تستعد "الخطوط الملكية المغربية" لدخول تجربة فتح رأس المال تمشياً مع خطة توسيع نشاط الشركة وتقوية حضورها الاقليمي والدولي ضمن تحالفات تمتد من أبو ظبي الى نيويورك مروراً بباريس ومدريد وفرانكفورت والسنغالوجنوب افريقيا. وقالت مصادر في "المغربية" ل"الحياة" عقب الاعلان عن مضاعفة رأس المال اربع مرات ان الخطة تقضي بانتقال الشركة من مؤسسة متوسطة الحجم مملوكة للدولة الى مجموعة جوية متعددة المساهمات قادرة على منافسة الشركات الدولية العملاقة. وزادت "المغربية" رأس مالها مطلع الشهر الجاري اربع مرات من 285 مليون درهم الى 1.143 بليون درهم عبر دمج الاحتياطات المسجلة على امتداد الاعوام الماضية كما وسعت اسطولها بزيادة أعداد الطائرات الحديثة وهي من نوع "بوينغ 737 - 800" المعدلة استخدمت بعضها في اتجاه بعض مطارات الشرق الأوسط وأوروبا الغربية والشمالية كانت تعاقدت بشأنها مع "بوينغ انترناشونال". ومن المنتظر ان تعلن المغربية سنة 2001 صفقة جديدة لشراء طائرات نفاثة للمسافات الطويلة لا يستبعد ان تضم في تشكيلتها بعض النماذج الحديثة من طراز "ارباص" الأوروبية بعدما ظلت الشركة لأربعة عقود ونصف عقد تقتني اجهزتها من بوينغ. وذكرت مصادر فرنسية ل"الحياة" ان باريس تدعم "المغربية" في حال قررت شراء موديلات "ارباص" بما في ذلك بحث مجالات المرونة المالية ان لجهة السعر او شروط التمويل. ومن جهتها اكدت مصادر مغربية ان المناقصة ستكون مفتوحة امام مصنعي الطائرات المدنية وان العروض ستشمل دفتر تحملات تنوي الشركة طرحه على المتنافسين في وقت لاحق. لكن المصادر لم تستبعد الحصول على بعض انواع "ارباص" اذا تبين ان ذلك مفيد للمؤسسة من الوجهة التقنية والمالية. وكانت بوينغ التي يرأس فيها اميركي من اصل مغربي قسم المبيعات في سياتل قامت بزيارة علاقات عامة الى الدار البيضاء لتقديم عروض "سخية" حول امكان تزويد "المغربية" بطائرات جديدة بعد انتهاء عقد عشر طائرات من "بوينغ - 737"، وتقترح "بوينغ" تزويد "المغربية" بموديلات جديدة من 747 العملاقة التي تملك منها المغربية طائرتين ولا تستبعد اقتناء ثالثة لأغراض الحج والرحلات عبر المحيط الاطلسي، وهي طائرة اكدت نجاحها في المسافات الطويلة. وبانتظار اعلان الصفقة بعد نحو سنة ونصف سنة تبدو المنافسة قوية بين مصنعي الطائرات حول مشاريع "المغربية" في المنطقة. فمن جهة ترغب باريس في تزويد حليفتها الرباط بالصناعات الجوية الأوروبية ضمن مجال الاستقطاب التجاري الأوروبي داخل المغرب العربي. تحرص الشركات الاميركية على تعزيز حضورها في دول شمال افريقيا خصوصاً بعدما فقدت صفقة ست طائرات للخطوط التونسية فازت بها "ارباص" في وقت سابق من السنة الجارية. ولعل ما يؤجج المنافسات الدولية على اسطول المغربية دخولها في تجربة السيطرة على الشركات الجوية الافريقية. وكانت المغربية تملكت الربيع الماضي نحو 51 في المئة من اسهم شركة طيران السنغال ودخلت في تحالف مع "ار افريك" ضمن تعاون تشارك فيه "ار فرانس" كذلك. وتقضي الخطة بأن تتولى "المغربية" استخدام طائراتها في عدد من المطارات الافريقية خصوصاً في شمال وغرب القارة وربطها بمطار الدار البيضاء لفك العزلة عن مواطني تلك الدول الذين يعانون صعوبات في التنقل. كما عززت "المغربية" حضورها في جنوب القارة من خلال خط مباشر يربط الدار البيضاء بجوهانسبورغ، وهو اطول خط من نوعه في القارة السمراء. ونتيجة تلك السياسة ستجد "المغربية" نفسها في حاجة الى طائرات من احجام مختلفة خصوصاً ان الشركات الافريقية تملك موديلات قديمة جداً قد يتم حصرها في الرحلات الداخلية على ان تتولى "المغربية" زمام الرحلات الدولية وبين القارات. وسيكون مطار داكار في السنغال محطة اساسية في هذه الخطة التي تقوم على دمج النشاطات وتبادل الخبرات التي تراكمت لديها على امتداد عقود من العمل اكتسبت خلالها تجربة منافسة الشركات العملاقة. وقال الرئيس المدير العام للشركة السيد محمد حصاد ان الوضعية المالية للشركة جيدة ومتينة وهي من بين الشركات القلائل التي تحقق نمواً متواصلاً في الأرباح، وأشار انها حققت العام الماضي نحو 600 مليون دولار من حجم النشاط التجاري وقامت بنقل ثلاثة ملايين مسافر بزيادة 17 في المئة، وارتفعت الأرباح 45 في المئة قياساً للعام الماضي وبلغت الأرباح الصافية 43 مليون دولار 400 مليون درهم في وقت تحقق جل شركات النقل الجوي الدولية تراجعاً في النشاط وتراكماً في الخسائر. وأكد ان "المغربية" دخلت تجربة التحالفات وتنويع الشركاء استعداداً للمنافسة الدولية وهي مطمئنة الى مكاسبها المسجلة. وتعتقد المغربية ان نمو السياحة الدولية والتوسع التجاري وعولمة الاقتصاد والمبادلات من شأنه ان يساهم في تطور نشاط الشركة خصوصاً ان موقع المغرب الجغرافي على مفترق القارات والبحار يعزز هذا التوجه الانفتاحي. لكن التوسع الذي تنتظره الشركة يحتاج الى موارد مالية اكبر تقدر ببلايين الدولارات لا يمكنها توفيرها منفردة، وفي هذا السياق يبدو فتح رأس المال منسجماً مع خطة التوسع الدولي. وكان وزير المال والاقتصاد فتح الله ولعلو اكد ل"الحياة" في وقت سابق ان رأس مال "المغربية" سيتم فتحه للاكتتاب عبر بورصة الدار البيضاء مطلع السنة المقبلة بينما ستحتفظ الدولة بغالبية الاسهم اي نحو 51 في المئة وهي الصيغة الجديدة التي تتبناها الحكومة في مجال تخصيص الشركات الكبرى مثل "اتصالات المغرب" و"البنك الشعبي". وأشار الوزير المغربي الى ان فتح رأس المال وادراج اسهم الشركة في البورصة ضرورة اقتصادية وتجارية في وقت تشهد فيه قطاعات الاتصال والنقل الدولي تحديات مختلفة ينبغي الاستعداد لها. ولا تستبعد الحكومة ان يتم تخصيص "المغربية" و"اتصالات المغرب" في وقت متزامن السنة المقبلة. وكانت تجربة التخصيص مع قطاع الطيران بدأت في المغرب مع شركة "ريجيونال اريلانز" الخطوط الجوية ثم توسعت الى شركة اخرى اسمها "برايفت ار" المتخصصة في نقل رجال الأعمال والحالات الطارئة. ولعل نجاح التجربتين شجع المغرب على تحرير القطاع وإشراك المستثمرين في تنويع شركات الطيران. غير ان الأمر يختلف بالنسبة ل"المغربية" فهي اكثر من مجرد شركة تجارية للنقل الجوي تملكها الدولة. بل تعكس في جانب آخر رمز الاستقلال والحرية، لذلك ظلت الشركة في المتخيل المغربي جزءاً من السيادة وبعضاً من الوطن او ربما بداية الوطن بالنسبة للمهاجرين والمغتربين الذين يحرصون على اختيار "المغربية" في رحلات السفر والعودة لأنها تحمل طيب الوطن. وكانت الاجيال الأولى من المغاربة في الاربعينات ومطلع الخمسينات تأسف لعدم سماح السلطات الفرنسية بانشاء شركة طيران قومية فالطائرة تعني الحرية والسيادة والانعتاق من الاستعمار. وفي عام 1953 اسفر اندماج شركتي "خطوط الاطلس" و"خطوط المغرب" عن انشاء شركة خطوط اطلس المغرب تحت اسم "الشركة الشريفة للنقل الجوي". وظلت تحمل الاسم نفسه حتى بداية الاستقلال عندما اطلق عليها الملك الراحل محمد الخامس اسم "الخطوط الملكية المغربية" لتصبح بذلك اول شركة طيران مغربية بالكامل. ومنذ ذلك التاريخ بقي ملك المغرب هو الذي يعين رئيس الشركة لأهمية المنصب من جهة ولاستقلالها عن الجهاز التنفيذي من جهة اخرى. ومرت "المغربية" على امتداد 42 عاماً بمحطات مختلفة كان عليها في البداية ان تكون الاطر والعاملين وتوسع الاسطول ثم انتقلت تدريجاً من شركة وطنية الى مؤسسة متعددة التحالفات تضم تحت جناحيها شركات صغرى ومتوسطة. وتملك "المغربية" بروتوكولات تعاون مع كل من "تي دبليو الاميركية"، و"ايبريا" الاسبانية، و"طيران الخليج" العربية، و"ار فرانس" و"لوفتهانزا". وتعتقد الخطوط الملكية المغربية انها تتفوق في ادارتها ومؤهلاتها على شركات اوروبية عتيقة بفضل كفاءة العاملين وحسن التدبير التجاري والفني. وكانت حصلت العام الماضي تقديراً لتلك الجهود على شهادة جار 145 JAR الفنية الخاصة بالجودة والسلامة وحصلت كذلك على شهادة Air Agency Certificate الاميركية وتسمح باجراء الفحوص التقنية على كافة انواع الطائرات التجارية. وتعبر الفضاء المغربي يومياً نحو 600 طائرة مدنية في اتجاه اربع قارات. وتملك الدولة المغربية 93.82 في المئة من رأس المال وتحتفظ ار فرانس ب3.97 في المئة، و"ايبريا" 1.32 في المئة، ومستثمرون مغاربة وفرنسيون 0.89 في المئة. وتقوم الشركة برحلات الى 30 دولة و70 مطاراً في اربع قارات. ولها 68 فرعاً عبر العالم، ويتكوّن اسطولها في معظمه من طراز "بوينغ" 747 و757 و737. ومن مدة دخل المغرب في تجربة بناء المطارات دون استخدام موارد الدولة وكانت "الحياة" شاركت بداية الشهر الجاري في تدشين مطار العروي الدولي في الناظور شرق المغرب التي تنجزه مجموعة المقاولين العرب المصرية ضمن صفقة تحويل موارد ارض مطار قديم في المدينة. وسيكون المطار الجديد جاهزاً للعمل بعد سنة وسيستقبل اول طائرة "بوينغ 747" في آب اغسطس المقبل، وكان استقبل طائرة 737 قادمة من فرانكفورت محملة بالعمال المهاجرين لفك العزلة عن المنطقة الشمالية والتقليل من اهمية مطار مليلة التي تحتلها اسبانيا، ويستخدمه المهاجرون في السفر خارج المغرب. وقال احمد البياز المدير العام لمطارات المغرب ل"الحياة" ان التجربة ستعمم على مدن اخرى لتشييد مطارات جديدة من دون اعتماد موارد الدولة ولجعل النقل الجوي وسيلة شعبية وفي متناول الجميع. ويملك المغرب حالياً نحو 24 مطاراً مدنياً.