السينما الروسية تعاني من مشاكل شبيهة بتلك التي تواجهها الدولة والمجتمع: التناقض بين "الحرية" التي تقترب من الانفلات والافلاس شبه التام، انكماش الانتاج والصراعات بين مراكز القوة في السينما واستشراء الفساد وتغلغل عصابات المافيا. وفي السنوات الاخيرة من عمر الاتحاد السوفياتي كانت الاستوديوهات تنتج زهاء 150 فيلماً روائياً منها 4 - 6 على مستوى عالمي وما لا يقل عن30 فيلماً تحظى بنجاح شعبي في الداخل. اما الآن فان روسيا تنتج 30 فيلماً لا يرقى منها الى المستوى العالمي سوى واحد او اثنين ويلقى زهاء عشرة افلام رواجاً في روسيا. ويقول رئيس لجنة الدولة وزارة السينما الكسندر غولوتفا، الذي عين اخيراً، ان سبب الانحطاط يعود الى انخفاض الدعم الحكومي الذي يغطي 30 في المئة فقط من التمويل المطلوب، اضافة الى ان قرابة 75 فلي المئة من دور السينما حولت الى معارض لبيع السيارات وكازينوهات، وذلك في اطار عملية خصخصة بلا ضوابط. الغزو الاميركي هنا ايضاً والى ذلك فان غزو الافلام الأميركية الرخيصة ادى الى تضييق الخناق على السينما الروسية التي لم تعد تلمع فيها اسماء جديدة في عالم الاخراج. ويشكو غولوتفا من ان رأس المال الوطني لا يقبل على الاستثمار في قطاع السينما. الا ان عدداً من "المحظيين" مثل نيكيتا ميخالكوف، يستثمر علاقاته مع كبار المسؤولين للحصول على دعم حكومي يبلغ عشرات الملايين من الدولارات، كما بالنسبة الى فيلم "حلاق سيبيريا"، فيما يحصل مخرجون مهمون على مبالغ لا تتجاوز 40 - 50 الف دولار من الدعم الرسمي. وتكون النتيجة ان يظهر على الشاشة فيلم ضخم واحد يشارك فيه نجوم عالميون ويكلف اموالاً طائلة، والى جانبه شرائط رخيصة تحفل بمشاهد الجنس المكشوف والعنف الدموي. ولكن الآونة الاخيرة شهدت محاولات لاعادة العنصر الايديولوجي او السياسي، كما في عدة افلام عن الحرب الشيشانية، ولوحظ ان بعضها انطلق من مواقع قومية روسية فيما الآخر استند الى طروحات انسانية ليبيرالية. فضائح في المهرجان وانعكس تضارب الآراء في اتحاد السينمائيين الذي يرأسه نيكيتا ميخالكوف المعروف بطموحه الى السلطة وقربه من قادتها. وعكس مهرجان سوتشي الاخير هذه الظواهر كلها، وطغت خلاله الفضائح المهنية والشخصية وحتى السياسية. وبسبب مشاكل مع منظمي المهرجان لم يعرض "حلاق سيبيريا" كما انسحبت افلام مهمة اخرى لاعتراض الممولين الاجانب والروس. وهكذا حصل على الجائزة الاولى وهي "الوردة الذهبية" فيلم "الحاجز" لالكسندر روغوجين الذي انجز شريطاً واقعياً يصف حياة مجموعة من الجنود الروس في مكان ما في القوقاز، وثمة ايحاءً بأنهم في الشيشان تحديداً. ويجد الجنود صعوبة في التفاهم مع السكان المحليين وفهم ما يجري من حولهم ويقضون برصاصات تأتيهم من مكان مجهول. واعتبر النقاد الليبيراليون الفيلم نوعاً من التمجيد للروح العسكرية الروسية وتبريراً لجرائم ارتكبت اثناء الحرب الشيشانية. وبسبب حجب "الوردة الذهبية" عن فيلمه "مولوخ" رفض الكسندر موكوروف استلام الجائزة الكبرى، واعتبر فيلم "الحاجز" المنافس له "امبريالي النزعة". وظلت بطلة "مولوخ" الذي حاز احدى جوائز كان، الممثلة يلينا روفاتوف في حيرة من امرها اذ انها كانت استلمت بالفعل عقداً ماسياً قيمته 15 الف دولار عن افضل دور نسائي، ثم طلب منها ان تعيد العقد. ولكن الطرفين، المنظمين ومخرج الفيلم، وافقا في النهاية على ان يبقى العقد مضيئاً على جيد ممثلة دور ايفان براون عشيقة هتلر! ولاسباب تبدو سياسية لم تجرؤ هيئة التحكيم على تكريم فيلم "القناص" لستانيسلاف غوفوروخين رغم ان المشاهدين كانوا يستقبلون بالتصفيق كل رصاصة يطلقها بطل الفيلم على واحد من "الروس الجدد" الذين اغتصبوا فتاة بريئة. الا ان بطريرك الشاشة السوفياتية والروسية ميخائيل اوليانوف حصل على جائزة افضل ممثل عن دور البطولة في "القناص"، وشاركه فيها فلاديمير ايلين بطل فيلم "اسجنوني". وعند نشر هذه السطور من المفروض ان تكون موسكو انتهت من التهيؤ لاقامة مهرجانها السينمائي الدولي في اواخر تموز يوليو الذي يريد القيمون عليه ان يكون احياء لتقاليد ارسيت اثناء وجود الاتحاد السوفياتي حيث كانت تنظم مهرجانات مهمة تجمع مشاهير نجوم السينما العالمية.