اعتبر المرشح للرئاسة الجزائرية السيد عبدالعزيز بوتفليقة ان الدعم الحزبي له "يقوي حظوظه في النجاح" في الانتخابات التي تجري دورتها الأولى اليوم. واكد في حديث الى "الحياة" ان هذا الدعم "تم عن طواعية... ومن دون شروط مسبقة" أو تفاوض و"لم أقدم لأحد تعهدات أو وعوداً" تتعلق بمسألة الحكم في حال فوزه. ورداً على منافسيه الذين يصفونه بمرشح السلطة والجيش، قال انها "حملات تشويه تخرج احياناً عن حدود اللياقة". وبعدما اعتبر ان حزب "جبهة التحرير" قوة رئيسية لا يستهان بها، قال انه سيعمل من أجل "استثمار كل الكفاءات من مختلف التيارات من دون إقصاء أو تهميش"، معتبراً التعددية الحزبية وحرية الرأي واحترام الرأي المخالف "ثوابت لا تتغير ولا تتبدل" في اطار القانون والدستور. وفي ما يأتي نص الحديث: أعلن بعض منافسيكم ان بيان الاحزاب الأربعة الداعم لكم "تزوير مسبق" لإرادة شعبية، وذهب بعضهم الى الطعن سلفاً بنتائج الانتخاب في حال جاء لمصلحتكم. فهل هذا الائتلاف الحزبي سيكون هو الائتلاف الحاكم في ظل رئاستكم؟ وما هو ردكم على المنافسين الذين يشككون بحيادية النتائج في حال انتخابكم؟ - في البداية أريد ان أُذكِّر بشيء مهم، وهو أنه غداة قرار الرئيس اليمين زروال تقليص عهدته، وتنظيم انتخابات رئاسية مسبقة، سارع بعض المنظمات الشعبية والجمعيات المدنية الى المطالبة بترشحي لهذا الاستحقاق الشعبي، وعبرت عن مساندتها لي. كما أخذت لجان المساندة تتشكل، وتنتشر في مختلف المدن والقرى وذلك قبل ان أعلن عزمي على الترشح. وهكذا بدأ رأي عام وطني يتشكل مع مرور الأيام ويقوى ويتسع، فكان بمثابة دعوة لي لم يكن في وسعي سوى تلبيتها. ورغم أنني أنتمي الى جبهة التحرير الوطني واعتز بهذا الانتماء إلا أنني فضلت بعد تفكير عميق التقدم الى هذا السباق بصفة مرشح حر، باعتبار ان هذا التيار الذي شجعني على الترشح وعبر عن تزكيته لي لم يكن بالضرورة منضوياً تحت لواء جبهة التحرير الوطني. فبمجرد اعلاني الترشح في الفاتح من شباط فبراير 1999 قرر مساندتي بعض الاحزاب مثل حزب جبهة التحرير الوطني، والتجمع الوطني الديموقراطي وحركة النهضة، والحزب الوطني للتضامن والتنمية، والحزب الجمهوري، ثم انضمت أخيراً الى هذه الاحزاب حركة مجتمع السلم. إن هذا الدعم قد تم عن طواعية وفي الأطر النظامية لهذه الأحزاب، وبمنتهى الوضوح، وبكل ديموقراطية ومن غير شروط مسبقة. وأنا ممتن كل الامتنان، وشاكر لهذه الأحزاب وقوفها الى جانبي من غير مساومة، لأن ذلك يعبر من دون شك عن الخيار الذي ألزمت تلك الاحزاب نفسها به والمتمثل في وضع المصلحة العليا للبلاد فوق كل الاعتبارات الحزبية الضيقة، والمصالح الآنية الظرفية. ولا شك ان هذا الموقف الذي اتخذته الاحزاب المذكورة كان عن قناعة تامة، وبعد دراسة معمقة لبرنامجي الذي اقترحته على الشعب الجزائري، هذا البرنامج الذي ينبع من اهتمامات المواطنين والمواطنات في مختلف درجات السلم الاجتماعي، ويعبر عن طموحات جميع الشرائح الاجتماعية، والذي يراه الكثيرون اليوم كفيلاً بإخراج البلاد من الأزمة الراهنة. وقد أدى تكتل هذه الاحزاب وتشكيلها تياراً وطنياً قوياً، ونزولها الى الساحة لشرح برنامجي للمواطنين الى انزعاج المنافسين، وهذا طبيعي جداً لأن ذلك يقلل من حظوظهم في الفوز بثقة الشعب، ويقوي في المقابل من حظوظي في النجاح. وقد جاء التعبير عن هذا الانزعاج في أشكال وصور متعددة، فهناك من وصفني بمرشح السلطة مرة، وبمرشح الجيش مرة اخرى، وهناك من وصفني بمرشح الاجماع تارة وبمرشح التفريق تارة أخرى، بل ان بعضهم ذهب الى حد المطالبة بانسحابي من المنافسة. فهل الديموقراطية تقتضي اقصاء الآخرين؟ وهل الديموقراطية معناها الحجر على الاحزاب ومنعها من التعبير عن مواقفها؟ بالإضافة الى الاتهامات التي وجهت الى وسائل الاعلام والإدارة واتهامهما بالتحيز، وعدم التزام الحياد، وهذا على الرغم من التعهدات والتطمينات والالتزامات التي عبرت عنها مختلف المؤسسات الرسمية. وفي الوقت الذي كنت أتعرض فيه لمختلف الانتقادات من قبل المنافسين، ويوجه الى شخصي العديد من التهم، وحملات التشويه التي تخرج احياناً عن حدود اللياقة والممارسة السياسية النظيفة، كنت أقف امام الشعب وأصرح بأن هذه المنافسة السياسية هي سباق فرسان يفوز به الأجدر، وأنني لست بالضرورة أفضل من غيري، ولم أرغب في الدخول في جدال عقيم لا طائل من ورائه، لأنني مقتنع تمام الاقتناع بأن الافتراءات لا تخدم البلاد في شيء وبأن المغالطات لا تجدي نفعاً، وستنكشف إن آجلا أم عاجلاً، وثقتي في وعي الشعب الجزائري وحسن تقديره للأمور، وقدرته على التمييز بين الصالح والطالح كبيرة. لقد كان بودي ان ينصب النقاش على البرامج، والحلول الملائمة لإنقاذ البلاد من أزمتها المتعددة الجوانب، وبسط مختلف الآراء أمام المواطنين بوضوح حتى يتمكنوا من الانتقاء عن قناعة ورؤية واضحة، بدل الدخول في مهاترات ودعايات انتخابية لا تزيد المشهد السياسي سوى ضبابية وتعتيماً، وتشوش الاذهان وتغلط الرأي العام، فلا يجني منها الشعب والوطن شيئاً، وإني إذ أتأسف شديد الأسف كلما انحرف النقاش عن وجهته الصحيحة فإنه لا يسعني إلا ان أدرج هذا الانحراف في مسلك واحد هو أننا ما زلنا نتعلم أبجدية الديموقراطية، ومن الطبيعي ان نقع في مثل هذه العثرات. إن هذه الانتخابات تخضع لقوانين مضبوطة وواضحة وما فتئ السيد رئيس الجمهورية يلح على ضرورة نزاهتها ويصدر التعليمات بهذا الشأن، ويطمئن المرة تلو المرة جميع المترشحين الى حياد الإدارة، وقد وضعت مختلف الترتيبات التي تضمن نزاهة الاقتراع وشفافيته ومراقبته، أما بالنسبة الى الطعن في النتائج أمام الهيئات الرسمية المعنية فهو حق يضمنه القانون ايضاً، ولا أدري بماذا أعلق لأنني لا أعرف بالضبط ما هو المطلوب بعد هذا كله. إن المتتبع للأوضاع السياسية في الجزائر خلال هذه الفترة لا يمكنه الا تقدير حظوظ مرشح استفاد من تأييد أحزاب ومنظمات لها ثقل في المستوى الشعبي، ولقد جلتم في ربوع البلد وعشتم الحملة الانتخابية من قريب، ولعلكم لاحظتم ان الوضع السياسي منتعش وحجم المشاركة الشعبية في التجمعات والتظاهرات المختلفة مشجع وينبئ عن نضج ووعي كبيرين، كما لاحظتم ان هناك زخماً شعبياً كبيراً في المهرجانات التي أشرفت عليها أو تلك التي اشرف عليها المساندون لي، وهذا في حد ذاته مؤشر ايجابي الى مدى التأييد الشعبي الذي أحظى به، وأنا لا أغرب في الفوز سوى بواسطة هذه الشرعية الشعبية في ظل انتخابات نظيفة ونزيهة، اقتناعاً مني بأن الآوان قد آن لدخول مرحلة الشرعية الشعبية، وبأن مفتاح حل الأزمة يكمن في احراز ثقة الشعب لا غير. أما بالنسبة الى ما أطلقتم عليه "الائتلاف الحزبي" فأعتقد ان من حق الاحزاب المساندة لي ان تنسق في ما بينها، وتفكر في كل الخطوات المشتركة قصد الفوز بهذا الرهان. أما مسألة الحكم فالأمر سابق لأوانه، أقول فقط انني لم أقدم لأحد تعهدات أو وعوداً، كما ان جميع الذين ساندوني فعلوا ذلك من غير تفاوض أو شروط مسبقة. ارتبط اسمكم بمرحلة حكم الرئيس الراحل هواري بومدين الذي استلهمتم كثيراً من مواقفه في حملتكم الانتخابية. وكما هو معروف اتسمت تلك المرحلة بحكم الحزب الواحد هو جبهة التحرير الوطني. كيف تنظرون الى دور هذا الحزب في ظل رئاستكم؟ هل سيكون القوة الرئيسية التي تستندون اليها، أم سيكون جزءاً من تحالف حزبي حاكم؟ وما هي الضمانات منكم للأحزاب الأخرى من اجل استمرار التعددية؟ - حزب جبهة التحرير الوطني له ماض عريق، وارتباطه بالشعب الجزائري وتعبيره عن طموحه وتطلعاته يمتد في التاريخ. فقد تشكل غداة الثورة، وقاد مع جيش التحرير الوطني البلاد الى الحرية والاستقلال، وكان له دور بارز بعد الاستقلال بحيث قاد مشروع التنمية، ورغم ان بعض الناس قد راهنوا على تقلص دوره، وربما على تلاشيه واندثاره، إلا ان عمقه الشعبي وبعده الوطني أبطل كل الأقاويل، وحطم كل الادعاءات. واعتقد انه ما كان لحزب جبهة التحرير الوطني ان يبقى ويصمد في الساحة السياسية لولا هذا الثقل الذي يتمتع به بسبب مجده التاريخي التليد، ولولا قدرته على التكيف مع التطورات والمستجدات الوطنية، وبالتالي فهو قوة رئيسية في الساحة السياسية الجزائرية لا يستهان بها، ويشكل مع بقية القوى الوطنية جداراً صلباً يعمل على ترسيخ الديموقراطية في البلاد وتعميقها ورفع مستواها في اطار القوانين وفي ظل احترام الدستور، ويناضل من أجل إيجاد حلول للأزمة الراهنة التي تتخبط فيها البلاد. وأنا أؤمن بأن الجزائر ملك لجميع الجزائريين، وبأن بناءها ينبغي ان يتم بسواعد كل أبنائها، وأنني في حالة فوزي بثقة الشعب سأعمل جاهداً على حشد جميع الطاقات، واستثمار كل الكفاءات من مختلف التيارات من دون اقصاء أو تهميش من اجل بعث التنمية، واسترجاع الأمن، والثقة بالنفس، ومواجهة التحديات الراهنة. فالمواطنون والمواطنات على اختلاف أهوائهم السياسية وتباين أفكارهم، ورؤاهم، وانتماءاتهم الحزبية لهم قواسم مشتركة، وما يجمعهم أكبر بكثير مما يفرقهم، وقدرهم المحتوم جميعاً هو تشييد وطنهم الذي لا وطن لهم سواه. لقد علمتنا التجربة النضالية الممتدة الى زمن الثورة التحريرية ان اليد الواحدة لا تصفق وان المشي برجل واحدة غير ممكن، وان النجاح كل النجاح في جمع الشمل، وتضافر جهود الجميع. تلكم هي قناعاتي، وهذا هو ايماني ومنهجي وتصوري للعمل السياسي. أما بالنسبة الى الشطر الثاني من السؤال، والمتعلق بالضمانات التي أقدمها للاحزاب من أجل استمرار التعددية فأقوال مؤكداً إنني من المدافعين بقوة عن الحوار في ظل احترام الدستور وقوانين الجمهورية، ومن المؤمنين بأن هذه الانتخابات يجب ان تكون فرصة لترسيخ المسار الديموقراطي وتعميقه، وتكريس التعددية الحزبية، وحرية الرأي، واحترام الرأي المخالف، وفي حالة فوزي بمنصب رئيس الجمهورية، سأعمل جاهداً على جعل هذه المكاسب التي يضمنها الدستور ثوابت لا تتغير ولا تتبدل، والشرط الوحيد في ذلك هو الامتثال للقانون واحترام الدستور. يأخذ مرشحون على ادارة الدولة الانحياز اليكم خلال هذه الحملة، سواء في الاعلام أو تنظيم المهرجانات. ويذهب البعض الى حد وصفكم بأنكم "مرشح السلطة" من أجل مقاومة التغيير الذي يطالبون به، ما هو ردكم على هذا الرأي؟ - هذه كلها ادعاءات باطلة، واتهامات لا أساس لها من الصحة، وأنا أصنف كل هذه الاقاويل في اطار مسعى الغرض منه التشويش على الانتخابات بصفة عامة، والمساس بسمعة الطفرة الديموقراطية التي تعيشها الجزائر، كما أنها تدخل في اطار التغطية على الحظوظ الضعيفة لبعض المترشحين. وليس لديّ تعليق آخر على هذه الحملات التي تمس في كثير من الاحيان بشخصي سوى الإحالة على تصريحات المسؤولين في مختلف المؤسسات. فقد عبرَّ رئيس الجمهورية وهو الممثل للسلطة الحالية بأن السلطة ليس لها مرشح، ولا تفضل أحداً من المرشحين، كما التزم بحيادة الإدارة، وقدم في هذا الشأن ضمانات هي التي شجعت المرشحين وأنا واحد منهم على دخول هذا السباق. وبالنسبة الى وسائل الاعلام فإنها فندت مختلف التهم الموجهة اليها، وفضحت جميع الأباطيل أمام الرأي العام الوطني، وبينت أنني لا أتمتع بحظوة خاصة لديها، وأما تنظيم المهرجان والتجمعات فهو موكول للمرشحين وأنصارهم، وهو مباح للجميع من دون استثناء، حتى لأولئك الذين ينادون بمقاطعة التصويت. ولا أريد الخوض في هذه المهاترات، ولكنني أرغب في تأكيد انني مرشح حر بأتم ما تحمله هذه الكلمة من دلالة، فأنا لست مرشح أية جهة مهما كانت، ولا أرغب سوى في احراز ثقة الشعب وحده. لقد علمني تاريخي وتجربتي الحرية والكرامة، ورسخ في نفسي قناعات لا تتزعزع، فأنا شخص لا تحركه الأهواء والنزعات مهما كانت طبيعتها، ولا أتحرك الا وفق إرادتي، وبناء على قناعاتي وايماني بمبادئي. ودخولي هذا المعترك الانتخابي لم يكن بدافع نوازع سلطوية، وحقيق مآرب ذاتية، ولكنه جاء عن قناعة بضرورة الاسهام في بناء الوطن، لأنني لو كنت ممن تحركهم الاغراض الشخصية، والأهواء السياسوية، والتحالفات الظرفية لما غادرت السلطة نهائياً بعد وفاة الرئيس الراحل هواري بومدين، ولقبلت منصب رئاسة الدولة في 1994 عندما عرض علي، فهل هناك برهان آخر أكثر اقناعاً من هذا على أنني مرشح حر، ولست مرشح السلطة أو أية جهة اخرى؟ ثم انني مع احترامي الكامل لجميع المرشحين الآخرين وطروحاتهم أتساءل عن ماهية التغيير الذي يرفعون شعاره، وغالبية هؤلاء المرشحين كانوا يتحملون بالأمس القريب مسؤوليات في مستويات عليا من السلطة، بل ان هناك منهم من لم يغادرها الا أخيراً، ومنهم من ساهم في صنع الأزمة الحالية، وهناك من يدعي بأنه ابن النظام، فهل يرغب هؤلاء في الانقلاب على أنفسهم؟ أم أنهم يريدون مغالطة الرأي العام؟ أعتقد بأن الشعب الجزائري لن تخونه الذاكرة، وليس ساذجاً الى هذه الدرجة التي يتصورها هؤلاء. وردت في برنامج منافسكم السيد أحمد طالب الابراهيمي العبارة الآتية: "إن الفترة الرئاسية القادمة ستكون انتقالية تنسحب أثناءها المؤسسة العسكرية من الحياة السياسية لتتفرغ لمهامها الدستورية" بماذا تعلقون على هذا الرأي؟ - لا أريد أن أعلق على آراء الآخرين، فهم أحرار في التعبير عن أفكارهم، وأنا أحترم الرأي الآخر حتى وان كان مخالفاً لقناعتي. ولكنني أريد أن أقول: إن الحكم في الجزائر كان منذ الاستقلال الى الآن باسم الشرعية الثورية، واليوم وجب التغيير ليكون الحكم باعتبار الشرعية الشعبية، فهذا الانتقال ضروري تمليه متطلبات المرحلة، والتطورات في العالم في شتى المجالات السياسية والاقتصادية. ومع ذلك أرى انه لا بد من التشديد على ان المؤسسة العسكرية في الجزائر لا يجب مقارنتها بمثيلاتها في بلدان العالم الثالث، فهي تتمتع بخصوصية، وتتميز بسمات تعتز بها، ذلك ان الجيش الوطني الشعبي هو سليل جيش التحرير الوطني الذي كافح ضد الاستعمار الفرنسي وحقق الحرية للبلاد، وصار قادته غداة الاستقلال إطارات في الجيش الوطني الشعبي، كما أنه نابع من أعماق الشعب ويحظى باحترامه، ومنبثق من مختلف الشرائح الاجتماعية، كما كان له دور مشرف في معركة البناء بعد الاستقلال وساهم بقسط كبير في التنمية الوطنية. والمؤسسة العسكرية بالإضافة الى دورها التقليدي المتمثل في الدفاع عن حرمة الوطن ووحدته، تمتاز ايضاً بانضباطها واحترامها للدستور، وهي حريصة أكثر من غيرها على تكريس المسار الديموقراطي وتثمينه وتعميقه، وهي باختصار مؤسسة صلبة من حيث بناؤها وتماسكها والدليل على ذلك أنها ربما المؤسسة الوحيدة التي ظلت قوية متماسكة أمام الهزة العنيفة التي تعرضت لها البلاد في السنوات الأخيرة، واستهدفت في جملة ما استهدفته كيان الدولة ومؤسساتها. لقد ألهت المشكلات السياسية والأمنية هذه المؤسسة العتيدة عن التفرغ لمهامها الأساسية، وهذا نتيجة فشل السياسيين عن التكفل بالأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وتسيير شؤون البلاد، واليوم أرى انه حان الوقت ليدخل الجيش الوطني الشعبي مجال الاحتراف، ويواكب التطور والتجدد الذي يحصل في العالم. شعار الحوار والمصالحة ردده جميع المرشحين، في حال انتخابكم، كيف ستطبقون هذا الشعار؟ وهل ستطرحون مبادرة معينة خصوصاً لتفعيل الهدنة مع "جيش الانقاذ"؟ - الأزمة في الجزائر - كما تعلمون - معقدة جداً وخيوطها متشابكة، وجوانبها متعددة ومتداخلة، وحل هذه الأزمة مرتبط بضرورة البحث في أسبابها والعمل على القضاء عليها، كما يتطلب فتح نقاش واسع، وحوار يشمل جميع الجزائريين المخلصين لوطنهم من دون اقصاء، وفي اطار الدستور، وقوانين الجمهورية، ولا ينبغي ان يستبعد من هذا الحوار إلا الذين تلطخت أيديهم بدماء الشعب، إذ لا يمكن محاورة الارهابيين الذين ذبحوا الشيوخ والأطفال، ونشروا الرعب، واغتصبوا النساء، بل تجب محاربة هؤلاء من دون هوادة في اطار احترام قوانين البلاد وحقوق الانسان. وبعبارة أخرى فأنا أتصور الحوار الحقيقي مع جميع الاحزاب المعتمدة في اطار الدستور. وبالنسبة الى ما تسمونه "الهدنة مع جيش الانقاذ" فأنا لا أملك في الوقت الراهن معطيات عن هذا الملف، ولا أدري بالضبط ان كان هناك في الواقع شيء من هذا القبيل، وإذا كان هناك مبادرة من هذا النوع، فإنني أرحب بها، وسأستثمرها بغية عودة الأمن والطمأنينة الى البلاد، خصوصاً وان من أولويات برنامجي حل المشكلة الأمنية التي تتطلب شجاعة وعزماً وصرامة. وعليه فإن كل فكرة تصب في اتجاه حقن دماء الجزائريين يجب ان تثمن. سمعنا كثيراً من شباب وطلاب جزائريين ان الكلام في الحملة الانتخابية جميل جداً، لكن التطبيق شيء آخر، فما هي مبادرتكم من أجل اعادة الأمل الى هؤلاء بايجاد عمل ومسكن وحياة كريمة؟ - الجزائر بلد غني بطاقة بشرية شابة، فحوالى ثلاثة أرباع السكان هم من الشباب، وهذه ثروة هائلة، لو يحسن استغلالها في التنمية الوطنية، ولكن مع الأسف الشديد فهذه الشريحة الاجتماعية تعاني مشاكل كبيرة، تعاني من التهميش والإقصاء والبطالة، وعدم الاستقرار النفسي والاجتماعي، وما ينتج عن ذلك من أمراض وآفات وانحرافات اجتماعية، وهذا كله بسبب السياسة التي اتبعت في العشريتين العقدين الأخيرتين، اذ تخلت الدولة عن وظيفتها الاجتماعية، ولم تتكفل بملف الشباب بصفة جدية، رغم الشعارات التي كانت ترفع دوماً في هذا المجال. وقد تسبب كل هذا في غياب ثقة الشباب في السلطة، وولّد لديهم شعوراً بالخيبة والضياع، وأفرز احساساً بفقدان الأمل في وطنهم، واخذوا يبحثون عن آفاق جديدة أخرى في غير وطنهم، حتى صار التفكير في الهجرة هاجساً أساسياً في حياتهم. وهذه وضعية مزرية - كما تلاحظون - خصوصاً اذا عرفنا امكانات الجزائر الاقتصادية الهائلة، وما تتوافر عليه من خيرات، وفرص كبيرة للتنمية، وعلى سبيل المثال كيف يعقل ان تكون لدى البلاد طاقة بشرية قادرة على العمل والانتاج بهذه الكيفية التي نجدها في الجزائر، وتبقى الأراضي الزراعية غير مستغلة والبطالة متفشية؟ هذا أمر غير طبيعي في نظرنا، ومن هنا وضعنا نصب أعيننا هذه المسألة وجعلنا قضية التكفل بالشباب محوراً أساسياً في برنامجنا. وسنعمل - بحول الله - في حالة فوزنا بثقة المواطنين، على تجسيد طموح شبابنا، وذلك بإتاحة مبدأ تكافؤ الفرص له في التعليم والتكوين والعمل والسكن، والاندماج في الحياة السياسية الوطنية، وفي دفع عجلة البناء، وبإعادة الثقة بالنفس اليه، وفي جعله يرتبط ببلده ارتباطاً وثيقاً، ويؤمن بأن لا وطن له غير الجزائر، وفتح الآفاق واسعة أمامه للتعبير عن انشغالاته وطموحاته، ورغباته، وتفجير طاقاته الخلاقة المبدعة. منذ عقد تقريباً تتعثر مسيرة اتحاد المغرب العربي، ويتردد دائماً في عواصم البلدان المشاركة لكم في الاتحاد، ان معاودة هذه المسيرة ترتبط بانتخاب الرئيس الجزائري المقبل. في حال توليكم الرئاسة كيف ستعملون على تنشيط الاتحاد، واستعادة الثقة بينكم وبين جاركم المغرب، خصوصاً في ظل الجمود الراهن نتيجة المواقف المتعارضة بين الحكومتين الجزائرية والمغربية من كيفية التطبيع وفتح الحدود؟ - ايمان الجزائر بوحدة مصير شعوب المغرب العربي يعود الى مرحلة ميلاد الحركة الوطنية الجزائرية، ومبدأ كرسته ثورة تشرين الثاني نوفمبر المجيدة، وقد اجتهدت بلادنا بعد الاستقلال في ربط علاقات قوية مع دول الجوار، قائمة على مبادئ الاحترام المتبادل، عدم التدخل في الشؤون الداخلية، وحسن الجوار، وترقية التعاون المشترك في جميع المجالات الثقافية والاقتصادية والتجارية، وكانت الجزائر تؤمن ايضاً بأن العلاقات مع شقيقتها المغرب وبقية دول المغرب العربي ينبغي ان تسهم في ترقية شعوب المنطقة، وتحفظ مصالحها، وتحقق طموحاتها المشروعة في التقدم والقوة والازدهار، ومن هنا كانت الجزائر ترى بأن لا جدوى من اقامة علاقات فوقية لا ترقى الى مستوى الاندماج والتكامل بين شعوب المنطقة، ورغم الهزات العنيفة التي تعرضت لها العلاقات مع الدول الشقيقة المجاورة وبخاصة المغرب في العديد من المرات، إلا ان ذلك لم يزعزع ايمان الجزائر بحتمية التعاون، وضرورة تنقية الاجواء مع الأشقاء، ولم تنقطع رغم كل ذلك أواصر الاخوة والمحبة. ونحن اليوم نؤمن أكثر من أي وقت مضى بهذه المبادئ، وسنعمل جاهدين على تنقية الاجواء المغاربية، وتفعيل دور مؤسسات الاتحاد المغاربي، وجعلها في خدمة الترقية الاجتماعية والاقتصادية للمنطقة، فالجمود الذي تعرفه هذه المؤسسات هو جمود ظرفي، وسنعمل ما في وسعنا على رفع جميع العراقيل التي تقف في وجه تكتل دول المغرب العربي، لأن ذلك أمر حتمي بالنسبة الينا جميعاً، تمليه الظروف الاقتصادية والسياسية العالمية الجديدة، فالألفية الثالثة ستكون عصر الهيمنة الاقتصادية، ولا مكان في هذا العصر للضعفاء، ولنكون أقوياء علينا ان نحشد طاقاتنا وامكاناتنا الاقتصادية لنواجه بها اقتصادات العالم المتطورة.