رحل الملك الحسن الثاني في وقت وصلت العلاقات الثنائية مع تونس الى اعلى درجات الاستقرار. اذ احاط العاهل الراحل الرئيس زين العابدين بحفاوة استثنائية لدى استقباله في مراكش خلال شهر آذار مارس الماضي لمناسبة الزيارة الرسمية الأولى التي قام بها الرئيس التونسي للمغرب. الا ان العلاقات الثنائية مرت في الخمسينات والستينات في خضتين كبيرتين استطاع البلدان امتصاصهما لاحقاً والارتقاء بالعلاقات الى مستوى متقدم من الانسجام. عاصر الملك الحسن الثاني الأزمة الأولى وهو ولي للعهد اذ غادر السفير المغربي قاعة مجلس النواب التونسي في الخامس والعشرين من تموز يوليو العام 1957وتبعه السفير الليبي احتجاجاً على كلمة نائب في "مجلس الأمة" حمل على الأنظمة الملكية واتهمها بالفساد في معرض مناقشة قرار اعلان الجمهورية الذي اعتمده المجلس في اليوم نفسه. الا ان الرئيس التونسي آنذاك الحبيب بورقيبة الذي كان يتابع المناقشات في القاعة طلب الكلام مقاطعاً النواب وألقى كلمة اوضح فيها ان المجلس يبحث في التجربة الملكية التونسية حصراً وفي ضوء الحصاد السلبي للأسرة الحسينية 1705 - 1957 التي تعاون ملوكها مع سلطات الانتداب عدا منصف باي الذي خلعته السلطات الفرنسية ونفته الى "بو" شمال فرنسا، ولا يتطرق الى التجارب الملكية الايجابية في البلدان الأخرى. كذلك ارسل بورقيبة موفدين الى كل من المغرب والسعودية وليبيا لشرح ملابسات قرار الانتقال الى النظام الجمهوري ما أدى الى انقشاع سحب الأزمة مع الرباط واستعادة العلاقات صفاءها السابق. استقلال موريتانيا لكن السحب عادت لتتلبد في سماء العلاقات لمناسبة استقلال موريتانيا العام 1960 والذي عارضه المغرب. واتخذ الرئيس بورقيبة موقفاً قوياً الى جانب الموريتانيين. اذ كانت تونس أول بلد يعترف باستقلالهم وهو قاد حملة ديبلوماسية بوصفه عضواً في مجلس الأمن لحشد الاعتراف الدولي بالدولة اليافعة وانضمامها الى الأممالمتحدة. الا ان العلاقات استعادت صفاءها بعدما هدأت "الازمة الموريتانية" وتطورت سريعاً في الاتجاه الايجابي خصوصاً بعدما اعيدت العلاقات الديبلوماسية في اعقاب حضور بورقيبة جنازة الملك محمد الخامس العام التالي. وكان لافتاً انه رفع النعش على كتفيه خلال التشييع ما جعل نجله الحسن الثاني يقسم بكونه سيحمل نعش بورقيبة على كتفيه. وتكرس الانسجام بين الزعيمين بعدما شعر بورقيبة والحسن الثاني بتطابق في الرؤى وانسجام في المواقف العربية والدولية جعلاهما في معسكر مختلف عن "المعسكر الاشتراكي" الذي اختاره جارهما المشترك الرئيس الراحل هواري بومدين. وتعزز التقارب بالزيارة الرسمية التي قام بها العاهل المغربي الراحل لتونس العام 1965 وكذلك الزيارة التي قام بها الرئيس بورقيبة للمغرب واللتين رفعتا مستوى العلاقات الى تنسيق وتعاون لم تعرفهما من قبل. وبعدما تسلم الرئيس زين العابدين بن علي مقاليد الرئاسة في اعقاب تنحية بورقيبة العام 1987 تلقت العلاقات الثنائية دفعة قوية أدت الى تنشيط اللجنة العليا المشتركة التي باتت تجتمع مرة كل سنة في احدى العاصمتين برئاسة رئيس الوزراء. وعلى رغم البرود الذي طرأ عليها في الفترة الماضية فإن حبل الود بين الرئيس بن علي والعاهل الراحل لم ينقطع أبداً. اذ حرص الأول على حضور القمة التأسيسية لاتحاد المغرب العربي في مراكش العام 1989 ثم الاجتماع الخامس لمجلس الرئاسة المغاربي في الدار البيضاء العام 1992. وشهدت العلاقات الثنائية تطوراً سريعاً في السنتين الاخيرتين خصوصاً منذ تعيين عبدالرحمن اليوسفي رئيساً للوزراء العام الماضي والذي زار تونس على رأس وفد رفيع المستوى حاملاً دعوة من العاهل الراحل الى الرئيس بن علي لزيارة المغرب. وشكلت الزيارة التي تمت في الربيع الماضي والمحادثات بين الحسن وبن علي نقلة في العلاقات الثنائية وفتحت صفحة جديدة عنوانها التشاور السياسي الدوري اضافة الى تنشيط مؤسسات التعاون الثنائي في القطاعات كافة. وتجسد التشاور الثنائي الخاص من خلال تشكيل فريق مشترك رفيع المستوى يجتمع مرتين في السنة للبحث في القضايا الاقليمية والعربية والدولية وبلورة مواقف مشتركة منها.