يتفاوض الفلسطينيون والإسرائيليون الآن على تنفيذ ما تم التفاوض عليه سابقاً. وهكذا فإن كل مفاوضات مع إسرائيل، تفضي إلى مفاوضات. وإذا سلمنا جدلاً بأن المفاوضات هي حل وسط، فإن إسرائيل تطلب حلاً وسطاً لكل جولة مفاوضات، وهكذا نبدأ بحل وسط، ثم وسط الوسط، ثم وسط الوسط الوسط، بحيث لا يستطيع أحد أن يعرف إلى أين ستنتهي المفاوضات. المفاوضات حالياً تجري حول ثماني قضايا: الجدول الزمني لتطبيق اتفاق واي ريفر، الانسحاب الأخير غير المنفذ والمقرر في اتفاق الخليل وليس في اتفاق واي ريفر، الممر الآمن بين قطاع غزةوالضفة الغربية ممران وليس ممراً واحداً، ميناء غزة، فتح شارع الشهداء في مدينة الخليل وهو عصب المدينة، القضايا الاقتصادية والمالية العالقة، وأخيراً تجديد التفاوض حول عودة نازحي 1967. وإذا توقفنا عند هذه النقطة الأخيرة التي كادت أن تُنسى، نذكر فنقول، إن إسرائيل قد وافقت من حيث المبدأ على عودة نازحي 1967، وتم النص على ذلك بوضوح في اتفاق أوسلو 1993، كما تم النص على تشكيل لجنة رباعية تضم إسرائيل والسلطة الفلسطينية والأردن ومصر، على أن تتولى هذه اللجنة البت في موضوع عودة النازحين، وقد بدأت المفاوضات في عهد اسحق رابين، وتولى المفاوضات شمعون بيريز وزير الخارجية آنذاك. وعقدت من أجل هذه الغاية سبعة لقاءات، ثم توقف عمل اللجنة بعد اغتيال رابين وانشغال بيريز في معركة الانتخابات التي خسرها أمام بنيامين نتانياهو. المعطل الرئيسي لعمل لجنة عودة النازحين كان شمعون بيريز نفسه، فقد سعى إلى وضع العراقيل أمامها منذ اليوم الأول، فادعى أن الموضوع المتفاوض عليه غير معروف، فمن هم هؤلاء النازحون وما هو عددهم؟ واقترح منذ جلسة المفاوضات الأولى، رفع الاجتماعات وتكليف جهة دولية اجراء احصاء لمعرفة عددهم، ولمعرفة إن كانوا، حسب قوله، يريدون العودة إلى وطنهم أم لا. وأعلن بيريز أيضاً أن النازحين هم الذين نزحوا عام 1967 من الضفة الغربيةوغزة وليس ابناؤهم وذريتهم، وتعني هذه الكلمة التي تبدو بسيطة اختصار عدد النازحين إلى الثلث. أثار هذا الموقف أزمة، وتوقفت على أثر ذلك اجتماعات اللجنة الأساسية، وتشكلت لجنة فنية، مهمتها وضع تعريف من هو النازح؟ وانشغلت اللجنة بهذا السؤال ستة اجتماعات ثم توقف عملها بعد اغتيال رابين. يضاف إلى ذلك أن بيريز شدد على أنه في حال الاتفاق على عودة أي عدد، فيجب أن تكون العودة مبرمجة وبمعدل 5 آلاف شخص في العام فقط، حيث يخشى من انفجار سكاني في منطقة السلطة الفلسطينية، ولكنه لا يخشى انفجاراً سكانياً في إسرائيل عند استقبال 800 ألف يهودي سوفياتي في مدى أشهر قليلة. ويعني هذا أن عودة نازحي 1967 تحتاج إلى 300 سنة فقط لا غير. ورغم كل ذلك، فإن العودة للاتفاق على إعادة اللجنة إلى العمل، وبحضور أطرافها الأربعة، هي خطوة ايجابية مهمة، فعودة النازحين موضوع أساسي يوازي موضوع الأرض. وعودة النازحين هي المدخل لبحث عودة اللاجئين إلى أرض فلسطين التي احتلت عام 1948. ولا بد من التذكير ان الذي عرقل أعمال لجنة النازحين هو بيريز المعتدل ورجل السلام كما يصفونه، ولن يكون باراك بالطبع أقل خبثاً من بيريز، ولا ننسى أن بيريز شريكه في الوزارة الحالية.