أصبح "استقلال القضاء" الشاغل الأساسي للأوساط السياسية والقانونية الأردنية بعد إحالة مشروع قانونه على مجلس النواب في دورته الاستثنائية التي بدأت السبت الماضي. ويأتي مشروع قانون استقلال القضاء في سياق اصلاحات أطلقها العاهل الأردني الملك عبدالله الثاني الذي تولى عرش البلاد قبل نحو نصف عام. وكان الملك عبدالله الثاني شدد لدى زيارته قصر العدل في أيار مايو الماضي على ضرورة الارتقاء بمؤسسة القضاء لأن "تحقيق الوحدة أو التضامن أو مفهوم الأسرة الأردنية الواحدة غير ممكن من دون تحقيق العدالة والمساواة بين الناس". وفتحت تلك الزيارة الباب أمام دعوات إصلاح القضاء التي بدأها رئيس المجلس القضائي السابق فاروق الكيلاني في مقالات نشرت في صحيفة "العرب اليوم" واعتبر فيها ان جميع السلطات، بما فيها القضائية تخضع في الأنظمة الديموقراطية الى "المراقبة ومراجعة أعمالها"، مشيراً الى ان "فرض القداسة على القضاء يعوق تقدمه ويؤدي الى جموده، فالقانون يحمي القاضي طالما كان مستقيماً، فإذا انحرف وأهمل فلا حصانة تحميه". وأوضح ان الحماية هي للدعوى "الى ان يصدر بها حكم قطعي، وعندئذ يصبح الحكم محلاً للمناقشة والبحث". وسألت "الحياة" الكيلاني عن تقويمه لقانون استقلال القضاء الذي تقدمت به الحكومة الى مجلس النواب، فأوضح ان له ايجابيات وسلبيات. وقال ان أبرز ايجابياته اعطاء حق تنسيب تعيين القضاة وإحالتهم على التقاعد الى المجلس القضائي ونزع الصلاحية من وزير العدل. لكن الكيلاني اشار الى بقاء صلاحيات تتيح للوزير التدخل في في سير القضايا من خلال نقل قضية من قاض الى آخر وتشكيل هيئة قضائية خاصة. وانتقد الكيلاني النص الخاص بالعطلة القضائية الذي لا يعالج اشكالية المماطلة والتسويف في القضايا. وكتب وزير العدل السابق راتب الوزني في صحيفة "الرأي" التي تمتلك الحكومة أكثرية اسهمها تحت عنوان: "عاجل... إلغاء استقلال القضاء" ان القانون الذي تقدمت به الحكومة يعطيها حق "تعيين رئيس السلطة القضائية" في مقابل إلغاء وزارة العدل التي يفترض ان تقوم بالأعمال الادارية خدمة للقضاء. مقابل ذلك، خففت نقابة المحامين هجومها على القانون الذي تقدمت به الحكومة بعد اجتماع نقيب المحامين صالح العرموطي مع وزير العدل ورئيس المجلس القضائي، والتوافق معهم على عدد من الاقتراحات. وقال العرموطي عقب الاجتماع ان هدف النقابة هو "الوصول الى قواسم مشتركة من خلال الحوار"، منوهاً الى ان معظم ملاحظات النقابة "نالت القبول". من جهته، أكد وزير العدل حمزة حداد ان هدف الحكومة هو "الاستقلال الكامل للقضاء مالياً وإدارياً ونزع صلاحيات وزير العدل كافة". وكانت نقابة المحامين شنت هجوماً على القانون الذي تقدمت به الحكومة وصفته ب"القانون العرفي"، كما ان عدداً من النواب هاجم القانون. وبموجب اتفاق نقابة المحامين مع الحكومة فسيسمح للنقابة بحضور اجتماعات اللجنة القانونية في مجلس النواب لإبداء آرائها وملاحظاتها. واعتبرت مصادر سياسية ان "النقاش الساخن في شأن استقلال القضاء مؤشر الى حيوية المجتمع الأردني ورغبته في التطوير والاصلاح"، مشيرة الى ان أي اصلاحات "لا بد من وجود معارضين لها أو مختلفين على طبيعتها، لكن المؤكد ان الإرادة السياسية ماضية في الإصلاح الى ان يبلغ مداه".