الإجابة عن السؤال أعلاه تختلف من شخص إلى آخر، لكن حتماً أن الظروف والمتغيرات وربما المغريات هي التي تحكم على مدى استمرار الديون من عدمها. "أبو سلطان" - كمثال - ازدادت التزاماته المالية كثيراً، فابنه يرغب في اقتناء سيارة تكون حديث أصدقائه بالجامعة، وابنته تريد أن يكون زفافها في قاعة فارهة، فضلاً عن مصروفات بطاقة الائتمان التي أنهى رصيدها بالكامل في رحلة "دبي" الأخيرة، فضلا عن المنزل الذي لا يزال تحت الإنشاء، و"أم العيال" تصر على أن تكون "التشطيبات" وفق أعلى مستوى!. هموم "أبو سلطان" تتوسع في ظل المطالبات الأُسرية، حيث يعد بعضها مجرد "شكليات"، لكنها لا تنتهي، وتضيق الدنيا في عينيه أكثر كلما تذكر عدد الأشخاص الذين أقرضوه، والبنك الذي يلتهم حصة من راتبه الشهري الذي بالكاد يفي باحتياجاته، والجمعية الشهرية التي يتشارك فيها مع أقاربه، وما أن يشعر بضيق الحال إلاّ وتصله رسالة نصية على هاتفه المحمول من جهة تمويلية تشعره أن باستطاعته الحصول على مديونية جديدة، لتبدأ رحلة أخرى نحو عمق نفق القرض المالي، الذي ربما يستمر في سداده حتى آخر لحظات في حياته، وهو ما يؤكد أن كثيرين من المواطنين يفتقدون إلى ثقافة "الشراء الاستهلاكي"، من خلال عدم تمييزه بين الأساسيات والكماليات، ليقع في النهاية في فخ "المديونيات"!. ويبقى من المُهم إعادة تنظيم إصدار القروض من جهات التمويل، بحيث يكون هناك ربط بين ملائمة ظروف الشخص المالية وما يحصل عليه من قرض، كما أنه لابد من حماية الأفراد من الوقوع في القروض السهلة، من خلال سن أنظمة وقائية، تلزم المؤسسات أو الشركات بإعادة جدولة القروض المتعسرة، أو شطب ديون المعسرين، أو تحويل مديونية البطاقات الائتمانية إلى قروض مجدولة؛ كي نضمن خفض تكلفة الإقراض وسداد المديونية بالكامل من خلال القسط الشهري. 277 مليار وكشفت "مؤسسة النقد العربي السعودي" مؤخراً عن تقرير مالي يشير إلى ارتفاع حجم قروض الأفراد في بنوك المملكة للربع الثاني من العام الجاري إلى (277.5) مليار ريال مقابل (246.9) مليار ريال للربع الأول، وإذا ما استمر معدل النموِّ الحالي على وتيرته؛ فمن المتوقع أن تزيد نسبة النمو السنوية إلى (25%) وهي نسبة كبيرة. وحققت القروض العقارية نموًّا على حساب القروض الاستهلاكية وهذا أمر إيجابي، إلاّ أن قروض بطاقات الائتمان استمرَّت في النموِّ على الرغم من تكلفة الإقراض المرتفعة التي تقدّر نسبتها السنوية ب (24) في المائة. مؤشر سلبي وقال "فضل البوعينين" - اقتصادي: "يجب أن نميز بين شريحتين في المجتمع، إحداهما يقل دخلها عن حاجتها الأساسية وهذه تحتاج إلى دعم خارجي؛ ما يضطرها للاقتراض في كثير من الأحيان، وذلك بسبب أن المصادر الاجتماعية الأخرى معطلة، أو ربما لا تكون كافية لسد احتياجاتها، والشريحة الأخرى، لديها مشكلة في التخطيط المالي، وتقترض لزيادة الاستهلاك لا لسد الحاجة، مضيفاً أنه في كلا الحالتين تُعد القروض مشكلة كبيرة في المجتمع؛ لأن كل مجتمع ترتفع فيه نسبة قروض الأفراد هو مؤشر سلبي على الاقتصاد وعلى المجتمع بشكل عام؛ وذلك لأن القروض لها آثار سلبية قوية على الأسرة والفرد والأمن، وجميعها تحتاج إلى مراجعة، بحيث لا يحتاج المواطن البسيط إلى الاقتراض، إلاّ لإشباع حاجته الأساسية. الخوف على «الطبقة الوسطى» من التآكل أمام طمع بعض التجار وجشعهم.. وإيجار السكن أساس المشكلة وأضاف فيما يتعلق بزيادة الاستهلاك فهذا خطأ يرتكبه كثير من المواطنين؛ بسبب سوء التخطيط أو الشراء الاستهلاكي، الذي يتحول مع مرور الوقت الى إدمان على الاستهلاك، وهذا الإدمان يقودهم إلى طلب القروض؛ لدرجة أن البعض لا يكاد يسدد (75%) من القرض الأول حتى يطلب القرض الآخر، وإن لم يكن له حاجة ماسة له. مصادر تمويل وقسّم "البوعينين" القرض المالي إلى نوعين، قروض الأفراد التي تنقسم إلى قروض استهلاكية وتعد الغالبة في الوقت الحالي، حيث تحمل كثيرا من المخاطر، لذا يجب أن تكون هناك مراجعة دقيقة لها، بحيث لا يسمح لحدوث نمو كبير فيها، والشق الآخر القروض العقارية التي تُعد جزء من الاستثمار في العقار، وبدلاً من أن يستأجر الموظف البسيط شقة ويدفع إيجارها شهرياً فيحصل على تمويل لشراء الشقة، بحيث يتحول الإيجار الشهري إلى قسط شهري يتملك من خلاله الشقة بعد فترة طويلة من الزمن، مضيفاً أن هذه القروض ربما تكون مقبولة إلى حد ما، وإن كنت لا أشجعها في بلادنا، مطالباً الجهات المعنية توفير مصادر تمويل مناسبة لبناء منازل، مؤكداً أن صندوق التنمية العقارية قدّم ومازال، لكن كثيرا من المواطنين يحتاجون إلى مزيد من هذه القروض، مبيناً أن الجهات المختصة لم تبدأ حتى الآن في توزيع المنازل التي تشرف على إنشائها، موضحاً أنه متى ما تمكن المواطن من تملك المنزل ستنخفض شريحة المقترضين من البنوك. معالجة الرواتب وحذّر "البوعينين" من نقطة مهمة وهي أن بعضهم لا يميّز بين حجم الفوائد التي تحصل في بطاقة الائتمان وما يقابلها في الفوائد التي تحصل في القروض؛ لأن هناك فارقا كبيرا بينهما، فبطاقات الائتمان تصل الفوائد إلى نسبة (25%) سنوياً في حين القروض لا تتجاوز (2%) في الوقت الحالي، مشدداً على ضرورة إعادة تنظيم إصدار القروض من البنوك، بحيث يكون هناك ربط بين ملائمة المقترض المالية وما يحصل عليه من قرض، وهناك بعض الأنظمة التي توفر مثل هذه الحماية في الوقت الحالي، لكن مازال الأمر بحاجة إلى جهة للإشراف على القطاع المصرف، مشيراً إلى أننا بحاجة لمساعدة كل من لا يستطيع مساعدة نفسه، مؤكداً أن المساعدة تكمن في معالجة تدني قيمة الرواتب لدى شريحة كبيرة من المواطنين، التي يجب أن لا تقل عن (4000) ريال بأي حال من الأحوال، مع الأخذ في الاعتبار النظر لمساعدة الأسر الكبيرة اجتماعياً؛ لأن ذلك سيخفف الطلب على القروض. وطالب بضرورة حماية المقترضين من الوقوع في القروض السهلة، من خلال سن أنظمة وقائية، ومعالجة المتضررين من القروض وبطاقات الائتمان، وهذه الوقاية تشمل وضع قوانين جديدة تخفف نسبة القروض، مبيناً أن المعالجة تندرج في القوانين التي تلزم البنوك بإعادة جدولة القروض المتعسرة، أو شطب ديون المعسرين، أو تحويل مديونية البطاقات الائتمانية إلى قروض مجدولة؛ كي نضمن خفض تكلفة الإقراض وسدد المديونية بالكامل من خلال القسط الشهري. طلعت حافظ: لا يوجد استغلال من الممولين والفوائد منطقية.. د. با قادر: المواطن يُحمّل نفسه أعباء كبيرة لتحقيق رغبات آنية قروض سهلة ورأى "د. أبو بكر باقادر" - متخصص في علم الإجتماع، أن بعض المؤسسات اهتمت بجعل القرض أسهل الحلول التي تسهم في انفراج المشاكل المالية للمواطن؛ نظراً لطبيعة فكرة القرض في العصر الحديث، وبالذات لدى البنوك ومؤسسات التمويل، التي أصبح جزء من عملها تقديم مثل هذا النوع من التسهيلات، مضيفاً أنه من ناحية أخرى أصبحت هناك عملية تسويق تستخدم فيها فكرة تحقيق الرغبة الآنية المادية من خلال الإعلانات التي تؤثر في المستهلك، بحيث يرغب في امتلاك الأشياء الكمالية في اللحظة نفسها؛ لتحقيق رضا ذاتي ربما أنه ليس بالضروري، خاصةً إذا لم يكن يمتلك المستوى الاقتصادي الذي يسمح له بالتمتع بهذه السلعة، فهذين العاملين أحد أبرز صفات المجتمع الحديث، مبيناً أن مجتمعات العالم تطورت فيها القراءة القانونية التي منها الرهن العقاري الشامل، فالفرد إذا اشترى سيارة تبقى ملكا للمؤسسة، وإذا تعسّر في الدفع تعود ملكيتها لها، ويغبن فيما دفع من أموال، مشيراً إلى أن مجتمعاتنا لم تطور الإجراءات القانونية، لهذا بدأ يبرز سوء الفهم لدى جميع الأطراف، وعلى وجه الخصوص الطرف المستهلك الذي أصبح يُحمّل نفسه أعباء كبيرة من أجل تحقيق رغبات آنية، فلم يعد يفكر هل يستطيع دفع ما عليه من ديون؛ فالمهم الرغبة في امتلاك ما يريد وبعد ذلك ليكن ما يكون. وأضاف أن القروض البنكية سمة من سمات المجتمعات الحديثة، ولم يتوقع أن هذه المؤسسات التي من صالحها دوران النقود والاستهلاك أن تصبح بهذه الطريقة التي يتابع فيها المستهلك بصورة شرسة، فهم يعتمدون على فكرة أنه كلما زاد الاستهلاك، كلما زاد النهم والجوع على مزيد من المال!. هامش ربح وحول الآثار الأمنية للقروض البنكية أكد "د. مضواح المضواح" - باحث في علم الجريمة - أن الأمن يتأثر بكل ما يحدث في المجتمع من مشكلات، ومن ذلك مشكلة القروض التي أثقلت كاهل كثير من المواطنين، وذلك بسبب ارتفاع هامش الربح التراكمي، مضيفاً أن جهات التمويل والتقسيط هي التي تحدد هامشها الربحي كيفما شاءت، وتركت لها الجهات المعنية هذه الحرية تحت ذريعة إفساح المجال للتنافس، في حين أنها تلم أن شركات التمويل تتفق على طرائق تمكنهم من السيطرة على التنافس المزعوم وإبقاء هامش الربح شبه موحد، أو تتناوب فترات التخفيض بين البنوك والشركات وإلى غير ذلك من الأساليب، موضحاً أن التضييق على المواطن في مصدر رزقه وأسرته يؤثر في الجوانب الاجتماعية والنفسية والأسرية في حياته، ما يحدث حالة من الشعور بالضجر، مما يُجبره على الوقوع في فخ "المديونيات"!. غير صحيح ونفى "طلعت حافظ" - أمين عام لجنة الإعلام والتوعية المصرفية بالبنوك السعودية - ما يثار حول البنوك بأنها وجدت فرص سانحة للتوسع العشوائي، قائلاً: لا أعتقد أنها وصلت إلى الاستغلال الذي يتسبب في حدوث نوع من الإضرار للعملاء، فذلك ليس من مصلحة البنك إطلاقاً، مضيفاً أن من يقول إن البنوك أسعارها في بعض الأحيان غير منطقية كأنه يوحي أنه نظراً للطلب المتناهي من العملاء فان ذلك يحفز البنوك على فرض أسعار مرتفعة بعض الشيء، وهذا غير صحيح إطلاقاً، نظراً لوجود ضوابط لمنح هذا النوع من القروض صادرة عن مؤسسة النقد، تحدد مبلغ القسط المستقطع، الذي لا يزيد على ثلث الراتب بما فيها بطاقات الإئتمان، وهناك سقف حقيقي لمنح القروض الشخصية لا يتجاوز بما فيها الجدولة خمس سنوات، في ظل وجود سجل ائتماني عن المقترض، ووجود مصادر واضحة للسداد، مؤكداً أن نسب تعثر السداد لا تزال في حدوده ضيقة، لا سيما في ظل وجود منافسة بين (23) بنكاً منها (12) بنكا محليا. مؤسسة النقد: 277.5 مليار ريال حجم قروض المواطنين من البنوك.. والأرقام تتزايد وأكد أن بعض البنوك تبدأ بهامش ربح يقدر (1%)، إضافةً إلى ما يعرف بفترة سماح للعملاء بالسداد بعد ستة أشهر من استلام القرض، وهناك أيضاً بعض التأجيل في دفع الأقساط في مواسم معينة كشهر رمضان المبارك، إدراكاً من البنوك أن شهر رمضان عادة ما يواجه المقترض فيه زخما من المصروفات والأعباء المالية. نمو مدروس وذكر "حافظ" أن حجم القروض الاستهلاكية في العام 2007م كان بنحو (178) مليار ريال، ونمت لتصل إلى (277) مليار ريال في نهاية الربع الثاني من العام الجاري، وهذ النمو مدروس وليس فيه نوع من التهور والاستغلال لمصالح العملاء، مؤكداً أن البنوك تريد أن تسير في خط متواز مع مصلحة العميل ونموها، إلى جانب عدم تعسر القرض، وأن تحصل على قيمته وأرباحها، لافتاً إلى أنه لا يوضع المقترضين المتعسرين عن السداد من اليوم الأول في القائمة، وهناك إجراءات أخرى منها دراسة وضع العميل والتفاهم معه والتعرف على أسباب تعثره، وفي حالة اقتناع إدارة البنك بالأسباب، يجب أن تكون هناك شفافية في التعامل بين الطرفين. البوعينين: نحتاج إلى أنظمة واضحة وصارمة تحمي المقترضين وأضاف أن البنوك أثبتت في كثير من المواقف تفهمها لأوضاع العملاء، ويجب التفريق بين العميل الذي لديه ظروف حقيقية وواقعية وغير الجاد، الذي يحاول أن يخلق ظروفا غير صحيحة، وأن يتنصل من الوفاء بالتزامات البنك، مشيراً إلى أن هناك تفهما من البنوك لكثير من الحالات الإنسانية فيتم اسقاط المديونيات في حالة وفاة العميل من أجل عدم اثقال كاهل الورثة بالدين. د. المضواح: هامش الربح التراكمي يهدد العميل ويبقيه أسيراً.. «بنوك اجتماعية» من دون فوائد! أوضح "فضل البوعينين" أن المقترض يجب أن يعي مخاطر الاقتراض، ولا يقترض لمجرد الاستهلاك أو الإدمان على القروض الاستهلاكية، وأن يكون ذلك في الحالات القصوى وبحجم يمكنه سداده، مقترحاً إنشاء بنوك اجتماعية مقارنة بدول أوروبية لديها بنوك متخصصة في الإقراض لمن لا يستطيع توفير احتياجاته الأساسية ومن دون فوائد، وتأتي تحت مسمى "قروض اجتماعية"، وهي جزء من خدمة المجتمع. وقال:"الجميع يودع في المصرف، مع علمهم أن هذه الودائع يذهب جزءٌ منها لغير القادرين على إيفاء احتياجاتهم أو حتى صغار المستثمرين"، لافتاً إلى أن الآثار الاقتصادية السلبية للقروض يصبح فيها المجتمع مرتهنا للمصارف، وشيئاً فشيئاً تتلاشى الطبقة الوسطى وتبقى لدينا طبقتان، كادحة فقيرة تعتمد في تيسير أمورها على القروض الشخصية، وطبقة غنية مستفيدة من الأرباح المحققة. وأضاف:"هذا الحال لا أحد يريده في أي مجتمع"، مؤكداً على أن الحل يكمن في توسعة قطاع الإنتاج وخلق الوظائف ورفع الأجور، بحيث يستطيع المواطن أن يبني نفسه ويعتمد عليها في الدخل دون الحاجة للقروض. دخل الأفراد يتطلب حساباً يوازي حجم المصروفات أسواق مملوءة بالمتسوقين برغم معاناة بعضهم المادية مواطن يتأكد من تحويل مبلغ القرض في حسابه عبر الصرّاف الآلي موظف بنك ينهي إجراءات قرض لمواطن «إرشيف الرياض» د. أبو بكر باقادر د. مضواح المضواح طلعت حافظ