لم يستطع الصديق، الذي يزور لبنان للمرة الأولى بعد الحرب، أن يحصي عدد الصحون التي وضعها "الغرسون" على طاولة الطعام على رغم أن الطبق الرئيسي لم يحضر بعد. كانت هذه "الهيلمة" هي المقبلات التي يقدمها المطعم اللبناني قبل الأكل. بدأ صاحبنا يتأمل "المازه" فوجد أربعة صحون من اللبنة، بالزيت والملح والزعتر والبقدونس، وانتبه إلى أن الحمص متعددة صحونه أيضاً بالفول وبزيت الزيتون وبالأورما إسمها في السعودية قفر. حتى الفول صارت له أشكال على رغم أنه فول، وهكذا مع بقية المقبلات. أكل صاحبنا من المقبلات حتى الشبع، وحين جاء الطبق الرئيسي شعر أنه غير قادر على تناوله فأكل منه ما تيسر لرفع العتب أو "تحليل" القيمة التي سيدفعها، ثم طلب الفاتورة. صعق صديقنا من رقمها، والتفت إلى زوجته وقال لها: يلومنا الناس لعدم السفر إلى الدول العربية، الله يرحم مطاعم لندن. ثم طلب مدير المطعم للتفاهم معه. حضر المدير وأخذ يشرح للزبون المحتج مبررات السعر، لكن صاحبنا لم يقتنع، قال للمدير: "بالله عليك كيف تبرر لنفسك أن تضع خمسة صحون للبنة مع أنها في النهاية لبنة، أم أنها الشطارة اللبنانية". وقبل أن يكمل كلامه قاطعه المدير، الذي لم تعجبه طريقته في الكلام، قائلاً له: "أنا كنت اعمل في الرياض وأعرف كيف يطبخ الأكل عندكم. كل الأكلات السعودية يبدأ طبخها بتحميص البصل حتى يتغير لونه ثم يضاف اليه اللحم، وحين يتغير لونه تضاف عجينة الطماطم، ثم يسكب الماء الساخن. بعد هذه المرحلة التحضيرية يصبح القدر السعودي جاهزاً لأي أكلة تريد، فإذا وضعت الرز حصلت على "الكبسة"، وإذا أضفت حبوب القمح تحولت الطبخة إلى "جريش"، واذا اضفت عجينة القمح حصلت على "المرقوق أو المطازيز"، وإذا وضعت الكوسى صارت الطبخة مرق كوسى وهكذا". ضحك صاحبنا، وقال للمدير: "الله يهديك يا جوزيف، لماذا لم تقل لي من قبل أن سعيد أخو مبارك".