تسلل، الولد، المدلل الأرستقراطي، "قمر"، ظهر يوم الأربعاء الماضي، فاجتاح المجال السلطوي، للامبراطورية المهيبة، "شمس"، حجبت، وجهها البهي، وجبهتها الساطعة، عن وصيفتها الأثيرة، ومحظيتها المفضلة "أرض". وحرمتها اللمسة الدافئة، والقبلة الحنون، والعنفوان الدافق وقرص العشق الملتهب. * والولد "قمر" يختلس لحظات، شقاوته، عادة، عند الغسق، لكنه، هذه، المرة فعلها في وضح النهار، على مرأى ومسمع من الناس جميعهم، وعن سابق ترصد وإصرار وموعد وانذار، من دون أن يخشى الرقباء، والجواسيس... أو... الحراس... في الطرق. * الولد "قمر" هو صنيعة "شمس"، وربيبها. يعتمد عليها في رزقه، وغدوه، ورواحه، ومكانته، وموقعه، ووجوده كله. * لم يكن لنا أن نعرف "قمر" لولا أن "شمس" ترضعه كل يوم، ضوءها ودفأها، وبهجتها. وعندما تعزف عنه "شمس" وتغضب عليه، يختفي "قمر" كما لو كان قد رحل. ويصبح وجوده، كعدمه. ولم تكن المحظية، "أرض" لتلقي بالاً الى العاشق المتيم "قمر"، لو لم تكفله "شمس" برعايتها، وتخلع عليه بركاتها، وترسله، مشفوعاً بعنايتها، ليسبح في مخيلة "أرض"، عندما يسدل الليل عليها شعره، ويسبل عليها أجفانه، ويضمها، بجناحيه، الأكحلين. * ومع ذلك يتمرد "قمر" ويتدلل، ويتفلسف: فيستخدم "نظام" الشمس ضدها، ويدخل بينها وبين وصيفتها، على مرأى وعلم منها، ويبعثر الأشياء، ويقلب الأحوال، ويكسر المرايا. * يصنع "قمر" محل الضوء... ظلاً. ويجعل "زمان" الظهيرة... ليلاً. ويصطنع... في فسحات الدفء... برداً... وزمهريراً. * ولا يعبأ "قمر" ب"حجمه"... أو مكانته بالنسبة الى "شمس" فعلى رغم أنه لا يمثل الا واحداً الى أربعمائة من حجم "شمس"، الا أنه، بالتوقيت المناسب، ونظراً الى أنه أقرب الى "أرض" أربعمائة مرة، منه الى "شمس"، فإنه متمكن من حجبها، حجباً كاملاً، كما لو كان نصفها الضائع، وصنوها التائه، ومثيلها، وتوءمها، وقرينها. * "شمس" أكبر، وأضخم، من أن تعبأ، بشقاوة الأولاد المراهقين، وتجاوزاتهم. وهي تنظر من عل، وترقب عن بعد، غزل "قمر" و"أرض"، ورقصاتهما، ودورانهما، "أرض" حول نفسها، و"قمر" حول "أرض". * وهي اذ تغفو قليلاً، وتأخذ "تعسيلة" عند الظهيرة، لا تهتم عندما يتسلل الأطفال من باب الدار، ليلعبوا في "الحارة"، على رغم تعليماتها لهم، بأن يتحاشوا قيظة الظهيرة، ورفقاء السوء، وهي تعلم علم اليقين، أنهم سيعودون الى "الدار"، ويغسلون وجوههم، وأقدامهم المتربة، ويتظاهرون بأن شيئاً لم يكن، وبراءة الأطفال في عيونهم. * المشكلة... هي أن "قمر" الهادئ... الوديع، غير أخلاقه، في غفلة من "شمس"، أو بمعرفتها، وذلك لبرهة قصيرة من الزمن وتظاهر أنه ولد "انقلابي". فتك، وجمع حوله، حشداً من المخدوعين، المنبهرين بحركاته البهلوانية، وذهب الى المحطات الفضائية كما لو كان سيعلن "البيان الأول". للانقلاب الشمسي. * حاول، هداه الله، في غفلة من سلطة "شمس"، أن يسود حياة "أرض"، وينكد عليها عيشتها، ويبلبل نظامها، ويسر اليها أمام "ضيوفها"، ويخيفها... ويرهبها... بالظلام... والوحشة. * انحسر الظلام، وانقشع الغمام، وعاد الولد الانقلابي "قمر" الى رشده، والمحظية "أرض" الى صباحها وضيائها، واستعادت "شمس" مكانتها في قلب السماء.