حذر اقتصاديون في دبي من خطورة القروض الشخصية في دولة الامارات بعدما تجاوز حجمها القروض في نهاية العام الماضي حاجز 27 بليون درهم 7.2 بليون دولار واستحوذت على ثاني أكبر الحصص في أعمال المصارف بعد قطاع الأعمال والصناعة وأصبحت تمثل نحو 29 في المئة من اجمالي الائتمان المصرفي المقدم الى القطاع الخاص، وبلغ اجمالي الائتمان المقدم للقطاع الخاص نحو 90.7 بليون درهم حتى أيلول سبتمبر 1998. وبينت غرفة دبي في دراسة متخصصة أعدتها عن الاقراض الشخصي في دولة الامارات انه على رغم تذبذب الأوضاع الاقتصادية نتيجة للظروف السياسية والأحداث التي مرت بها المنطقة منذ أوائل الثمانينات ولا تزال تعيش آثارها حتى وقتنا الحاضر، وما رافق ذلك من انهيار لأسعار النفط والأزمات الاقتصادية التي عصفت بعدد من الدول في المنطقة والعالم، إلا أن استهلاك الفرد في الامارات ظل في ارتفاع مستمر، مع ثبات مستوى الدخول واستقراره ما أحدث خلخلة اقتصادية واجتماعية خصوصاً ان نوعية الاستهلاك التي كانت ولا تزال سائدة، هي استهلاك غير منتج ما أدى الى لجوء الأفراد الى الديون التي ما لبثت ان سجلت قفزات عالية بعدما أصبح معدل استهلاك الأفراد يفوق دخولهم، وزاد معدل ديون أصحاب الدخول المتدنية والمتوسطة الى 90 في المئة خصوصاً بين فئات الشباب الاماراتيين. واعتبرت الغرفة "ان من العوامل المهمة التي تعتبر خطيرة أيضاً من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية ولعبت دوراً في خلخلة ميزان الاستهلاك لدى الأفراد التقليد الاجتماعي، أو المحاكاة، الذي تمثل في رغبة فئات المجتمع محدودة الدخل في تقليد الفئات ذات الدخل المرتفع فيما تستهلكه من أساسيات وكماليات بدءاً من الملابس والسيارات ومروراً بالسفر الى الخارج وحتى البذخ في اقامة الحفلات الاجتماعية وغيرها من دوافع الاستهلاك، ما بدوره يدفع هذه الفئات لايجاد مصادر تستجيب مع رغباتها الاستهلاكية وتوفر لها المال اللازم لذلك". ولاحظت الدراسة ان الكثافة المصرفية كان لها تأثير على كفاءة المصارف التشغيلية وانكفائها الى المنافسة المحلية وعدم تطوير أعمالها بما يتفق مع طبيعة المستجدات والتطورات الاقتصادية الجارية في العالم، حيث فتحت بعض المصارف الباب واسعاً للقروض الشخصية بعدما ايقنت الميل الطبيعي لدى شريحة كبيرة من المجتمع المحلي بمواطنيه ووافديه للاقتراض وتلبية رغبات ذاتية واجتماعية أو سد احتياجات ضرورية عند البعض، حتى ان حجم القروض الشخصية نما بشكل أشبه بقفزات في الأعوام الثلاثة الماضية بنسبة 35 في المئة بين أيلول سبتمبر 97 وأيلول 1998 وهو أعلى نمو تسجله القروض الشخصية منذ أعوام عدة. وفي الامارات 46 مصرفاً من بينها 19 مصرفاً وطنياً يتبعها أكثر من 260 فرعاً و27 مصرفاً أجنبياً يتبعها نحو 110 فروع وعشرة مصارف ذات تراخيص محدودة ومصارف استثمارية ومتخصصة وشركات تمويل ومؤسسات تنموية واستثمارية بالاضافة الى نحو 30 مكتب تمثيل لمصارف أجنبية. كما يوجد أكثر من 100 محل صرافة لبعضها فروع في انحاء البلاد. وتظهر بيانات المصرف المركزي ان معدل الاقراض الشخصي نما في الربع الثالث من العام الماضي الربع الذي شهد طفرة الأسهم بنسبة 12.3 في المئة وكانت القروض الشخصية تبلغ 23.4 بليون درهم في تموز يوليو وارتفعت الى 25.6 بليون درهم في آب اغسطس، ثم قفزت الى 26.3 بليون درهم في أيلول من العام نفسه. وتستحوذ القروض الشخصية على ثاني أكبر الحصص في أعمال المصارف بعد قطاع الأعمال والصناعة، الذي كان نصيبه من اجمالي القروض والسلف والسحب على المكشوف 62.4 بليون درهم، بينما كان نصيب الحكومة 11.7 بليون درهم، ومؤسسات القطاع العام 5.3 بليون درهم. ويقدر محللون ان جزءاً كبيراً من القروض الشخصية التي سُحبت العام الماضي، تم استثماره في الاتجار بالأسهم المحلية، خلال مرحلة الطفرة وقبلها، في حين ان جانباً من القروض اتجه الى الاستخدامات العادية والخاصة بتمويل الاحتياجات الخاصة للأفراد لشراء السلع الاستهلاكية أو لتمويل الاحتياجات الادخارية محلياً وفي الخارج. واعتبر مراقبون متخصصون ان بلوغ الاقراض الشخصي رقماً قياسياً جديداً ينذر بالخطر الشديد، الذي يحمل في طياته عواقب وخيمة على شرائح المقترضين خصوصاً مع ضخامة أعداد المتعثرين عن السداد، وتوقعات تباطؤ النمو السنة الجارية ما قد يؤدي الى ارتفاع أعداد غير القادرين على الاستمرار في سداد الأقساط الشهرية المترتبة عليهم. ورأت الغرفة ان الأسهم المحلية كانت أحد الأسباب التي أدت العام الماضي الى زيادة معدلات نمو القروض الشخصية، ولجأت شرائح واسعة من الأفراد الى المصارف لتمويل عمليات المتاجرة الفردية المحدودة في الأسهم قبل وخلال وبعد الطفرة بالاضافة الى تحويل عمليات الاكتتاب في الاصدارات الجديدة أو في زيادة رؤوس أموال الشركات. وتكمن أهمية القروض الشخصية للمصارف في نمو أعمالها وتعزيز أرباحها، إذ تتميز بتنوع مخاطرها وارتفاع عائداتها، ويبلغ متوسط أسعار الفائدة عليها حسب عام 1998 نحو 12.4 في المئة مقابل 9.9 في المئة متوسط أسعار الفائدة على القروض التجارية. ورأت غرفة دبي في دراستها انه في الوقت الذي تشكل فيه القروض الشخصية أهمية مميزة للمصارف لما تحققه من فوائد وأرباح عالية، أصبحت تشكل عبئاً ثقيلاً وكابوساً يؤرق حياة معظم المقترضين، اذ ان هؤلاء يتعسرون في سداد ديونهم خصوصاً ان غالبية المقترضين من الموظفين بمرتبات ثابتة وليست من التجار أو رجال الأعمال أو أصحاب المشاريع، وهي في الأغلب تقترض مبالغ تتعدى امكاناتها بمراحل بعيدة ومن دون مراعاة لامكانية سداد القروض مع تغطية باقي الاحتياجات الضرورية للأسرة. وأشارت الدراسة الى أن سبب التعثر الرئيسي لدى المقترضين في الامارات يعود الى أن غالبيتهم من الشباب الذين لا يجيدون التعامل مع مفهوم القرض، ويتصرفون بأسلوب يغلب عليه التسرع واللامسؤولية في اسلوب الاقتراض وكيفية استغلال القرض فيما تلجأ شريحة كبيرة من الشباب الى المصارف للحصول على قروض حتى من دون هدف أو داع حقيقي، وبالتالي توجهها الى منافذ غير ملحة أو ضرورية. ويقابل ذلك بمنافسة شديدة بين المؤسسات المصرفية تدفعها الى منح مزيد من التسهيلات للمتعاملين لجذب المستثمرين وهو مبدأ اقتصادي معروف، بينما الشباب مؤهل نفسياً للحصول على ما يرغب براحة شديدة فيقترض أحدهم في مستهل حياته مبالغ خيالية تصل الى 250 ألف درهم من دون ان يأخذ في معظم الأحيان في اعتباره الجدوى من حصوله على المبلغ ومراعاة ظروفه الاجتماعية وما يسببه ذلك من إرباك لنظام الأسرة وحرمان أفرادها من بعض الاحتياجات الضرورية، ويتجه معظم راتب الموظف الى المصرف لسداد القرض، مما يضطره أحياناً للحصول على قروض اضافية في أشخاص أو هيئات مصرفية أخرى في آن واحد، ومن الطبيعي أن يسفر ذلك الاجحاف بحق ذاته وأسرته عن التصدع والانهيار الأسرى. وشددت الغرفة على أنه على رغم ان المسؤولية مشتركة بين الأفراد المقترضين والمصارف والمجتمع إلا أن بعض الأصابع تشير الى المصارف التي تدعي انها هي التي تسهل الاقتراض الشخصي وتروج له بشكل يسيل له اللعاب، ولولا ذلك لما تزاحم المقترضون على الأبواب ولما ضجت بهم قاعات المحاكم وغرف السجون، لكن ذلك لا يقلل من أهمية الدور الذي لعبته المصارف وحتى قبل قيام دولة الاتحاد في الاقتصاد الوطني للبلاد، وما زالت تلعب دوراً مهماً وحاسماً في ذلك.