لا يزال اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني قيد التداول في دورة عمله الجديدة، ان لم يكن قد تأجل الى موعد سيطول الى ما هو أبعد من النصف الثاني من تموز يوليو الحالي. فأهل أوسلو في السلطة الفلسطينية قفزوا عن الموعد المحدد لعقد دورة المجلس أواخر حزيران يونيو الماضي لمصلحة انتظار الفرج الهابط من حكومة باراك، وبذا تأجل مرة جديدة البحث في استحقاق اعلان قيام الدولة الفلسطينية فوق الأراضي المحتلة عام 1967. وخلال لقائنا الأخير في دمشق مع الأخ سليم الزعنون عضو اللجنة المركزية لحركة فتح، ورئيس المجلس الوطني الفلسطيني، دعوناه من موقعه كرئيس للمجلس الوطني والمركزي ومعه السلطة الفلسطينية الى عقد دورة للمجلس المركزي واحترام الموعد المقرر منذ نيسان ابريل الماضي وتفعيل اللجان الخمس المنبثقة عن دورة أعماله الماضية، خصوصاً لجان اعداد دستور الدولة، والحوار الوطني الشامل، ولجنة وضع الخطوات العملية لإعلان انهاء المرحلة الانتقالية في 4/5/1999 واعلان سيادة دولة فلسطين على جميع الأراضي المحتلة بعدوان 4 حزيران 1967 بما فيها القدس، والتحضير لانتخابات تمثيلية حرة لمجلس وطني فلسطيني جديد، خصوصاً ان المجلس الوطني الحالي انتهت مدته القانونية، كما انتهت قانونية مجلس الحكم الذاتي الاشتراعي. وعليه دعوناه والسلطة الى تشكيل لجنة لاعداد قانون انتخابي ديموقراطي جديد على أساس مبدأ التمثيل النسبي الأمر الذي قرره المجلس المركزي في نيسان 1999 ولم يُنفذ حتى الآن. أصررنا خلال انعقاد المجلس المركزي الأخير 27 - 29 نيسان 1999 على اعلان الدولة الفلسطينية في الرابع من أيار مايو على رغم الظروف الذاتية الفلسطينية التي كانت تحول دون نجاح مثل هذا الاعلان، مستهدفين في ذلك خطوة الأمر الواقع دي فاكتو التي تدفع الجميع لإعادة بناء أعمدة الوحدة الوطنية لدى الشعب ومؤسسات الائتلاف الوطني، شرط النجاح بتجاوز مظالم أوسلو نحو اعلان سيادة دولة فلسطين، والانتقال الى مرحلة نوعية جديدة في النضال الموحد والمفاوضات الشاملة على قاعدة قرارات ومرجعية الشرعية الدولية، والخلاص من مفاوضات الخطوة خطوة المدمرة حتى الآن. لقد تقدمنا بمبادرة وطنية شاملة خلال أعمال المؤتمر الوطني العام الرابع للجبهة أيار 1998، بعد المبادرة الأولى عن أعمال الكونفرنس العام شباط 1997، وفيها أجرينا مراجعة نقدية ذاتية ووطنية شاملة للخارطة السياسية الفلسطينية ومفاوضات مدريد/ أوسلو والتداعيات الخطيرة لمفاوضات الخطوة خطوة التي سار عليها اليمين ويمين الوسط في منظمة التحرير برئاسة ياسر عرفات. ودعونا للاستعداد الوطني الفلسطيني الشامل أمام استحقاقات وطنية كبرى كانت بانتظارنا على الطريق، وفي مقدمتها الوصول الى الموعد المحدد لانتهاء العمل بالمرحلة الانتقالية وفق أجندة أوسلو، والانتقال الى مرحلة جديدة في حياة شعبنا والحركة الوطنية الفلسطينية والعرب دولاً وشعوباً، يتم فيها تجاوز اتفاقات أوسلو الظالمة، والبناء من جديد لتسوية مغايرة تقوم على الحلول الوسط عملاً بقرارات الشرعية والمرجعية الدولية. أيضاً، وتفادياً لكل ما قد يقع من مصاعب ومثالب في طريق دعوتنا للوصول الى استحقاق انتهاء العمل بالمرحلة الانتقالية، واعلان بسط سيادة دولة فلسطين فوق جميع الأراضي الفلسطينيةالمحتلة عام 1967 بما في ذلك القدسالشرقية، أكدنا على ضرورة الاستعداد الفلسطيني المشترك وتهيئة المناخات والاجواء المناسبة والعودة فوراً الى تجميع عناصر وأوراق القوة الفلسطينية، بدلاً من تركها متناثرة هنا وهناك تحت ثقل شروط اتفاقات اوسلو التي دمرت الائتلاف الوطني منذ ايلول 1993. فإعلان بسط السيادة، يحتاج فعلياً الى روافع وطنية فلسطينية تقوم أولاً على عامل الوحدة الوطنية، ووحدة البرنامج الائتلافي، والتوازن الايجابي في العلاقات الفلسطينية - الفلسطينية والفلسطينية - العربية. وبهذا وحده لا تتدهور سلطة الحكم الذاتي مثل حكومة عموم فلسطين، القائمة تحت شروط الاحتلال التوسعي الصهيوني الذي استخدم أوسلو لمزيد من التوسع والهيمنة تم مصادرة 450 ألف دونم من أرض الضفة منذ أوسلو حتى الآن. وبهذا وحده ايضاً يتم تجاوز مظالم أوسلو لإنهاء المرحلة الانتقالية أوسلو وفترة الحكم الذاتي لخمس سنوات والانتقال لمرحلة نوعية جديدة تجمع بين الانتفاضة الجديدة والمفاوضات الجديدة على أساس الشرعية الدولية بين دولتين فلسطين و"اسرائيل". ومن المؤسف ان تذهب كل الدعوات الى الحوار الوطني لإعادة بناء الوحدة الوطنية والبرنامج الائتلافي، والبناء الحقيقي للعلاقات المتوازنة العربية - الفلسطينية، أدراج الرياح، ولم تستيقظ السلطة في قطاع غزة والقوى الأخرى للوقوف أمام استحقاق 4/5/1999 إلا قبل أقل من شهر فقط من هذا التاريخ في اجتماع المجلس المركزي الفلسطيني في قطاع غزة 26 - 28/4/99. وفي اعتقادي فان الاستيقاظ المتأخر لدى السلطة لم يكن بريئاً، بل محدد مسبقاً، لأن السلطة كانت، ولا تزال، غير راغبة في الدخول في معركة واسعة مع الاحتلال، أو باشتباك سياسي مع الإدارة الأميركية أو عواصم اقليمية معينة. لذا ماطلت السلطة في موضوع الحوار الوطني والوحدة الوطنية، ولم تستجب لدعوات الاستعداد ليوم اعلان الدولة، علماً اننا قدمنا مشروعاً متكاملاً وملموساً للحوار الشامل منذ 4/5/1998 ليكون لدى الشعب والفصائل مساحة عام كامل تحضيراً لاستحقاق انتهاء مرحلة سنوات أوسلو/ الواي الخمس، وانتظرت، كما هي الآن تنتظر، الفرج من سماء الراعي الاميركي فقير النزاهة. ويقيناً، لو ان السلطة في غزة ومجموع الحالة الفلسطينية وفرت لنفسها الاستعدادات اللازمة ليوم 4/5/1999، لكنا، فلسطينيين وعرباً، استطعنا ان نفتح سكة الخروج من نفق التسوية اللامتوازنة نحو طريق جديد للسلام الملموس الشامل المتوازن، وأوقفنا، بإرادة وطنية ودولية، زحف الاستيطان على بلدنا، وقنابل الموت والدمار على البنية التحتية لبيروت الباسلة ولبنان الصامد. ان الظروف والمستوجبات اللازمة لا تأتي لوحدها، بل تحتاج الى جهد جهيد من قبلنا كمنظمة تحرير فلسطينية وكحركة وطنية، إلا اننا أضعنا على شعبنا وحقوقه الوطنية بتقرير المصير والدولة المستقلة، واستعادة قضية اللاجئين وفق القرار 194 زمناً ولحظة مفصلية كان لا بد من استثمارها. ومن جديد يثبت أمام شعبنا والعالم ان القيادة اليمينية الراهنة أضاعت فرصة ذهبية، يدفع شعبنا وحقوقه ثمنها الباهظ من تراجعات وتنازلات، منذ ان قايضت اعلان أوسلو 1993 بوقف الانتفاضة الكبرى وتمزيق الوحدة الوطنية، كما أضاعت بالأمس القيادة الاقطاعية الثيوقراطية الفرصة الذهبية عام 1948 وأورثتنا النكبة الوطنية والقومية الكبرى، بدءاً من ضياع الوحدة الوطنية التي دمرتها منذ عام 1939 بوقف الثورة والرهان على الانتداب البرىطاني، الى الاحجام عن اعلان الدولة المستقلة على الأرض التي بقيت بيد شعبنا عام 1948، ثم لجوء قيادة النكبة الى العواصم العربية، وبعد ان فاتنا القطار قامت بتشكيل حكومة عموم فلسطين التي لا تقف على أي أرض واقعية سياسية وجغرافية. ولا يمكن مقارنة حكومة عموم فلسطين عام 1949 المعلنة في قطاع غزة وبين الواقع الراهن، كما يرى ذلك بعضهم في الساحة الفلسطينية. فنحن نحمل على اكتافنا تاريخاً ناصعاً على امتداد ثلاثين عاماً من التجربة السياسية والتنظيمية والمسلحة، بينما كانت الحركة الوطنية الفلسطينية عام 1949 في حال انهيار كامل، والوطن مدمر، والشعب مشرد، إضافة الى أوضاع عربية رسمية في غاية السوء، من أنظمة اقطاعية متخلفة بعضها تحت الإدارة البريطانية، مكبلة بالمعاهدات والقواعد العسكرية، والبعض الآخر خرج للتو من تحت الإدارة الفرنسية وبجيوش عربية هزيلة، لدرجة ان "الهاغاناه" حشدت على جبهات القتال عام 1948 ثلاثة أضعاف ما حشدته الجيوش العربية. واستطيع ان أجزم بأن قيام الدولة الفلسطينية وتجسيدها فوق الأراضي المحتلة عام 1967، استعمل تكتيكياً بشكل كبير من قبل أهل أوسلو في السلطة الفلسطينية. وبدلاً من ان يتحول هذا اليوم الى نقطة انطلاق نحو مرحلة نوعية جديدة في العمل الفلسطيني لتجاوز مظالم أوسلو واعلان انتهاء المرحلة الانتقالية التي تنتهي بسقف 4/5/1999، وينتهي معها مفعول تواقيع الذين أبرموا تلك الصفقة، تحول الى نقطة عمل تكتيكية غير منتجة اسهمت بإضاعة الفرصة وبتحويل الرؤية البعيدة الى رؤية قاصرة لا ترى سوى بحدود التوافق والرضى مع الطرف الأميركي. وهكذا ضاعت فرصة ذهبية استثنائية على شعبنا، كما ضاعت فرصة لآعلان الدولة على الأرض المتبقية بعد نكبة 1948. ان الاقدام على خطوات مدروسة وشجاعة ومنتجة على المدى المتوسط والأبعد يقتضي بالضرورة التحول من موقع الرهان على الدور الاميركي المنفرد الى موقع الاشتباك السياسي معه على أساس قرارات الشرعية الدولية. إلا ان السلطة في قطاع غزة غير مؤهلة، بل ولا تريد ذلك. ولذا لم تقبل حتى بتوفير الاستعداد الفلسطيني لإعلان بسط السيادة في4/5/1999. وخيمت على أجواء المجلس المركزي الفلسطيني في اجتماعاته الأخيرة ظلال الموقف الاميركي الضاغط نحو تجاوز يوم 4/5/99 من دون أي ضمانات أو استحقاق من واشنطن أو أي خطوة فلسطينية شجاعة، وسط ضغوط رسالة كلينتون لتمديد المرحلة الانتقالية وتأجيل اعلان السيادة وتأجيل عقد المجلس المركزي لمنظمة التحرير الى أيار 2000 قابلة للتأجيل الى أيار 2001 مقابل "وعد" بتقرير الفلسطينيين وليس الشعب الفلسطيني لمستقبلهم وليس حق تقرير المصير على أرضهم من دون تحديد أية أرض.... المواقف الدولية تتطور كل يوم الى جانب قضايا التحرر في العالم، وفي القلب قضية فلسطين والاعتراف بالدولة الفلسطينية، الذي اصبح بمثابة تحصيل حاصل. والعالم كله يتحول يومياً، احياناً تتسارع بعض الوقائع، واحياناً ينتج بعضها ببطء. فالحراك مستمر والخريطة الدولية لم تستقر بعد، على رغم هيمنة القطب الواحد وسياسته المسلحة بالعصا الغليظة ضد شعوب العالم، وفي مختلف مواقع وبؤر التوتر على امتداد المعمورة. في السياق ذاته، لم يكن التحول الدولي المتعاطف والمساند لقضية الشعب الفلسطيني الوطنية التحررية العادلة وليد اللحظة، وانما وليد عملية تراكم طويلة امتدت مع عمر الثورة الفلسطينية المعاصرة والانتفاضة الكبرى وقوى ائتلاف منظمة التحرير الفلسطينية وصراع الشارع الفلسطيني ضد الاحتلال وتوسيع الاستيطان وأوجاع الشتات. والآن، مع انتشار وسائل الإعلام والمعرفة والتنوير والمتابعة اضحت القضية الفلسطينية ذات حضور متميز في العالم بأسره. وآخر الأمثلة بيان قمة برلين للاتحاد الأوروبي التي أكدت حق شعبنا بتقرير المصير بما في ذلك دولة مستقلة غير قابلة للاعتراض المقصود أي فيتو اسرائيلي أو اميركي وبيان الاتحاد الأوروبي بشأن القدس الغربية والشرقية بأنها محتلة وفق قرار الأممالمتحدة رقم 181، وبيان الدول الصناعية الكبرى الثمانية 20/6/1999 الداعي الى تسوية شاملة على المسار الفلسطيني - الاسرائيلي خلال عام واحد على أساس قراري الاممالمتحدة 242 و338، والأرض مقابل السلام. كما باتت المصالح الدولية المختلفة على ارتباط وثيق بأوضاع الشرق الأوسط، ما يستدعي ضرورة التوصل الى تسوية للمسألة الوطنية الفلسطينية، لأن بقاء عوامل الانفجار قائمة يعطل ويشل ويهدد المصالح الكبرى للعديد من الدول ذات الثقل في الخريطة الدولية. نحن نعتقد بأن الاجواء الدولية المساندة للقضية الفلسطينية، مع تفاوتها النسبي بين موقف وموقف، لا تكفي، مع ايجابياتها، من دون توفير وضع عربي متضامن مع نفسه ومع قضية فلسطين، ومن دون توفير المعافاة والصحة بحدودها الدنيا داخل البيت الفلسطيني أولاً. ان استيعاب التحول الدولي تجاه القضية الفلسطينية على اعتاب الألفية الثالثة، ألفية حقوق الانسان، وأبجديته الأولى حق شعب بكامله 8 ملايين بتقرير المصير، وتحرر الفرد والانسان من عوامل القمع والقهر والاستبداد والتشريد، ان هذا الاستيعاب ليس فقط ضرورة بل يمثل سلاحاً فتاكاً بيدنا، الى جانب العوامل التي أشرت لها. لذا، من الأهمية الانطلاق برافعة فلسطينية موحدة أولاًَ، وعربية مشتركة ثانياً، لحشد العالم الى جانب المطالب المحقة للسلام الشامل المتوازن على أساس العودة للمرجعية الدولية ولقرارات الاممالمتحدة التي صدرت تباعاً منذ عام النكبة وحتى اللحظة. راجع كتاب حواتمة: أوسلو والسلام الآخر المتوازن، وكتاب اوري سافير المسيرة - أوسلو من الألف الى الياء، وكتاب جيمس بيكر الديبلوماسية بين الحرب والسلام. * الأمين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين.