"الحوار" الذي كان يدور على صفحات الصحف حول "المؤسسة العامة للسينما" السورية، انتقل امس الى غرف المؤسسة وارشيفها ووثائقها. وصار الدور الاساسي لخبراء "الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش" بناء على "دعوة رسمية" من الصحافة و"ترحيب" من المدير العام للمؤسسة المخرج مروان حداد. وطلبت مجموعة من رواد السينما السورية من الجميع "رفع الأيدي" عن المؤسسة، وجاء في بيان صدر أمس: "ما يعنينا هو في النهاية المصير الذي يريدونه لمهنتنا، والمعاملة المجحفة التي تعامل بها مؤسستنا من خلال اصرار بعض الجهات ... على التنكيل بتجربتها الفريدة وانهاكها باستمرار، كي تصبح كبش فداء سهلاً يجز على مذبح التطهر من تاريخ طويل من سوء التخطيط وقصور القوانين". المؤسسة انتجت في السنوات الاخيرة افلاماً حازت عدداً من الجوائز المهمة عربياً ودولياً، ومنها: "الليل" و"نجوم النهار" و"رسائل شفهية" و"الترحال" و"كومبارس" و"تراب الغرباء". لكن الجمهور السوري لم يرَ معظم هذه الأفلام "النخبوية" لاسباب سياسية او تقنية أو عملية، ولم يحقق عائداً اقتصادياً، علماً ان عدد صالات العرض لا يتجاوز ثلاثين. وأشار تحقيق نشرته صحيفة "تشرين" الأسبوع الماضي إلى وجود "حال فساد" و"خسارة وهدر وفوضى في الانتاج، وتسيب في المتابعة ومزاجية شخصية للإدارة في الجانب الاقتصادي"، بعدما أوضح أن المؤسسة "ذات طابع اقتصادي" بموجب مرسوم تأسيسها عام 1963، ومسؤولة عن تغذية كلفة انتاج أفلامها من استيرادها الأفلام الأجنبية وتوزيعها بموجب قرار حصر الاستيراد والتصدير والتوزيع الصادر عام 1969. ونقل عن المخرج هيثم حقي ان المؤسسة بدأت في 1975 "استيراد الأفلام الرديئة، وراح القيمون علىها يبررون ذلك بأنها ذات طابع اقتصادي تحتاج الى الربح لتعمل، وتحتاج إلى الصرف على جيش من العاطلين عن العمل، ينتجون سنوياً فيلماً واحداً في مقابل الاساءة الى جمهور المشاهدين وتخريب اذواقهم بتلك الأفلام الرديئة". وأخذ المخرج حداد قبل يومين على الصحافي أحمد مارديني استناده في التحقيق الذي نشرته "تشرين" إلى شخص كان "يتلطف بتقاريره على زملائه المخرجين ليسوقهم الى التحقيق والتفتيش والتنكيد على حياتهم المهنية والشخصية". وبعدما أشار الى وجود "غرض لا يخفى على أي متابع شريف للمؤسسة" من وراء التحقيق، قال: "نعمل في مؤسسة تنتج اعمالاً ثقافية وابداعية، ولسنا في مؤسسة للأحذية والألبسة". لكن اللافت في تحقيق "تشرين" تناوله الجانب السياسي و"التطبيع" تحديداً، وجاء فيه: "بدأنا نشم رائحة بعض الذين يسعون الى الشهرة وبريق العواصم الأوروبية ولو كان ذلك على حساب مبادئهم أو مندرجاً في اطار التطبيع أو ما شابه". وأشار الى تعامل المؤسسة مع بعض الأجانب الذين اخرجوا "أفلاماً صهيونية" أو "زاروا اسرائىل". لكن المخرج اسامة محمد علقّ قائلاً إن "تهمة التطبيع يجب ان تمنع من الاستخدام لأنها خطرة مثل الخيانة العظمى، ولا يحق لأي شخص ان يقولها من دون أدلة ملموسة". ورأى أن دور المؤسسة والسينما يزداد لمواجهة "العولمة والتطبيع"، وأضاف: "إذا كانت العولمة تعني حسم المواجهة العسكرية مع الشعوب الفقيرة، فإن الباقي لهذه الشعوب ليس سوى الثقافة للتعبير عن نفسها". المفقود في هذا "الحوار" هو وجود ارضية واحدة في النظر إلى المؤسسة بين كونها تبحث عن "الريع الاقتصادي" وكونها "مؤسسة ثقافية فكرية". واعتبر مخرج "نجوم النهار" ان "الضرورة الفنية هي الغاية في العمل السينمائي". وجاء في البيان الذي وقعه معظم السينمائيين السوريين ومنهم انطوانيت عازرية، عبداللطيف عبدالحميد، اسامة محمد، عمر اميرلاي، محمود عبدالواحد، بندر عبدالحميد، نبيل المالح، محمد سالم، ريمون بطرس، ورياض شيا ان "السينما تبقى امانة في اعناق السينمائيين ... وهم ارتضوا بمحض ارادتهم وبوعي وتواطؤ منهم تحمل شروط المؤسسة معاقة ومكبلة اورثتهم اياها أسس قاصرة اثبتت التجربة هشاشة محتواها ومحدودية تطورها منذ زمن طويل". وقال مارديني إن الهدف الأساسي ل"التحقيق" الذي أثار ضجة في الوسط الثقافي السوري هو "اعادة هيكلة المؤسسة لتواكب العصر"، في حين يأخذ سينمائيون على مارديني "الاتهام المسبق للمؤسسة والأشخاص".