تجربة شركات الطيران الخاص في مصر متقلبة على رغم ما قدمته الدولة من تسهيلات، إذ لا يزال حجم عمل هذه الشركات وتشغيلها محدوداً للغاية، بل ان عدداً منها هوى في فترات متقاربة. ويتطلب الواقع الحالي تغيير التركيبة الموجودة بشكل كلي بما يضمن نجاح هذه الشركات. وتوجد في مصر نحو 40 شركة طيران خاصة بين قلة تمارس بالفعل عمليات النقل الجوي بين مصر ودول أخرى مثل شركات "شروق" و"ممفيس" و"لوتس" و"صيانة الطائرات"، وأخرى تمارس هذا النشاط محلياً مثل شركات "اسكوربيو" و"رسلان" و"اوركا"، وثالثة لخدمة قطاع النفط مثل "شركة خدمات البترول الجوية" وبعض الشركات التي تعمل في مجال الرش الزراعي وأخرى خاصة برجال الأعمال تملك طائرات صغيرة للاستعمال الخاص. وحصلت شركات كثيرة على تراخيص من دون أن تمارس هذا النشاط بعد، وآخرها شركة يملكها رجل الأعمال رامي لكح حصلت أيضاً على شهادة الكفاءة من الهيئة المصرية للطيران المدني، و"شركة القاهرة" لصاحبها رجل الأعمال الدكتور ابراهيم كامل. واللافت أن دور الدولة اقتصر على إصدار الموافقات وإن كانت اتخذت أخيراً قراراً يتعارض مع قانون حوافز وضمانات الاستثمار وسياسات الحكومة المصرية المعلنة لتشجيع السياحة والصادرات، إذ أرجئ إعطاء مزيد من الموافقات لشركات جديدة على رغم أن الشركات التي تمارس العمل فعلاً محدودة وغير مؤثرة. وتعتبر نقطة الضعف في منظومة شركات الطيران الخاصة، عدم وجود البيئة الصالحة، بأبعادها الاقتصادية والقانونية والمالية والتشريعية والتنظيمية، التي تفرز مقومات وجود شركات خاصة قوية وصالحة. إذ لا يزال قانون الطيران المدني الرقم 28 الصادر عام 1981 هو الساري حالياً، وقد عفى عليه الزمن، ولم يعد يصلح لمواكبة اتجاهات التحرير الاقتصادي والتخصيص وعالم التكتلات في صناعة النقل الجوي. وفي ضوء ذلك، تعتبر شركات الطيران المصرية الخاصة محاولات فردية تفتقر الى الأسس الاقتصادية والعلمية السليمة، فيما لم تحسم الدولة مستقبل الشركة الوطنية "مصر للطيران" التي تبلغ أصولها الاجمالية 11 بليون جنيه من دون حساب القروض والالتزامات. وقال الخبير في مجال النقل الجوي الدكتور محسن النجار ل"الحياة" إن الحكومة لم تجهد نفسها لتأسيس آلية عادلة لحسم موقف استيلاء المؤسسة الوطنية على جميع الخطوط المنتظمة المبرمجة بدعوى أنه ليس من العدل إعطاء الخطوط الحالية التي استثمرت فيها شركة "مصر للطيران" ملايين الجنيهات على مدى أعوام طويلة الى الشركات الخاصة. وشدد على ضرورة حل هذه الإشكالية حلاً عادلاً، لأن المستقبل سيفرض على جميع الأطراف والدول والشركات مبدأ الأجواء المفتوحة وتعدد الشركات الناقلة. وأضاف ان مما يزيد من إشكالية شركات الطيران الخاص ان المسؤولين الحكوميين إما متعاطفون معها لكنهم لا يستطيعون اتخاذ القرار أو مضادون لها على طول الخط. وقال النجار: "من متابعة مسلسل شركات الطيران الخاصة نجد انها إما أن تعلن إفلاسها أو تستولي على أموال المصارف وتعجز عن ردها أو تتعثر أو تنتظر ما ستسفر عنه سياسات التخصيص التي تتبعها الحكومة، وهل سيصل قطاع التخصيص الى قلب مرفق النقل الجوي أو سيظل في القشرة الخارجية له كما يحدث حالياً. وإجمالاً فإن القانون الرقم 8 لعام 1997 الذي أفرد جزءاً خاصاً لتشجيع الاستثمار في مجالات النقل الجوي ونقل الركاب والبضائع وصيانة الطائرات والخدمات والتدريب على أعمال الطيران لم تتم الاستفادة منه، إذ لم يواكبه استكمال لعناصر المنظومة ككل فأصبح الأمر مجرد تسهيلات على الورق، خصوصاً أن الدولة لم تهتم حتى الآن بدفع دماء جديدة مؤهلة لإدارة مرافق النقل الجوي بما يتماشى مع الثورة الهائلة التي حدثت في الأعوام العشرة الأخيرة". وأشار النجار إلى ضرورة أخذ الدولة بيد القطاع الخاص المصري في مجال شركات الطيران الخاصة، مستدلاً بقيام الحكومة المصرية بتبني "شركة خدمات البترول الجوية" بي. إيه. اس، التي تملك الحكومة 75 في المئة منها، والتي حققت نجاحاً فائقاً وتملك حالياً أقوى موقف مالي بين شركات الطيران المصرية". ويبلغ حجم استثمارات الشركة 60 مليون دولار، وحجم أسطولها خمس طائرات ركاب داش 7 سعة الواحدة 50 راكباً، اضافة إلى نحو 30 طائرة هليكوبتر مختلفة الأحجام. وشدد النجار على الاستعانة بالخبرات الشابة في شركات الطيران الخاصة، خصوصاً أنها لا تزال تعتمد على المتقاعدين أو الحاصلين على اجازات من دون راتب من الشركات المصرية القائمة، وهم مدربون على الثقافة الاحتكارية والحكومية. ومن ثم فإن الموقف التنافسي المستقبلي لشركات الطيران الخاص سيظل ضعيفاً ومهدداً. "مصر للطيران" ونظراً إلى حساسية القضية استطلعت "الحياة" رأي رئيس الشركة الوطنية "مصر للطيران" فهيم ريان في قضايا عدة، فقال إن مشكلة الطيران الخاص في مصر تتلخص في نقطة جوهرية هي عدم وجود الخبرة الكافية في هذا المجال، مشيراً إلى أن القضية ليست وجود السيولة النقدية الكبيرة في بداية التأسيس على رغم أهميتها، ولكن الأهم هو توافر الخبرة المتكاملة لأصحاب الشركات الخاصة في مختلف جوانب صناعة النقل الجوي سواء في الجانب الفني أو التجاري "وهنا تبدأ مشاكل شركات الطيران في مصر، لأن كل من لديه مجرد فكرة عن الطيران يدخل هذا المجال الحساس، وهنا مكمن الخطورة". ورأى أن ما يحدث أوجد مناخ عدم الثقة السائد حالياً في الشركات الخاصة المصرية سواء من جانب العاملين فيها أو المتعاملين معها من مصارف وشركات سياحية ومطارات وشركات خدمات وغيرها في الداخل والخارج. وعن نظام "الأجواء المفتوحة"، أفاد ريان أنه نظام يطالب به أصحاب الشركات العملاقة التي لا تخشى المنافسة مثل الخطوط الاميركية والبريطانية، ورفضت "مصر للطيران" ومئة دولة أخرى هذا النظام لأنه مثل "الغابة المفتوحة" البقاء فيها للأقوى، فيما شعارنا هو "الحياة للجميع". واضاف: "ان صناعة الطيران الجوي باتت شرسة تعتمد على أسواق محدودة يتنافس عليها الجميع سواء الناقلات العملاقة التي تسعى إلى زيادة حصتها في السوق العالمية، أو الأخرى التي تحاول سلب جزء من حصة الآخرين". وتابع: "نحن نواجه منافسة من الشركات الكبرى التي يعتمد تشغيلها على نقل أعداد كبيرة تنعكس على الكلفة، وهذه الشركات يمكنها خفض أسعار الخدمة ومنافسة الجميع، فيما تسعى شركات أخرى إلى الحصول على جزء من حصة غيرها". وقال إن تطبيق هذا النظام سيؤدي الى احتكار الشركات الكبرى لحركة الطيران وإفلاس الشركات الصغيرة واختفائها من السوق، أو دفعها إلى الدخول في تحالفات مع الناقلات الكبرى لتعمل تابعاً لها، مشيراً إلى أن "مصر للطيران" لن تكون شركة هامشية في إطار النظام المذكور. عوائد "مصر للطيران" حققت شركة "مصر للطيران" عوائد قدرها 3921 مليون جنيه في السنة المالية 1998-1999 مقابل نفقات قدرها 3852 مليون جنيه. وبلغ عدد الركاب الذين استخدموا طائرات المؤسسة 166،1 مليون راكب. كما بلغت البضائع التي تم نقلها في الفترة نفسها 849،67 ألف طن وتبلغ اصول المؤسسة الوطنية 11 بليون جنيه، وتنوي تأسيس شركة للتسويق السياحي برأس مال قدره 500 مليون جنيه، تشارك فيه شركات التأمين والسياحة والمصارف لمواكبة التكتلات العالمية.