الأخبار عن عملية السلام تتراوح بين هبة باردة وهبة ساخنة، وبعضها يلغي بعضاً، فنجد اننا بعد ثلاثة اشهر من انتخاب ايهود باراك رئيساً للوزارة الاسرائيلية، والأطراف المعنية لم تتفق بعد على دخول مفاوضات، ناهيك ان تتفق على السلام. باراك كان يتحدث عن انجاز السلام في 14 شهراً، غير انه قال في تصريح اخير انه لا يملك عصا سحرية، ويتوقع السلام خلال اربع سنوات، هي مدة ولاية حكومته. وهو كان يتحدث عن بدء مفاوضات مع سورية خلال اسابيع، الا انه بعد الاجتماع الوزاري الأخير اصبح يتحدث عن اشهر لا اسابيع. ولا يعني هذا الكلام ان الوضع ميؤوس منه، او اننا امام نتانياهو آخر، وانما يعني ان الحقائق على الأرض هي التي ستفرض بدء المفاوضات وسيرها وانتهاءها. على الصعيد السوري، لا تقدم واضحاً، لأن الموقف السوري لم يتغير، ولأن الرئيس الأسد غير مستعجل، فهو لن يغير موقفه من الانسحاب الكامل من الجولان مهما كانت الضغوط. وبما ان الاسرائيليين يعرفون هذا فهم اعلنوا ان الاتفاق مع سورية سيشمل انسحاباً كاملاً، وقالوا ان السلام بين البلدين يجب ان يكون بعمق هذا الانسحاب. غير انهم عادوا، قبل ان تبدأ المفاوضات، الى الحديث عن طلب هنا، او طلب هناك. وآخر ما سمعنا هو انهم يريدون وجوداً مشتركاً في الحمة، لفترة زمنية محددة. ولعل سبب التفاؤل الوحيد على المسار السوري ان الاتصالات لم تنقطع، وآخر الوسطاء كان البليونير الاميركي داني ابرامز، وهذا رجل يريد السلام، وقد سعى له باستمرار حتى جاء بنيامين نتانياهو وأفسد جهوده، وجهود كل دعاة السلام من يهود اميركيين وغيرهم. ابرامز نشط في السابق على المسار الفلسطيني، وإذا كان هناك تقدم على هذا المسار فذلك لأن الرئيس عرفات لا يستطيع الرفض باستمرار كالرئيس الأسد. وكان باراك عرض على الفلسطينيين بدء تنفيذ ما بقي من اتفاق واي في تشرين الأول اكتوبر، وربط ذلك بمفاوضات المرحلة الاخيرة. ورفض ابو عمار في حينه، الا انه عاد فقبل الآن، بعد ان وجد الاميركيين يميلون الى جانب باراك والأوروبيين يفضلون عدم التدخل. الواقع ان الفلسطينيين قبلوا نصف عرض باراك، اي تنفيذ الجزء الثاني من الانسحاب في آخر الشهر القادم او مطلع الشهر التالي له. وكان نتانياهو اشرف على الانسحاب من اثنين في المئة من الأراضي الفلسطينية ثم عطل بقية الاتفاق، وإذا تم الانسحاب الثاني فستتحول أربعة في المئة جديدة من تصنيف "سي"، اي تحت الاشراف الاسرائيلي الكامل، الى تصنيف "بي"، اي تحت اشراف فلسطيني - اسرائيلي مشترك، فتبقى سبعة في المئة، يريد باراك ربطها بمفاوضات المرحلة الأخيرة، ويرفض الفلسطينيون. مشكلة ابو عمار انه لا يستطيع الرفض، فهو لا يملك اوراقاً يساوم بها، وهو وجد ان باراك عاد من الولاياتالمتحدة، وقد حصل على دعم هائل لاسرائيل، قبل ان يخطو خطوة عملية واحدة على طريق السلام. ثم وجد ان وزيرة الخارجية مادلين اولبرايت ارجأت زيارتها المقررة الى المنطقة من الأسبوع القادم الى نهاية الشهر، بمجرد ان طلب باراك منها ذلك. في الوقت نفسه لم يوافق الكونغرس على ضم نفقات تنفيذ اتفاق واي الى الميزانية الجديدة، فالاتفاق يفترض ان تحصل اسرائيل على 1.2 بليون دولار، وأن يحصل الفلسطينيون على 400 مليون. ويبدو ان الكونغرس الذي يسيطر عليه الجمهوريون، مستعد لأسباب اميركية داخلية، ان يعطل عملية السلام اذا كان ذلك يخدم مواجهته المستمرة مع الرئيس كلينتون. والغرام الاميركي العائد باسرائيل، لم يعرقله خبران في يوم واحد هذا الأسبوع: الأول ان اسرائيل اصبحت مركزاً عالمياً لسرقة حقوق النشر وغسل أموال المخدرات، والثاني ان ما تدفع اسرائيل ثمن الالماس المهرب من افريقيا يستخدم لمواصلة الحروب الأهلية المدمرة فيها. وسيطير وزير العدل الاسرائيلي يوسي بيلين يوم الخميس الى واشنطن لمقابلة نظيرته الاميركية جانيت رينو، بعد ان هددت اميركا رسمياً بمعاقبة اسرائيل لانتهاكها حقوق النشر بطبع الاسطوانات وبرامج الكومبيوتر المسروقة بالاضافة الى غسل اموال المخدرات، كما اوضح تقرير سلمه السفير الاميركي في تل أبيب تيد ووكر الى الحكومة الاسرائيلية. اما دور اسرائيل في الحروب الأهلية الافريقية فجاء في تقرير اميركي آخر اوضح ان الثوار الافريقيين يهربون الألماس الى بلجيكا واسرائيل وأوكرانيا لصقله وبيعه، وهم يشترون في المقابل سلاحاً لتدمير بلادهم. قرأت التقريرين الأميركيين في يوم واحد، ثم قرأت في اليوم التالي ان السيدة اولبرايت ارجأت زيارتها للمنطقة بناء على طلب باراك، ومع ذلك ان لا تقدم على المسار السوري، وان التقدم على المسار الفلسطيني، اذا استطعنا ان نصفه ب"تقدم" هو على اساس الشروط الاسرائيلية. من يدري؟ ربما كانت الاخبار افضل غداً، الا انني شخصياً لا أتوقع ذلك.