عاد "الإخوان" إلى "دائرة الضوء" مجدداً، وعاودت وسائل الإعلام اللهاث وراء أخبارهم وآراء قادتهم ومواقفهم. وبغض النظر عن التهم التي وجهتها نيابة أمن الدولة الى 20 من قادة الجماعة اعتقل 16 منهم أثناء اجتماع تنظيمي، فإن المؤكد أن هؤلاء لم يودوا العودة الى قلب الأحداث بهذه الطريقة. لكن يبدو ان الارتباك الذي يسود جماعة "الاخوان" منذ بداية العام 1996 مكّن من حصول الصدام الجديد مع الحكومة بهذه الصورة. ولوحظ أن الحملة التي شنتها السلطات ضد "الإخوان" في العام 1995 كانت نتيجة نشاط مكثف مارسته الجماعة للتمهيد لخوض الانتخابات البرلمانية في ذلك العام. في حين جاءت الحملة الأخيرة في ظل حال من الركود أصابت نشاط "الإخوان" منذ نحو أربع سنوات. ويبدو أن الحكومة أرادت بالإجراء الأخير توجيه إشارة صريحة إلى "الإخوان" تفيد أن أي تغيير في طريقة التعاطي معها غير وارد. وأن استنكار المرشد العام للإخوان السيد مصطفى مشهور محاولة الاغتيال التي تعرض لها الرئيس حسني مبارك في بورسعيد الشهر الماضي ليس مبرراً يمكن للجماعة أن تستند إليه للعودة الى الساحة مرة أخرى. والمؤكد أن كل من راقبوا نشاط "الإخوان" في العام 1995 لاحظوا الزخم الإعلامي والسياسي الذي تمتعت به الجماعة نتيجة القاء السلطات القبض على اكثر من 80 من رموزها، وتقسيمهم الي ثلاث قضايا واحالتهم على محكمة عسكرية لتكون المرة الأولى التي يقف فيها ناشطون من الإخوان أمام القضاء العسكري منذ 30 سنة. وعلى رغم أن الإجراء كان قاسياً إلا أن "الإخوان" نجحوا في استغلاله لمصلحتهم ولم يتوقف سيل البيانات والتقارير الصادرة عن منظمات حقوقية محلية ودولية، صبت في النهاية لمصلحة الإخوان كما حصلت الجماعة على تعاطف بعض القوى السياسية الأخرى في مصر حتى تلك التي تخالفها الافكار وتعارضها في المبادئ والتوجهات بعد ما رأت أن الإخوان يتعرضون لظلم وأن الإجراءات ضدهم تعكس تحاملاً وعداءً حكومياً. ونجح الإخوان في استثمار ما جرى لمصلحتهم حين قدموا نحو 150 مرشحاً في الانتخابات البرلمانية التي جرت في ذلك العام في خطوة لم تعكس فقط رغبة الجماعة في تحدي الحكومة، ولكن ايضاً تأكيد أن رصيد الإخوان من العناصر القادرة على خوض معترك الانتخابات لا ينضب. وبغض النظر عن فشل كل مرشحي الجماعة في الفوز بأي مقعد فإن الفشل الحقيقي ظهر في العام التالي حينما فاجأ واحد من ابرز كوادر الإخوان وهو المهندس أبو العلا ماضي الاوساط السياسية المصرية بما فيها أوساط الإخوان أنفسهم وقدم طلباً لتأسيس حزب سياسي تحت لافتة "حزب الوسط"، بعدما نجح في اقناع آخرين من الإخوان في السير في الاتجاه نفسه من دون الحصول على موافقة قادة الجماعة وهو أمر يعد في عرف الإخوان من المحرمات. وعلى رغم أن الحكومة اعتقدت أن ماضي مُكلَّف من مكتب إرشاد الإخوان بالمهمة واعتقلته مع 12 آخرين، وقدمتهم الى المحكمة، إلا أن التفاعلات التي جرت بعدها والطريقة التي تعاطى بها قادة الجماعة مع قضية الحزب اثبتت للجميع أن الجماعة تواجه أخطر أزمة في تاريخها. وأن التناقضات بين جيلين داخل التنظيم الواحد لم يكن لأحد أن يخفيها. فبدلاً من أن يتفرغ ماضي وزملاؤه لمواجهة الإجراءات الحكومية المعقدة لتأسيس الحزب وجدوا أنفسهم مضطرين لمواجهة سياسات وتصرفات قادة الإخوان ضدهم، وانشغلوا بالتصدي لمحاولات الإخوان لإفشال مشروعهم. وتحول مسرح الأحداث إلى خلاف بين "الإخوان" و"الوسط" وتوارت الحكومة الى خلفية الصورة بعدما كانت في السنوات السابقة العنصر الأساسي فيها. ولأن أخطر ما يواجه أي تنظيم سياسي هو أن تتفشى التناقضات داخله فإن جماعة "الإخوان" التي كانت لسنوات تستثمر هجمات وضربات الحكومات المتعاقبة فشلت في إدارة ازمة "الوسط" ما جعل آخرين من أعضاء الجماعة يقدمون على الاستقالة منها وتكفل مكتب الإرشاد بإقالة من لم يقدموا على الخطوة لكنهم عبروا عن اعتراضهم على سياسات القادة. وطوال أربع سنوات اعتمدت الحكومة في تعاطيها مع "الإخوان" على اسلوب "الضربات الاجهاضية"، بالقبض على عناصر الصفين الثاني والثالث في حال بروز أي نشاط على الساحة لكنهم جميعاً كانوا يطلقون بقرارات من النيابة من دون إحالتهم على القضاء. إلا أن ملابسات الحملة الأخيرة تشير الى أن الحكومة لم ترفع عينيها بعد عن "الجماعة". وعلى رغم حال الهدوء الذي تشهده مصر بعد توقف عمليات الاصوليين الجهاديين، فإن الإخوان يظلون دائماً القوة الأوسع انتشاراً دون غيرها من الحركات الإسلامية الأخرى، ولا يمكن تجاهل الربط بين الحكم النهائي الذي اصدرته محكمة النقض الاسبوع الماضي وقضى برفع الحراسة عن نقابة المحامين وبين الحملة الأخيرة ضد الإخوان فالنقابات المهنية ظلت حتى منتصف التسعينات قلاعاً للإخوان عوضتهم غيابهم عن مقاعد البرلمان، لكن فرض الحراسة على نقابتي المحامين والمهندسين في بداية العام 1996 وتعطيل نشاط بقية النقابات بعد انتهاء المدة القانونية لمجالسها واعتراض الحكومة على إجراء انتخابات جديدة فيها إضافة الى ما أفرزته مشكلة "الوسط" من ارتباك داخل صفوف الإخوان تسبب في غياب الجماعة عن الساحة، فرأى قادتها في الحكم الأخير فرصة للعودة مرة أخرى لكن الحكومة وقفت لهم بالمرصاد. غير أن سؤالاً مهماً يدور في أوساط الإخوان عن عدم حرص هؤلاء الذين القي القبض عليهم اثناء اجتماعهم في ضاحية المعادي على اتباع القواعد الأمنية، التي تضمن لهم عدم الوقوع في شرك الحكومة. ولا يخفي البعض أن حال الارتباك الذي يسود الاخوان منذ سنوات كان السبب وراء ما جرى وما يمكن أن يحدث في المستقبل.