انتهت زوبعة الانتخابات الاسرائيلية للكنيست الخامسة عشرة ولرئاسة الحكومة، ولم ينته معها الجدل الواسع في الاوساط السياسية الفلسطينية والعربية، لاستشفاف آفاق ما بعد تسلّم ايهود باراك مقاليد القيادة في الدولة العبرية. وما يجعل الشارع الفلسطيني والعربي مجروحاً، محتجاً وحزيناً هو الحجم الكبير من التعويل والارتهان الرسمي العربي وبعض الفلسطينيين على نتائج الانتخابات، وكأن مجيء باراك سيقلب الامور رأساً على عقب، باتجاه الدفع بالعملية السلمية بعد ان بات مرئياً حجم الاستعصاءات التي تفرمل مسيرة التسوية المنقوصة حتى بالاشتراطات الاسرائيلية، والضغوط التي تمارس على مختلف الاطراف العربية. والآن مع اقتراب موعد اجتماع المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية، يبدو من الضروري جداً كسر الوهم عند اهل اوسلو من الفلسطينيين وتجاوز الآمال الوهمية العريضة المعلقة على عودة حزب العمل وايهود باراك، وانتهاجهم سياسة انتظارية على ما يأتي من الدهليز "الصقري" وعلى رأسه باراك زعيم اللاءات الاربعة التوسعية الصهيونية، والتوجه بدلاً من ذلك نحو الرهان على تطوير العامل الفلسطيني الواحد الموحد، وبالترابط مع الدور العربي في سياق عملية تسوية جدية متكاملة يمكن ان يُعاد بناؤها من جديد، على اساس قرارات ومرجعية الشرعية الدولية. فهناك في الجانب الفلسطيني من يرتهن بموقفه الى النتائج التي صدرت عن الانتخابات الاسرائيلية، ويراهن ايضاً على دور متوقع مؤثر لحزب العمل ودفع مسيرة اوسلو المتهالكة، والعودة لسياسة الخطوة خطوة التي كفر بها مخترعها كيسنجر، الذي يعلن ان زمانها انتهى ويجب الانتقال الى المفاوضات الشاملة وبمرحلة واحدة من الألف الى الياء. هذا الارتهان ادمنت عليه سياسة اليمين ويمين الوسط في منظمة التحرير اي سلطة الحكم الذاتي وفي عديد الانظمة العربية، وتعودنا عليه كنهج متواصل للسياسات القصيرة النظر، بينما المطلوب فعلياً من الجميع الاقلاع عن ترك الامور معلّقة على اوهام لا تعطي نتائج ايجابية، والسير الجاد نحو الارتهان للعامل الفلسطيني ولمواضع القوة الفلسطينية، والانطلاق نحو تعميق الترابط بين مسارات الحلول مع الدول العربية بدلاً من وضع البيض الفلسطيني كاملاً في سلة نتائج ما بعد الانتخابات الاسرائيلية او النوم على حرير الراعي الاميركي الفقير النزاهة. بكل الحالات، فإن البوصلة التي تحدد اتجاهات السياسة الاسرائيلية باتجاه مواضيع التسوية الدائمة، تشير الى تقاطعات واسعة تحت اللاءات الاسرائيلية المعروفة والمناقضة لقرارات الشرعية الدولية. فصقرية رموز مؤثرة في حزب العمل تضاهي صقرية عتاة ليكود امثال شارون، عوزي لانداو، نتانياهو، موشي ارينز وليمور ليفنات، بالنسبة الى الموقف من القضايا المفصلية المتعلقة بالقدس واللاجئين والمستوطنات والحدود والمياه… رفضنا منذ البرنامج الوطني المرحلي عام 1973 وبخاصة منذ مدريد/ اوسلو لغة الشعارات، ونسعى للاعتماد اولاً على الوحدة الوطنية للشعب والقوى الوطنية، ومرجعية ائتلافية موحدة لمنظمة التحرير بديلاً عن انفراد اليمين ويمين الوسط من اهل اوسلو وتداعياته السامة، وقدمنا مبادرة ايار مايو 1998 لاعلان سيادة دولة فلسطين في 4/5/1999، ومفتاح هذا حوار شامل ينتج برنامجاً مشتركاً للشعب، واعادة بناء مؤسسات منظمة التحرير المدمرة منذ اوسلو 1993 حتى الآن. فإعلان السيادة يضع نهاية لسقف اوسلو ومفاوضات الخطوة خطوة وينتقل بالشعب الى انتفاضة جديدة متطورة في المناطق المحتلة كلياً او عسكرياً وامنياً 90 في المئة من الضفة والقطاع فضلاً عن القدس الكبرى لمدّ سيادة الدولة عليها، واستراتيجية تفاوضية جديدة، على اساس قرارات الشرعية الدولية، بديلاً عن الانفراد الاميركي الذي لم يأت بالسلام الشامل المتوازن على مساحة 25 عاماً، ولن يأتي به. هذه الخطوات العملية ستدفع واشنطن وتل ابيب، للتفكير من جديد، كما فعلوا منذ انتفاضة 1987 - 1993. ان مشاركتنا في اجتماعات المجلس المركزي الفلسطيني الاخيرة 27 - 29/4/1999 التي عقدت في قطاع غزة تمت على اساس ان اتفاقات اوسلو الظالمة قد انتهى زمانها المحدد بخمس سنوات، وهذا يفتح الطريق لتجاوزها والانتقال لمرحلة نوعية جديدة في النضال نحو انتفاضة متطورة لبسط سيادة دولة فلسطين فوق جميع الاراضي المحتلة حتى خطوط الرابع من حزيران يونيو 1967. واعلان سيادة الدولة يفتح طريق سياسة تفاوضية جديدة تقوم على قاعدة قرارات ومرجعية الشرعية الدولية، والطلاق مع سياسة الخطوة خطوة المدمّرة اوسلو وتداعياتها وتنازلاتها ونحو سلام آخر متوازن يؤمن حق شعبنا بتقرير المصير والاستقلال التام وعودة اللاجئين عملاً بالقرارات الدولية والبرنامج الوطني المرحلي لمنظمة التحرير. فالاجتماع الاخير للمجلس المركزي لا تمكن مقارنته باجتماع غزة مع الرئيس كلينتون يوم 14/12/1998، فهناك فارق هائل بين هذين الاجتماعين. نحن شاركنا في الاجتماع الاخير، ولدينا القناعة بأهمية هذا الاجتماع باعتباره كان لقاءً وطنياً على مستوى متقدم في اطار منظمة التحرير الائتلافية وليس منظمة التحرير المشكلة من جناح السلطة كما حصل طيلة اتفاق اوسلو، لتدارس جملة التطورات والاستحقاقات الكبيرة مع انتهاء المرحلة الانتقالية وفق اتفاقات اوسلو. لذا، فحضورنا انصبّ ويتواصل الآن باتجاه الجهود الوطنية لتجاوز مظالم اتفاقيات اوسلو واعلان انتهاء المرحلة الانتقالية، والانتقال بالعملية الوطنية الفلسطينية نحو طور آخر، ونحو وضع نوعي جديد نستطيع من خلاله ان نفتح ابواب الخروج من المأزق الواقع في وجه الشعب في الوطن والشتات والحركة الوطنية الفلسطينية، وفي وجه العرب دولاً وشعوباً واحزاباً منذ اوسلو حتى الآن، واعلان باراك عن لاءاته الاربع بعد ساعات على فوزه بالانتخابات الاسرائيلية. واعتقد ان معظم القوى الفلسطينية في الداخل والاخوة في قيادة حركة حماس داخل فلسطين، يشاطروننا الرأي، لذا شاركوا في الاجتماع على اعلى المستويات وقدموا وجهة نظرهم ورؤيتهم الوطنية لفتح الطريق امام تجاوز اتفاقيات اوسلو، كما شاركونا وحركة فتح والجبهة الشعبية وجبهة التحرير العربية وجبهة النضال، في بيان الفصائل والقوى الوطنية برام الله الداعي لتشكيل اللجان التي تقررت في دورة المجلس المركزي حتى تبدأ عملية تحضير اوراق العمل لدورة المجلس في حزيران يونيو القادم وبخاصة لجان: الوحدة الوطنية، اعلان السيادة، اعلان انتهاء سياسة الخطوة خطوة الاوسلوية اي المرحلة الانتقالية. ان البيان الختامي في صيغته الاولى، الصادر عن اعمال المجلس المركزي يعتبر بياناً ائتلافياً بالحدود الدنيا المشتركة وليس بياناً خاصاً لطرف فلسطيني دون غيره، لذا من المنطقي جداً ان يكون بشكل عام مستوعباً لكافة المواقف لمختلف الاطراف المشاركة. ومع هذا لا نخفي بأن اجتماع المجلس المركزي لم يكن بعيداً عن الضغوط الاميركية والاسرائيلية ولم يكن بعيداً عن حركة القنصل الاميركي في القدس الذي رابط في قطاع غزة لمنع استصدار اي قرار يحدد انتهاء المرحلة الانتقالية واعلان سيادة دولة فلسطين. لذا دفع الاخ ابو عمار ومعه فريقه المؤلف من نبيل شعث وصائب عريقات لصياغة بيان ختامي لا يشير لانتهاء المرحلة الانتقالية في قراراته بل فقط في اطار ديباجة البيان. بالمحصلة نعتبر الاجتماع بداية متواضعة طيبة، وخطوة تصحيح اولية نأمل ان تتبعها خطوات على سكة طويلة تحتاج لجهود جبارة للوصول نحو اعادة بناء الوضع الفلسطيني، ونأمل بأن تقلع فوراً اللجان التي تقرر تشكيلها ولم تتشكل بعد، وهذا مؤشر سلبي يشي بمخاطر عودة "حليمة الى عادتها القديمة"، بكسر القرارات والتوجهات التوحيدية الوطنية، والارتداد الى سياسة اهل اوسلو الانقسامية وتداعياتها الخطيرة على حاضر ومستقبل حقوقنا الوطنية. ان اللجان المقررة في 27 - 29 نيسان ابريل 1999 تنتظر تحضيراً لدورة حزيران يونيو 1999 ممارسة مهام عملها، بدلاً من الركود الراهن من انفضاض اعمال المجلس، ونحن على اعتاب دورة عمل جديدة بالمجلس المركزي، خاصة لجنة الحوار الوطني لاعادة بناء الوحدة الوطنية ببرنامج قواسم مشتركة، ولجنة الدستور الموقت للدولة، ولجنة التحضير لاعلان سيادة الدولة في دورة المجلس المركزي القادم في حزيران 1999 وانهاء المرحلة الانتقالية التي انتهت حسب اوسلو في 4/5/1999. وفي هذا الاطار ان مشاركة الاخوة في حركة حماس برئاسة الشيخ احمد ياسين باجتماعات المجلس المركزي في دورة عمله السابقة، خطوة هامة جداً لاشراك الاتجاه الاسلامي السياسي في عضوية منظمة التحرير الفلسطينية في سياق اعادة توحيد كل الحركة الوطنية الفلسطينية واطيافها السياسية بإطار جبهة وطنية متحدة تحت راية برنامج ائتلافي مشترك تقوده منظمة التحرير بقيادة جماعية وبمجلس وطني تمثيلي منتخب يمثل الشعب الفلسطيني في فلسطين والشتات، فقد انتهت مدة مؤسسات الحكم الذاتي المجلس الاشتراعي ومجلس السلطة والآن مطروح ضرورة بناء مؤسسات الحكم المحلي مجالس بلدية وقروية بالانتخاب وعلى اساس مبدأ التمثيل النسبي لتجاوز الجهوية والعشائرية والطائفية والمذهبية التي سادت وفق قانون انتخابات اتفاق اوسلو اي المجلس الاشتراعي وانتخاب مجلس وطني فلسطيني جديد، فالمجلس الحالي انتهت مدته القانونية، وندعو لمجلس وطني على اساس مبدأ التمثيل النسبي واعتبار كل الضفة والقدس والقطاع دائرة انتخابية واحدة، كذلك كل تجمع فلسطيني في اقطار اللجوء والشتات والمهاجر الاجنبية وحدة انتخابية وعلى اساس مبدأ التمثيل النسبي. * الامين العام للجبهة الديموقراطية لتحرير فلسطين