ما ان انتهت الجولات الأخيرة من المفاوضات الفلسطينية الاسرائيلية، بمساعدة الاميركيين، الى فشل واضح، حتى تحول الحديث الى إحياء المسارين السوري واللبناني. ولكن اذا كان أبو عمار عاجزاً عن الاتفاق مع اسرائيل، فإن من الصعب تصور وضع تصل فيه سورية الى اتفاق، أو يصل اللبنانيون من بعدهم، أو قبلهم أو معهم، الى مثل هذا الاتفاق. بل يمكن القول ان طريقة تعامل حكومة بنيامين نتانياهو مع الفلسطينيين، لا تشجع السوري على دخول مفاوضات مماثلة تراوح في مكانها. وهي تعطي انطباعاً عن حركة غير موجودة أو تقدم. السوريون لم يغيروا موقفهم من خيار السلام الاستراتيجي منذ مؤتمر مدريد، وهم يرون اليوم ان نتانياهو لا يحاول التنصل من اتفاقات أوسلو والقاهرة الموقعة مع الفلسطينيين، بل يعطل اتفاق الخليل الذي وقعه بنفسه. كذلك فالسوريون لم يغيروا موقفهم من المطالبة باستئناف المفاوضات مع الاسرائيليين من حيث انتهت في مزرعة واي. أي بموافقة الاسرائيليين على الانسحاب الى حدود 4 حزيران يونيو 1967. وكان وزير الخارجية السوري السيد فاروق الشرع قال لي مرة ان الوصول الى هذه النقطة مع حزب العمل استغرق خمس سنوات، فإذا عادت المفاوضات مع ائتلاف ليكود الى نقطة الصفر، فإن المفاوضات قد تستغرق 50 سنة قبل الوصول الى هذه النقطة مرة ثانية. وكنت قابلت السيد الشرع في دمشق الاسبوع الماضي، في جلسة خاصة، وهو اعرب عن اعتقاده بأن تحقيق سلام شامل وعادل ودائم غير ممكن مع وجود نتانياهو في الحكم. وهذه كذلك قناعة أركان الحكومة المصرية كلهم، وقادة عرب كثيرين آخرين. مع ذلك تبقى المحادثات بين السيد الشرع ووزيرة الخارجية الاميركية السيدة مادلين اولبرايت مهمة، ولو من زاوية تبادل المعلومات، وتأكيد الموقف السوري، والرد على الحملة الاعلامية الاسرائيلية التي تبعت قبول حكومة ليكود القرار 425 للانسحاب من لبنان بعد عقدين من رفضه. هذا القبول جعل اسرائيل تكسب جولة من العلاقات العامة، مع انها لم تقبل شيئاً في نهاية الأمر، فربط الانسحاب الاسرائيلي باتفاقات لضمان أمن اسرائيل لم ترد في القرار اطلاقاً، ينسف اساس القرار الدولي الذي يتمسك به لبنان، كما انه يجعل لبنان رهينة للسياسة الاسرائيلية، فاسرائيل تستطيع ان تستغل اي حادث أمني للضرب أو الاجتياح من جديد، وهي إذا ناسبها ذلك تدبر حادثاً على الحدود الشمالية أو عبرها لتبرر أي إجراء مضاد يخدم سياسة ذلك اليوم في اسرائيل، وقد رأى اللبنانيون كيف حصر نتانياهو اتفاقات السلام مع الفلسطينيين بموضوع أمن اسرائيل وحده، وهو يتوقع ان تعتقل الشرطة الفلسطينية رجال المقاومة من حماس وغيرها، وان تحمي أمن اسرائيل على حساب أمن الفلسطينيين أنفسهم، على الرغم من ان حكومته لا تتقدم بوصة واحدة على طريق السلام. ومع أنني أكتب هذه السطور قبل توافر معلومات عن نتائج اجتماع السيد الشرع مع السيدة اولبرايت، فإنني استطيع ان أقول بثقة ان محادثاتهما لن تحقق اختراقاً، إلا انها ستفيد كثيراً في شرح الموقفين السوري واللبناني، وفي الاستماع الى آراء الاميركيين، فهؤلاء قرروا بعد هدوء الضجة الاعلامية، التي أثارها قبول اسرائيل القرار 425 ان الاتفاق غير ممكن من دون دخول سورية المفاوضات. الاتفاق غير ممكن لأن اسرائيل أحد أطرافه، وحكومة نتانياهو التي دمرت العملية السلمية أو كادت، تستخدم المسارين اللبناني والسوري لمجرد تحويل الانظار عن تعطيل المسار الفلسطيني، لا أكثر ولا أقل، ففي كل مرة تصل جولة الى طريق مسدود، تطلع اسرائيل بعملية تمويه، قد تكون قبول القرار 425، أو طلب التفاوض مع السوريين أو غير ذلك. والسوريون يعرفون هذا لذلك فهم يتحدثون عن بديل عربي أو مشروع، ويمضون في الاتصال مع الاميركيين والفرنسيين الرئيس شيراك سيزور لبنان قرب نهاية هذا الشهر، والرئيس الأسد سيزور باريس في الصيف وغيرهم كشهود على ان مسؤولية تعطيل العملية السلمية، وربما انهيارها النهائي مسؤولية اسرائيلية خالصة.