اسكندر السويح، الابن المدلل لمدينة صفاقس، هو اللاعب الرقم "1" في النادي الصفاقسي، ويرتدي القميص الرقم "13" في منتخب تونس لكرة القدم... هذا الرقم يرمز غالباً في الغرب الاوروبي الى الشؤم... لكنه لا يعني شيئاً لاهل المدينةالتونسية سوى ان جمع الرقمين يساوي رقم "4"... والرقم "4" يحول ذاكرة اهل المدينة نحو ابطال صنعوا الفرجة وبقوا في القلب: المرحوم محمد علي عقيد، رأس الحربة والمدافع الصلب المختار ذويب والساحر حمادي العقربي وآخر العنقود الفنان اسكندر السويح. اسكندر هو قائد الاوركسترا والذين يصنعون معه الفرجة هم زملاؤه سامي الطرابلسي ومحمد صالح مفتاح والليبي طارق التايب والكونغولي جون بنزا. فن الرسم على عشب الملعب العلم والمال والفن ثلاثي مقدس لأهل المدينة... صفاقس قطب جامعي مهم في تونس، واسكندر درس الفيزياء والكيمياء في حدود السنة الجامعية، ولم يكن يتجاوز العشرين ربيعاًَ عندما بلغ ثمن توقيعه على صورته في مزاد علني بملعب المدينة 1500 دينار، اي ما يعادل مرتب دكتور في الجامعة... وفي معادلة العلم والفن، وبعد تمزق شديد ولوعة على الشهادة الجامعية، تعلق اسكندر بفن الرسم على عشب ملعب الطيب المهيري، وملاعب اخرى قادمة... فمن اين اتى؟ عائلات "القلال" و"العش" وكذلك "اللوز" و"الجلولي" هي عائلات "صفاقس" الاولى... تتقاسم السلطة والثروة وتتبادل الانساب، واسكندر هو ابن "الهامش"، من طريق المطار وحومته الساخنة... وساحر صفاقس السابق حمادي العقربي لم يكن من المركز كذلك بل من بلدة "عقارب" بريف صفاقس... "الهامشي" يصنع دوماً الحدث، ورياضي القرن هو الملاكم محمد علي، ومن احياء البرازيل ولد بيليه... فالمهمشون هم الصناع الحقيقيون للتاريخ ولمركز الاضواء...! سنة اولى زواج المنزل والزوجة والابن والسيارة والهاتف النقال، هي عناوين الرفاهية في تونس التسعينات، واسكندر ابن "الهامش" امتلك المنزل منذ البداية، فهو "قبر الحياة" لدى التونسي. تمرد على القبيلة وتزوج من جزيرة "قرقنة" من عائلة "الدامي" التي عرفت بانخراطها الواعي والفعال في اتحاد العمال. يعشق ركوب "الغولف" السوداء سيارة الشباب الرقم "1"، ويميل اكثر الى الصمت ويزعجه رنين الهاتف، اما "ولي العهد" فذلك في علم الغيب، فاسكندر لم يتجاوز بعد "السنة اولى زواج". ولمس الكرة لدى السويح حاجة، لا تخضع الى مقاييس او تخطيط مسبق... وقفته في الميدان فيها اكثر من الصنعة، لا التصنع، وتصويباته الثابتة نقطة قوته الثالثة... ومع ذلك فإن اسكندر يميل الى ادخار الجهد بشكل مفرط ولا يسعى الى الاحتكاك ويتجنب التنافس... والاهم من ذلك ان اسكندر لا يعتبر الكرة رأسمالاً. ويحمل الرقم "7" رموزاً ودلالات كثيرة. ومنذ 7 تشرين الثاني نوفمبر 1987 واغلب التوانسة يعتقد بأن بيان 7 نوفمبر هو اجمل نص سياسي منذ بداية القرن... والسويح ليس هدافاً من طراز اول، لكنه سجل 7 اهداف في نهائيات كأس افريقيا 1998، ولا يزال ذلك اجمل ذكرى واحلى تتويج. قضيته مع النصر السعودي 1999 هي سنة غير عادية في حياة السويح... في بدايتها رفع اول تتويج افريقي متمثلاً بكأس الاتحاد الافريقي، وفي شباط فبراير ملك نصف دينه، وهي تمثل كذلك السنة الاولى بعد السبعين في حياة الصفاقسي، وولوج مرحلة جديدة على عتبة الالفية القادمة. وقيل ان اسكندر سيحترف في موناكو، وادعى آخرون ان الخبر اليقين في ناد الماني، وكان قاب قوسين او ادنى من توقيع عقد الاحتراف مع النصر السعودي... صرح اسكندر على ارض المملكة عندما لعب اخيراً امام اهلي جدة ودياً "ان كل شيء مكتوب"... والذي لم يفهم بعد عليه ان يفهم ان اسكندر لن يحترف اللعب الا في السعودية، وسيأتي اليوم... فقط عليه ان ينسى، والزمن وحده كفيل بالنسيان، واهل المدينة لم ينسوا بعد ابنهم الذي مات على عشب الملعب في ارض الحرمين الشريفين، محمد علي عقيد... وبعد رحيل هذا القرن وفي بداية العشرية الاولى بعد المائة من عمر مملكة آل سعود سيكون اسكندر هناك. اسكندر لم يتجاوز 26 ربيعاً، وهذا زمن الابواب المفتوحة على اللانهاية، هو من مواليد تشرين الثاني، برج العقرب، ومواليد هذا البرج هم في الاغلب اهل عزم وارادة ولهم جوانب غامضة في شخصيتهم، ولاسكندر شيء من ذلك. والنشيد الرسمي لاهل صفاقس "تبارك الله على س اس اس"، وهي الحروف الاولى للنادي الرياضي الصفاقسي بالفرنسية، ويرادفها "آه السويح يجبد ويطيح" اي يراوغ ويسقط اللاعبين! هذا هو اسكندر السويح... بكل موهبته وغموضه.