انتشرت خلال العقود الثلاثة الاخيرة ظاهرة الاستعانة بالمربيات الاجنبيات في بعض الدول العربية، واجريت حولها دراسات لا حصر لها من قبل اخصائيين اجتماعيين ونفسيين، ما لفت الانتباه الى سلبياتها وايجابياتها. واجمعت الدراسات الميدانية في سلطنة عمانوالكويت ودولة الامارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، على أن الأعباء المنزلية وكثرة الابناء وعمل الزوجة هي من اقوى المبررات للاستعانة بالخادمات او المربيات الاجنبيات. في حين تضاءلت الاسباب الاخرى خصوصاً تلك التي ارتبطت بتفرغ الزوجة للدراسة أو مجاراة الآخرين. ولوحظ ان المبررات نفسها وجدت في البحرين خصوصاً في ما يتعلق بكثرة الابناء وعمل ربة الاسرة، إلا أن اتساع المسكن جاء في مقدم الاسباب التي عرضتها سيدات هذا البلد بشأن استعانتهن بالخادمات او المربيات الاجنبيات. وانفردت دراسة ميدانية سعودية بالتركيز على أسباب ومبررات اخرى، منها الوضع الاجتماعي ثم الحمل المستمر، واستقبال الضيوف وكثرة الولائم. وأعتبرت الخادمة او المربية لدى السعوديات مصدر أمان في غياب الزوج لفترات قد تطول أو تقصر. ومعظم المربيات في البيوت الخليجية يحملن الجنسية السريلانكية. وارجع تقرير لجهينة العيسي، من جامعة قطر، الاقبال على الخادمات السريلانكيات الى سهولة اجراءات استقدامهن، ورخص اجورهن. ثم تأتي الجنسية الهندية في المرتبة الثانية، تليها الجنسية الفيليبينية. ورصدت دراسات عدة تزايد الاعتماد على الفيليبينيات خلال السنوات الاخيرة، لإجادتهن اللغة الانكليزية وارتفاع الوعي لديهن مقارنة بغيرهن من الجنسيات الاخرى. وغالبية المربيات الاجنبيات في مصر تحملن الجنسية الفيليبينية، وبدأ انتشارهن في اوائل الثمانينات عندما استخدمتهن اسر مصرية عملت في الخليج لسنوات طويلة. وانحصرت السلبيات التي اظهرتها غالبية التقارير حول هذه الظاهرة في النقاط التالية: تحميل الاسرة اعباء مالية، والتبذير والاسراف في المواد الغذائية من قبل الخادمات، فضلاً عن غيرتهن من ربات الأسر عند رؤيتهن رموز الثروة التي تتمثل في المجوهرات والملابس الفاخرة وما اليها، وكذلك تعامل الخادمات او المربيات بعنف مع الاطفال في غياب الامهات، وكتابة مذكرات لرصد ما يحدث في المنزل، وهو ما يعد تسريباً لأسرار البيت. ومن اخطر السلبيات التي اجمعت عليها الدراسات والتقارير، الانحرافات الاخلاقية للمربيات، وظهور قيم اجتماعية غير ايجابية كالاتكالية والاعتماد على الغير وانعدام روح المبادرة، اضافة الى التأثير اللغوي للمربيات الامر الذي انعكس على تأخر نطق بعض الاطفال وتقليد لغة المربيات والتحدث اليهن من خلال لغاتهن الخاصة، الامر الذي ادى الى ظهور لهجة مهجنة. وهذا ما أكده بحث اجري في الكويت، اوضح ان اختلاف اللغة التي تستخدمها المربية في تعاملها مع الطفل يجعله لا يضيف جديداً الى حصيلته اللغوية، بل ويصرفه عن محاولة تعلم المفاهيم اللغوية لأنه في هذه المرحلة يلازم الخادمة او المربية معظم الوقت فيركز اهتمامه على اكتساب لغتها ليتفاهم معها، ما يكون له أكبر الأثر في تأخر نموه اللغوي. ورصدت التقارير، نتيجة لدور المربية مع الاطفال، تدني أسباب ارتباط الاطفال بالوالدين والاخوة، الامر الذي ادى الى اضعاف صلة الطفل بأمه الى حد واضح في كثير من الحالات. ولا شك في ان هذا جاء نتيجة لتقلص دور الأم ومزاحمة المربيات او الخادمات لها في اداء هذا الدور. ومن المعروف أن بين شخصية الفرد وصحته النفسية علاقة وثيقة، ويكتسب الفرد هذه الصحة النفسية من خلال تعامله الناجح والتوافق بين البيت والعلاقات الاجتماعية التي تربط الفرد بمن يعيش بينهم ويتعامل معهم. ولما كانت العلاقة الاجتماعية الاولى التي تربط الطفل بأمه لا يمكن تعويضها أو استبدالها بغيرها، وباعتبار أن الاسرة - والام خصوصاً - هي المسؤولة عن رعاية الطفل وحمايته وتوفير الامن والاستقرار له، فإننا نستطيع ان ندرك عمق تأثير فقدان الطفل لشعوره بالامن على شهيته وصحته النفسية من خلال استبدال علاقته المتميزة بالأم، بالعلاقة المشوهة التي يقيمها مع الخادمة او المربية. وان كان هذا لا يقتصر على اضعاف الصلة بين الام والطفل فحسب، وانما يمتد الى الروابط العائلية بأسرها. وأوصى معظم التقارير والدراسات، لمعالجة هذه الظاهرة، بضرورة تضافر الجهود على المستوى الرسمي والشعبي للقضاء عليها أو الحد من انتشارها وتفاقم آثارها، ووقف نزيف الاستقدام الذي لا مبرر له في كثير من الحالات لمثل هذا النوع من العمالة.