تأخذ اللعبة السياسية في لبنان منحى مختلفاً تماماً عن ذلك الذي شهدته ابان السنوات التسع الماضية التي تولى خلالها الرئيس السابق الياس الهراوي الرئاسة الاولى اثر اقرار اتفاق الشراكة الجديدة في الحكم في الطائف. فخلال عهد الهراوي نشأت صيغة "الترويكا" التي جمعت بين الرئاسات الاولى والثانية المجلس النيابي والثالثة رئاسة الحكومة. وبقدر الاتفاق بين اركان الترويكا على امور عدة عند تعاقب غير زعيم على الرئاستين الثانية والثالثة، كانت العلاقة بين هؤلاء تشهد ايضاً صراعات لا تقل اهمية عن حال الاتفاق التي كانت تحصل بينهم. مع العهد الجديد برئاسة العماد إميل لحود انحسرت الترويكا لأسباب عدة اهمها انها كانت الصيغة التي لعنها اللبنانيون بفعل تغطيتها للصفقات بين الشركاء الثلاثة التي انتجت المحاصصة، حتى انها كانت احدى مظلات الفساد الذي تقاذف اركانها التهم حوله الى درجة ان ما قالوه في بعضهم كان أحد المبررات لمجيء العهد الجديد. أما الآن فإن الترويكا تراجعت لمصلحة شراكة ثنائية بين الرئاستين الاولى والثالثة، وهي شراكة كفة الرئيس لحود راجحة فيها، نظراً الى الزخم الذي جاء فيه الى الحكم والاجماع الاستثنائي الذي جرى بناؤه والتمهيد له على مدى ثلاث سنوات سبقت انتخابه، وبفعل الدعم السوري الكبير الذي تمتع به. واذا كانت الترويكا وصفت بالبدعة اللادستورية، فإن الجديد هو انه رغم الشراكة الثنائية بين لحود والحص، فإن السواد الاعظم من المعارضين والمنتقدين يوجهون سهامهم الى الحص ويحيّدون لحود، واذا كانمفهوماً عند بعض هؤلاء المعارضين ان الموقف الطبيعي يقضي تركيز الملاحظات على الحكومة لأنها هي المسؤولة دستورياً، ورئيس الجمهورية غير مسؤول، ولأن الحكومة قابلة للتغيير فيما الرئيس باق ست سنوات، فإن "بدعة" جديدة ظهرت خلال الاشهر السبعة الاخيرة تقضي بتجنب إغضاب رئيس الجمهورية من جانب المعارضين، وبتفادي مخالفة الرغبة الاقليمية في اعطائه الفرصة الكافية كي يحكم والاستعاضة عن توجيه الانتقاد، حيث يعتقد المنتقدون انه يخطئ، اليه، بتوجيهه الى الحص. وهذا ما يدفع الاخير الى القول "انهم يخافون الحملات على غيري فيحملون عليّ". ومع ان المعارضين يعتقدون ان تراخي الحص في اطار الشراكة مع لحود هو السبب، فإن السؤال هو: لماذا التضحية، من قبل الذين يديرون اللعبة بالحص ما دام أي تغيير حكومي سيعود به الى الرئاسة الثالثة، لأن لا بديل منه ولأن عودة الحريري متعذرة حتى لو توهّم اخصامه انه سيعود او توهم هو بذلك؟ وهو تخلى عن هذا الوهم منذ زمن. ألا تصبح التضحية بالحص، وعملية اضعافه المستمرة، ومن ثم تجديد رئاسته للحكومة، عملية اضعاف للرئاسة الثالثة، مع الوقت، ألا يكرس هذا الامر مخاوف البعض من طغيان الرئاسة الاولى؟ ومن يتولى وقف هذه البدعة الجديدة الخطرة على التوازنات، مثلما تم وقف بدعة الترويكا؟