لا يزال عرض الاحتراف لاسكندر السويح، لاعب صفاقس الاول ومنتخب تونس لكرة القدم، يثير كثيراً من الجدل في عاصمة الزيتون. فقد قدم نادي يوكوهاما الياباني مليوني ونصف دولار للفوز بخدمات صانع العاب النادي الصفاقسي ونجم التسعينات بها من دون منازع. ومرة اخرى، يعاد نفس السيناريو، ويطرح التساؤل: هل يقبل السويح مغادرة المدينة بعد ان رفض عروض احتراف كثيرة عربية واوروبية؟ وبما ان العرض استثنائي، ويعد الاغلى في تاريخ كرة القدم التونسية، توالت الدعوات لدراسة جدية لعرض النادي الياباني، بل ان رسائل مفتوحة على الصحف التونسية دعت السويح لاغتنام فرصة العمر، وعنونت إحداها: "بالله اقبل يا اسكندر…". لكن، مرة اخرى، يثير الصفاقسية والتوانسة، ويطلب مهلة تفكير، ليخلص الى القول: "اذا حبوني نقعد في صفاقس، نقعد..!". واعلن في تونس هذا الاسبوع الكشف عن شبكة كبرى لترويج المخدرات تعد من اكبر الشبكات في تاريخ البلاد، حجماً وتنظيماً ومداخيل مالية تجاوزت 870 مليون دينار، نشأت وتكونت في أزقة وشوارع مدينة صفاقس وتورط فيها رجال ونساء واطفال ولاعب كرة مشهور وآخر في بداية الطريق في نادي درجة ثانية. وهذا التورط للاعبي كرة القدم في قضية مخدرات كبرى يعتبر الثاني في تاريخ البلاد، بعد ان تزعم لاعب دولي في ناد عريق شبكة اخرى عام 97، ما يدفع باشارات قوية حول العلاقة بين هذه الآفة الخطيرة وكرة القدم، ويطرح تساؤلات جديدة حول المثال الذي يقدمه لاعب الكرة كصانع للرأي العام وقدوة لآلاف من الشباب! ويعرف اهل صفاقسالمدينة الثانية في تونس وعاصمة الجنوب بالجدية والعمل. فابناؤها يحققون افضل النتائج محلياً في مختلف مستويات التعليم من الاساسي الى العالي، ويتميز صناعوها وتجارها بالحرفية والثقة والبحث عن اسباب الرزق المنفتحة على اللانهاية... لذلك سميت بيابان تونس... فنسيجها الصناعي هو الاكبر في تونس، وزيت الزيتون فيها بركة ودواء، والآلاف من الاطنان تصدر الى ما وراء البحار. ويعشق الصفاقسية الكرة، في البطحاء في انتظار مدفع الافطار، وفي الملعب الوحيد بالمدينة "الطيب المهيري" وعلى شاطئ الشفار صيفاً… ولأن تأسس النادي التونسي، الذي عرف بالنادي الصفاقسي فيما بعد سنة 1927، فان الصفاقسية لم يعشقوا لاعباً مثلما عشقوا حمادي العقربي اسطورة صفاقس. ابن ضاحية عقارب، استطاع بلمساته السحرية واهدافه الخالدة والاهم من ذلك بتواضعه الشديد واخلاقه العالية، ان يأسر قلوب الصفاقسية، ويبلغ درجة "الساحر" لذلك قال مسؤول سياسي رفيع "اذا اردت ان تنام في صفاقس لا بأس، فاسأل عن اي سرير نام العقربي". ويحتفل نادي المدينة الاول - النادي الصفاقسي - هذه السنة بالذكرى السبعين وقد تميزت اعياد ال70 بفوز النادي بأول تتويج افريقي بفوزه بكأس الاتحاد الافريقي، وبكأس افريقيا للأندية البطلة في الكرة الطائرة بعد جفاء استمر 10 سنوات. ولعل مفاجأة هذا الموسم فوز فتيات النادي ببطولة العرب في كرة السلة، وبالدوري المحلي وكذلك فتيات الطائرة اللاتي نسجت على منوالهن… لتبلغ ذروة هذه الانتصارات المشرفة بالعرض الاغلى في تاريخ تونس المقدم لاسكندر السويح. ورغم ذلك، فان النادي الصفاقسي الذي يتحمل المسؤولية الاولى فيه جيل الشباب من رجال الاعمال برئاسة لطفي عبدالناظر الذي تحمل الامانة بعد اجيال المؤسسين امثال "الزحاف" و"علولو" و"بن عبدالله"، عرف اهم اختبار في تاريخه، وكاد ان يعصف بانجازاته وما عرف به من مدرسة حقيقية للعب النظيف والاخلاق الرياضية. هذا الاختبار هو قضية الفساد التي شهدتها مباراته مع احد الاندية الزامبية - نكانا رد ديلفز - في نطاق تصفيات كأس الاتحاد الافريقي للموسم الحالي... ولولا مجهودات عربية كبيرة - من وراء الاضواء - ودفاعات سليم شيبوب وسليم علولو عضو الفيفا واصيل مدينة صفاقس، لكانت الكارثة. ويعد نادي الحديد الصفاقسي، النادي الثاني في المدينة… وقد ارتبط تاريخه بنشاط مؤسسة السكك الحديدية في المدينة وهي ككل مؤسسة عامة اذا لم تكن لها قدرة تنافسية في عصر السوق، لا مكان لها… ومن الحديد الصفاقسي برز جل لاعبي تونس "المحترفين" من سامي الطرابلس الى عماد بن يونس ومحمد صالح مفتاح وفاروق الطرابلسي… ولا يزال لاعبه السابق عزالدين شقرون يعد هداف منتخب تونس الاول ب19 هدفاً… ولكن في عصر المال والاعمال ينشط الحديد الصفاقسي في الدرجة الثانية وفي اسفل الترتيب. وبغياب "الحديد" اصبح النادي الصفاقسي نادي المدينة من دون منازع، واستطاع تحقيق تتويجات افريقية ومحلية مهمة وصنع لاعب فنان من قيمة اسكندر السويح، وبينهما فساد وحشيش، ما يدفع بالسؤال: هل ان ما سبق هو ثمن التقدم والنجاح ام نتيجة تشعب علاقة المال ورجال الاعمال بكرة القدم؟