يبدو المحامون المصريون من التيارات السياسية المختلفة اكثر ثقة في ان الحكومة ستضطر قريباً الى القبول بإنهاء ازمة نقابتهم واجراء انتخابات لتشكيل مجلس جديد لادارة النقابة التي لم يمر عقد من دون أن يسجل صداماً بينها وبين السلطة. لكن تفاعلات هذه الازمة أثارت تساؤلات مهمة: هل ما زالت الظروف والاوضاع الداخلية تسمح بأن تعود النقابة لتلعب الادوار نفسها التي لعبتها في الماضي؟ وهل يمكن أن تعود النقابة مركزاً لنشاط سياسي لا يجد المصريون مثله مقارنة بالاحزاب القائمة؟ وهل تقبل الحكومة بانتخابات تأتي بغالبية ل"الاخوان المسلمين" في مجلس النقابة؟ يبدو أن الحكومة مازالت تدرس كيفية التعاطي مع الحكم الذي اصدرته محكمة الاستئناف قبل نحو اسبوعين، وقضى بانهاء الحراسة المفروضة على النقابة منذ بداية 1996، وتشكيل لجنة برئاسة رئيس محكمة استئناف القاهرة وتضم في عضويتها أربعة قضاة، وأربعة من أقدم المحامين، تكون مهمتها الإعداد لإجراء انتخابات مجلس النقابة. والمؤكد أن الحكم مثَّل صدمة للحكومة التي ظلت طوال أكثر من ثلاث سنوات ونصف السنة "مرتاحة" من "صداع" المحامين بعدما تحولت الازمة الى صراع بين المحامين أنفسهم، ما بين مؤيد لحكم الحراسة ومعارض له. وعلى رغم أن جهود المحامين من التيارات المختلفة لم تتوقف لرفع الحراسة عن نقابتهم إلا أن اللافت أن رموز المحامين ممن قادوا مرحلة "النضال" من أجل استعادة النقابة حريتها والسعي الى وضعها في بؤرة الضوء، كما كانت لسنوات طويلة، حرصوا خلال تلك الفترة على التأكيد أن تلك الجهود لا يقف خلفها تيار سياسي بعينه، والمقصود بذلك طمأنة الحكومة بأن التيار الإسلامي، خصوصاً "الإخوان"، لا يقود تلك العملية، وأن السماح بإجراء الانتخابات لا يعني هزيمة للحكومة وانتصاراً له. فالحديث في ندوات ومؤتمرات المحامين كان دائماً يركز على أن القضية "نقابية بالدرجة الأولى" بل إنهم يتهمون الحكومة بأنها هي التي تسعى الى تسييس القضية على رغم أنها كانت تنتقد دوماً الإخوان بأنهم سيسوا النقابة، وحولوها منبراً سياسياً مارسوا من خلاله بشكل علني واسع النطاق نشاطاً سياسياً عجزوا عن ممارسته من خلال تنظيمهم المحظور بحكم القانون. فالحراسة فرضت بعد لجوء عدد من المحامين الى القضاء للاعتراض على ممارسات مجلس النقابة السابق والذي كان "الإخوان" يمثلون فيه الغالبية، كما أن الخلافات كانت بين غالبية المحامين والحراس المعينين من المحكمة. ولا شك في أن الحكومة كانت تفضل استمرار الوضع على ما هو عليه، وأن يتحول الصراع بينها وبين المحامين وعلى رأسهم "الإخوان" صراعاً بين المحامين أنفسهم. فالنقابة ذات الصوت العالي والحضور الكثيف والمكانة التي يتمتع بها رموزها والتاريخ الذي يؤكد تلك المكانة من الافضل بالنسبة الى الحكومة "أن يجمد نشاطها". ولم ينس المصريون بعد ذلك اليوم الذي وقعت فيه المواجهة بين الطرفين الى حد الصدام، حينما اعترض المحامون في نيسان ابريل 1994 على اعتقال المحامي عبد الحارث مدني بتهمة التورط في دعم نشاط تنظيم "الجماعة الإسلامية"، ونقل أموال وتكليفات من قادة التنظيم الى عناصر الجناح السياسي له. ووقع الصدام حينما توفي مدني اثناء التحقيق معه وأكدت الحكومة أنه مات متأثراً بإصابته بهبوط في الدورة الدموية في حين اعتبر المحامون أن زميلهم قتل اثناء تعرضه للتعذيب. وعلى رغم أن سخونة الأحداث في ذلك العام، بفعل عمليات الاصوليين التي كانت تتنوع ما بين هجمات على رجال الأمن والمسؤولين، الى استهداف السياحة والسياح مروراً بالهجوم على المصارف والبنوك، إلا أن أحداث نقابة المحامين غطت على كل الاحداث، وبات واضحاً وقتها أن الحكومة لن تسمح لتلك النقابة بأن تستمر في لعب الدور نفسه لفترة طويلة. وعلى ورغم الجدل القانوني الدائر حالياً لتفسير الحكم بإنهاء الحراسة، فإن المؤكد أن الأمور تسير في اتجاه إيجابي بالنسبة الى الحكومة والمحامين معاً. فالأولى تعرضت لانتقادات لامتناعها عن إجراء الانتخابات وهي ردت عليها دائماً بأن الخلافات بين المحامين انفسهم هي التي تعطل إجراء الانتخابات، والمحامون وعلى رأسهم المنتمون الى "الإخوان" استوعبوا الدرس جيداً. ويبدو ذلك من تحركات "الإخوان" ودورهم في لجنة وحدة المحامين التي وقفت خلف الجهود التي بُذلت لإنهاء الحراسة وإجراء الانتخابات"، ويبدو حرص "الإخوان" واضحاً للابتعاد عن "بؤرة الضوء" و"مركز الصورة"، والتأكيد أن دورهم لا يختلف كماً ونوعاً عن أدوار التيارات السياسية الأخرى. فالدرس كان قاسياً بالنسبة الى "الإخوان" الذين فشلوا في استغلال الفترة التي سيطروا فيها على النقابة في مد الجسور بينهم وبين القوى السياسية والتعاطي بديموقراطية مع الآخرين، والمؤكد أن الحكومة لن تسمح بأن تعود عجلة التاريخ الى الوراء ليكرر "الإخوان" السياسات نفسها.