثنين الماضي إلى صيغة حول مشروع القانون وأن نلحق به الأسباب الموجبة وأن يتعهد رئيس الحكومة بذلك لكنها تعثرت في آخر لحظة لأنهم (العونيون) لم يوافقوا عليها». وقال: «الخطة ناقصة وكل كلمة أقرت يجب أن تدرج في القانون». وبعد إنهاء شهيب كلمته صفقت له غالبية النواب وقوفاً إذ شكل موقفه صدمة للعونيين. وشدد النائب جمال الجراح على» مراعاة دفتر الشروط للمعايير الدولية وضرورة مراعاة الآثار السلبية، خصوصاً أن وزير المال محمد الصفدي قال إن الخزينة لا تستطيع التمويل إلا لمدة سنتين وهذا ما يجعلنا نتجه إلى الصناديق العربية والدولية». واستحضر النائب سيرج طور سركيسيان المادة 65 من الدستور وتمويل المشاريع ومنها الكهرباء التي تنطبق عليها هذه المادة والتي تتطلب ثلثي مجلس الوزراء، لكن ما وصلنا إليه لا علاقة له بما وافق عليه مجلس الوزراء». وهنا تدخل النائب علي عمار وقال: «هناك صلاحية للوزير وفق اتفاق الطائف، وإذا كان هناك من هدر وفساد نحن نسفك دمه». ورد النائب انطوان زهرا مخاطباً عمار: «بارك الله فيك من فمك لباب السماء». وقال النائب بطرس حرب: «عندما أقرت الخطة لم يكن احد يريد أن يتركها في الهواء وبمزاجية، لكن هناك ضوابط وضعها مجلس الوزراء ونحن مع تطبيقها». وأكد شهيب: «نتمسك بكل حرف ورد في مجلس الوزراء» ( إشارة إلى أن النائب وليد جنبلاط كان ابلغ المعنيين خلال اتصالاته أننا لا نمشي إلا بالمشروع كما اقره مجلس الوزراء). وأثناء الجلسة رفع الرئيس بري مجموعة أوراق في يده ثلاث مرات وقال: «هذا هو القانون». وتوجه إلى باسيل قائلاً: «أنا قلت لك ثلاث اربع مرات ابعث الأوراق واضحة لمناقشتها، المشروع ناقص». أجاب: «بعثتها». قال له بري: «ناقصين قلت لك ناقصين». وقال الرئيس ميقاتي في مداخلته: «عندما وضعنا القانون أخذنا كل ما سمعناه في مجلس الوزراء لجهة التنفيذ وكل ما يلزم». وهنا قال بري: « كل شيء تم التوافق عليه في مجلس الوزراء يجب أن يؤتى به إلى المجلس النيابي حرفياً بالنقطة والفاصلة للتوافق عليه ومناقشته وإقراره بسرعة». ولاحظ النواب أن باسيل الذي خرج من الجلسة ممتعضاً كان في وضع المراقب فقط فيما بدا نواب «حزب الله» متقبلين للهواجس التي طرحت لكنهم تجنبوا الدخول في صدام مع عون. أما نواب كتلة عون فلم يتقدموا بأي مداخلة خلال الجلسة بل آثروا التحدث خارجاً باستثناء النائب إبراهيم كنعان الذي دافع عن صلاحيات الوزير معتبراً أن ما تطلبه المعارضة لزوم ما لا يلزم إذ هو رأس الوزارة إنما يخضع للإشراف وهناك فرق بين الرقابة والمحاسبة والصلاحيات. وأضاف:» الوزير هو الذي يعقد النفقات ويعمل موازنته، وكل وزير يشرف على المناقصة الخاضعة للتفتيش المركزي». وسبقت الجلسة لقاءات جانبية عقدها بري مع ميقاتي (الذي كان التقى السفير السعودي لدى لبنان علي بن عواض عسيري)، ولقاء آخر عقده بري مع النائب روبير غانم. ولوحظ دخول الوزير باسيل إلى جناح الرئاسة، كما لوحظ اجتماع بعيد عن الإعلام لنواب 14 آذار في مكتب نائب رئيس المجلس فريد مكاري، وضعت خلاله اللمسات الأخيرة على مواقفهم وتوزيع الأدوار خلال الجلسة. اتصال بري بعون وبعد الجلسة أجرى بري اتصالاً هاتفياً بالنائب عون ووضعه في أجواء «النتائج الإيجابية» لجلسة اللجان. واستباقاً لأي تصعيد عوني. وأعلن رئيس اللجان النائب غانم اثر انتهاء الجلسة أن «نحو عشرين نائباً تكلموا. وتبين من خلال المناقشات والملاحظات والهواجس التي طرحت أن هناك توافقاً بين ما يقال من هنا وما يقال من هناك على أسس ومبادئ عامة، ربما يتضمنها قرار مجلس الوزراء المتخذ في هذا الموضوع، وليس في المشروع الذي تقدمت به الحكومة أو الاقتراحات التي تقدم بها بعض النواب. وبعد هذه الملاحظات التي أبداها النواب، شرح الرئيس ميقاتي كل تفاصيل الخطة، وفصل بإسهاب كل المفاصل التي مر فيها هذا المشروع الذي تقدمت به الحكومة». وأضاف: «ثم تكلم الرئيس بري وأعطى خلاصة عن الاجتماع، وقال إن الجميع متفق على الجوهر والمبادئ، لكن الكتابة لم تكن من جهة الحكومة ولا من جهة الاقتراحات، لذلك تم التوافق في حضور جميع النواب على أن يصار إلى اعتماد قرار مجلس الوزراء كمشروع قانون يطرح اليوم على التصويت في الهيئة العامة». وسئل الوزير باسيل عما إذا كان راضياً، فقال: «أنا راض كل يوم». أما النائب عمار فاكتفى بالقول: «لقد انتصرت الكهرباء في لبنان على كل محاولات التعطيل». وأجمع الفريقان على أن قرار مجلس الوزراء هو الذي سيصبح قانوناً.