ضمك يحرم الهلال من صدارة دوري روشن    تتويج نتائج السباق من الحفل الحادي عشر لميدان الفروسية بالمدينة المنورة    ضبط (15) إثيوبياً في جازان لتهريبهم (486) كجم "قات"    انعقاد «الملتقى القرآني» لمديري وأئمة الشؤون الدينية بمكة المكرمة    بمشاركة 18 دولة.. انطلاق الفعالية التقنية الأكثر حضورًا في العالم «ليب».. غدًا    «السالمي» يتوَّج بكأس خادم الحرمين الشريفين للقدرة والتحمل    بعد لقائه بالشرع.. أرياس: نضع الأساس لإغلاق ملف الأسلحة الكيميائية في سورية    لبنان أمام فجر جديد: حكومة مكتملة بعد جمود طويل    المملكة تشارك في تمرين «أمان» بباكستان    ربع مليون طالب وطالبة في 1700 يحتفلون بيوم التأسيس بالطائف    هل تتأثر هدنة غزة بتناقضات المعايير الإسرائيلية    الأحساء تختتم ملتقى الحرف والفنون    الاتفاق يواصل انتصاراته على حساب الأخدود    400 مشارك بالمعرض السعودي للاختراعات والابتكارات    محمد مروعي مجيري حاصد جائزة الإعلام بمنطقة جازان .. يضع العسل السعودي على خارطة التميز العالمية ..    مفوض الإفتاء موجهًا رؤساء الجمعيات اللحمة الوطنية من القيم الأساسية التي تعزز من تماسك المجتمع    جامعة خالد تكرم الجامعات العربية المدرجة في تصنيف 2024    العلاقات السعودية - الأمريكية: احترام التاريخ والتعاون    وزير الرياضة يستقبل رئيس الأولمبية الدولية في الرياض    إنطلاق مؤتمر السمنة السنوي الدولي الثامن بالخبر    جوارديولا يسخر من حكام الدوري الإنجليزي بعد إصابة نيكو جونزاليس    الصين تعلن اكتمال بناء أكثر من 30 ألف مصنع ذكي    شركة اليسر راعيًا ذهبيًا في مؤتمر ليب 2025    برنامج ماجستير لتمكين الكوادر الوطنية من قيادة القطاع السياح    1383 حالة ضبط للمنوعات بالمنافذ خلال أسبوع    وزير التعليم يكرم المعلمة اللحياني    تخصصي تبوك يكرّم الموظفين والأقسام المميزة    القتل تعزيراً لأمير زاده لتهريبه الهيروين    الأمير تركي بن هذلول يفتتح مهرجان «الرقش النجراني» لعام 2025    هل تنجح المساعي الأفريقية في حل أزمة الكونغو الديمقراطية؟    روسيا: تخفيض سعر صرف الروبل أمام العملات    ترمب: سأفرض رسوماً جمركية على دول كثيرة    «الداخلية»: ضبط 21 ألف مخالف للأنظمة في مناطق المملكة خلال أسبوع    ترقية م. بخاري في هيئة الإذاعة والتلفزيون    الدكتوراه ل«السهلي»    المنتدى السعودي للإعلام يستقطب شخصيات عالمية في نسخته الرابعة    انخفاض درجات الحرارة ورياح نشطة مثيرة للأتربة على عدة مناطق في المملكة    ماتياس: لهذا السبب استبعدت «فيرمينيو»    تحويل منزل فيروز «القديم» متحفاً في لبنان    الأردن.. مقتل عائلة كاملة إثر استنشاق غاز مدفأة    انطلاق بطولة VEX IQ لصُنّاع المستقبل في تصميم وبرمجة الروبوتات    جوجل تضيف علامات مائية خفية للصور للكشف عن التعديلات المدعومة بالذكاء الاصطناعي    إيمري يتطلع للتحدي الضخم بإعادة ماركوس راشفورد لمستواه    جامعة أمِّ القُرى تستضيف الاجتماع التَّشاوري الثَّامن لرؤساء الجامعات    الوحدة يُعلن عن تعرض أنظمة الشركة المشغلة لمتجر النادي ل «الاختراق»    أمير القصيم يهنئ تجمع القصيم الصحي بفوزه بأربع جوائز في ملتقى نموذج الرعاية الصحية 2025    خطيب الحرم المكي: كل من أعجب بقوته من الخلق واعتمد عليها خسر وهلك    مفتي عام المملكة ونائبه يتسلمان التقرير السنوي لنشاط العلاقات العامة والإعلام لعام 2024    النمر العربي.. مفترس نادر يواجه خطر الانقراض    أمانة المدينة تدشّن نفق تقاطع سعد بن خيثمة مع "الدائري الأوسط"    سبق تشخيصه ب«اضطراب ثنائي القطب».. مغني راب أمريكي يعلن إصابته ب«التوحد»    لماذا لا يجب اتباع سنة الأنبياء بالحروب..!    خادم الحرمين وولي العهد يعزّيان رئيس الجزائر في وفاة رئيس الحكومة الأسبق    وكيل وزارة الداخلية يرأس اجتماع وكلاء إمارات المناطق    الملك وولي العهد يُعزيان ملك السويد في ضحايا حادثة إطلاق نار بمدرسة    «8» سنوات للأمير سعود في خدمة المدينة المنورة    إطلاق برنامج التعداد الشتوي للطيور المائية في محمية جزر فرسان    خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية والرئيس الألماني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



العالم الاسلامي والتحديات الاقتصادية في القرن المقبل
نشر في الحياة يوم 13 - 07 - 1999

في اطار التعريفات المتداولة عن مفهوم التنمية، وعلى ضوء الابعاد التي يحتاجها العالم الاسلامي لتنمية دوله وشعوبه، تنمية شاملة ومستدامة، مع الاخذ في الاعتبار التطورات الاقتصادية على الصعيدين الاقليمي والعالمي، وما سيطرأ على الوضع الاقتصادي للدول الاسلامية، فإن الباحث يجد نفسه امام مجموعة من التساؤلات حول ماهية التحديات الاقتصادية التي ستواجهها الدول الاسلامية، وهل ستكون من نمط واحد في جميع هذه الدول، وهل يمكن ان يساعد التنسيق والتعاون الاقتصادي بين هذه الدول على مواجهتها وإلى أي حد، وهل تملك الدول الاسلامية الآليات والوسائل اللازمة للاستفادة من عملية التعاون والتكامل الاقتصادي في ما بينها من جهة، ولتوجيه التطورات الاقتصادية العالمية لحفظ مصالحها من جهة أخرى، وما هو دور منظمة المؤتمر الاسلامي واجهزتها المتخصصة والفرعية، ورئاسة المنظمات في دورتها الحالية، في تنسيق الامور وتقدمها؟
المواصفات الاقتصادية للدول الاسلامية
تتمتع دول العالم الاسلامي، بخصائص ومواصفات اقتصادية، يمكن تصنيفها اما وفقاً لاعتبارها واحدة من مجموعات الاقتصاد العالمي، أو باعتبار تنوع هيكلها وتنوع اجزائها في التركيبة الاقتصادية.
واذا اخذنا الصنف الاول مثلاً، تنضوي الدول الاسلامية من حيث الخصائص الاقتصادية تحت تصنيف "الدول النامية"، الذي يشمل غالبية سكان الكرة الارضية، وتطلق عليه ايضاً تسمية "الجنوب"، حيث 3.1 بليون شخص لا يزيد دخلهم اليومي على دولار واحد، وحيث هناك شخص أمي من بين كل ثلاثة اشخاص الجدول1.
ومما هو جدير بالملاحظة، ان الدول ذات الدخل المرتفع سينخفض عدد سكانها في المستقبل، ومن ثم ستحصل على نسبة اعلى من الرفاهية والنمو.
وعلى العكس من ذلك ستصبح دول جنوب آسيا، وشمال افريقيا، والشرق الاوسط، وجنوب الصحراء الافريقية، وهي التي تشكل معظم سكان العالم الاسلامي، اكثر فقراً واقل نمواً نظراً الى عائدها المنخفض، والى ارتفاع عدد سكانها.
واضافة الى ذلك، شهدت الاعوام الاخيرة حوادث اقتصادية مصيرية في الجانب الاقتصادي اصابت الدول النامية والحقت بها اضراراً وخسائر كبيرة، وتمثلت خصوصاً في الازمة الاقتصادية في دول جنوب شرق آسيا التي اثرت في بعض الدول الاسلامية مثل اندونيسيا وماليزيا واصابتها بهزات كبيرة، وفي انخفاض اسعار النفط الذي اصاب اقتصاديات نامية من دول اسلامية اعضاء في مجموعة اوبك بأضرار بالغة، وأدى الى عجز كبير في موازناتها.
ومعلوم ان هاتين الفئتين من الدول النامية، تعدان دولاً متميزة وناهضة، ولذلك فان التساؤلات تتداعى بشدة حول منشأ الازمات والانتكاسات التي تعرضت لها.
الديون الخارجية
تعد الديون الخارجية عبئاً ثقيلاً على كاهل الدول الاسلامية، اذ تؤثر على مجمل الحياة الاجتماعية الاقتصادية والسياسية في هذه الدول، وقد تؤدى الى ازمات لا قبل للدول بمعالجتها.
وفي عام 1993 بلغ مجموع الديون الخارجية على الدول الاسلامية 2.523 بليون دولار، ارتفعت عام 1996 الى 3.597 بليون دولار. واستمر هذا النسق التصاعدي في الاعوام التالية ومن المتوقع ان يبلغ حجم الديون المتراكمة على الدول الاسلامية 8.689 بليون دولار السنة الجارية.
ومن جهة اخرى، بلغ العجز في الميزان التجاري للدول الاسلامية عام 1998 اكثر من 7.2 بليون دولار. ويبلغ العجز المتوقع في الحساب الجاري للدول نفسها في العام نفسه أكثر من 7.37 بليون دولار حسب توقعات البنك الاسلامي للتنمية في تقريره لعام 1997.
تنوع الهيكلة الاقتصادية
يعد التنوع في الهيكلة الاقتصادية في مجموعة الدول الاسلامية عائقاً امام التنسيق، وامام توحيد الجهود. فاقتصاد هذه الدول، يختلف في حجم الانتاج والاستهلاك، وفي حجم رأس المال المستثمر، وفي اجمالي الناتج المحلي. كما يختلف ايضاً في النظم الاقتصادية والسياسية التي تحكم العلاقات فيه، من اقتصاديات تميل الى نسبة عالية من صلاحيات القطاع العام، الى اقتصاديات تفسح في المجال، بدرجات متفاوتة، امام القطاع الخاص، الى اقتصاديات تطرح اسلوب التعاونيات كأسلوب مكمّل ثالث.
اما في التركيبة الاقتصادية، فان التنوع قائم ايضاً، في القطاعات الاساسية، كالزراعة والصناعة والتجارة، وفي بقية الخدمات. وكذلك في التركيبة التفصيلية لتلك القطاعات.
ولعل من الطريف ان يذكر هنا التباين الكبير في الخصائص بين الدول الاسلامية، فمنها اغنى الدول، وبينها ايضاً اكثر الدول فقراً. فوفقاً للبحوث التي اجريت عام 1995 تبين ان دخل الفرد في بعض الدول الاسلامية يبلغ 17400 دولار وهو ما يعادل 217 مرة دخل الفرد في دولة اخرى من هذه الدول حيث يبلغ دخل الفرد السنوي نحو 80 دولاراً. وهناك عدد محدود من الدول ذات الدخل المرتفع وعدد اكثر من الدول ذات الدخل الضئيل.
اما لجهة عدد السكان، فإن بين الدول الاسلامية، دولاً يبلغ عدد سكان كل منها نحو مليون نسمة، ومنها غامبيا والغابون وغينيا بيساو. بينما يوجد في الطرف الآخر من العالم الاسلامي، دول يتجاوز عدد سكانها ال100 مليون نسمة ومنها بنغلاديش 120 مليون نسمة وباكستان 130 مليوناً واندونيسيا 193 مليوناً. اي بتعبير آخر، يفوق سكان الدول المزدحمة سكان الدول الصغيرة بأكثر من 200 ضعف.
والخلاصة، فإن مواصفات اقتصادية كثيرة، تشير الى اختلاف المستوى والتركيبة الاقتصادية بين الدول الاسلامية.
هيكلية التجارة في الدول الاسلامية
تعد التجارة، في اقتصاد الدول، مرآة صادقة تعكس هيكلية الاقتصاد وقدرته وحجمه ونوعيته، وكذلك الطلب والاستهلاك فيه. وتعكس التجارة في اي دولة، قدرتها ودورها في المعادلات الاقليمية والدولية، وتوضح مدى تأثير الاتفاقات الدولية، ومنها اتفاقات منظمة التجارة العالمية، على تلك الدولة. وبناء على ذلك يمكن تنظيم استراتيجية التعامل والتبادل، وكذلك استراتيجية المفاوضات.
وبين الدول الاسلامية هناك اربع فقط يبلغ معدل صادراتها بالنسبة الى اجمالي الناتج المحلي فيها اكثر من 50 في المئة وتبلغ هذه النسبة في خمس دول اخرى 30 في المئة، بينما تقل عن 30 في المئة في بقية الدول التي تنشر احصاءاتها التجارية.
وبالنسبة الى نوع الصادرات، فالمعلوم ان غالبية الدول الاسلامية تصدر المواد الاولية. وهنالك عدد قليل من الدول تمتلك اقتصاداً متنوعاً، ويمكنها تصدير مواد اكثر تنوعاً.
فمن بين 33 دولة، ذات احصاءات منشورة، هناك 22 تبلغ صادرات المحروقات والمعادن او المواد الاولية لديها اكثر من 50 في المئة من مجموع صادراتها، و16 دولة يبلغ حجم صادرات المحروقات والمعادن فيها اكثر من 80 في المئة من مجموع صادراتها.
ويمكن تلمس نوع من صناعة النسيج والملابس في اربع من الدول العشر الاخرى، اذ تبلغ هذه الصناعة نسبة بين 25 الى 43 في المئة بينما ترتفع في دولتين فقط الى 75 في المئة.
واذا ما انتقلنا الى موضوع تصدير الخدمات وتجارتها، فان الاحصاءات تشير مرة اخرى الى ان دولاً معدودة من الدول الاسلامية تدخل في هذا الحقل من الصادرات. ويبين الجدول الرقم 2 الدخل الناتج من تصدير خدمات العمل لعدد من هذه الدول لعام 1993.
وفي حقل الخدمات، تبرز السياحة كقطاع مهم ومصدر للدخل، ولكن في عدد قليل فقط من الدول الاسلامية انظر الجدول 3.
وفي حقل المواصلات من قطاع الخدمات، باستثناء النقل البحري، حصلت الدول الاسلامية بمجموعها على حوالى ثمانية بلايين دولار عام 1993، وكان هذا الدخل من نصيب عدد قليل من الدول الجدول4.
اما بالنسبة الى الدخل الناتج من النقل والشحن البحري، وعلى رغم انتشار رقعة الدول الاسلامية، واطلالها على محيطات وبحار عدة، فانه في اضعف حالاته، ولا يشكل اكثر من 8.4 في المئة من الدخل الناتج عن تصدير الخدمات، أي ما يعادل 3.3 بليون دولار الجدول5.
انتقال رأس المال
لم تشكل رؤوس الاموال المنتقلة الى الدول الاسلامية عدداً يحسب له حساب. ومن الواضح ان اجتذاب رؤوس الاموال يمكن ان يحقق تحولاً وتطوراً في الوضع الاقتصادي لهذه الدول. وخسرت الدول الاسلامية فرصاً كثيرة لجذب الاموال، إذ أنها لم تنجح عام 1996 في اجتذاب الاموال الاجنبية. وتشير التقارير الى ان 30 دولة اجتذبت كل منها 100 مليون دولار فقط. ويبدو ان هناك دولتين فقط نجحت كل منهما في اجتذاب نحو بليون دولار، فيما اظهرت الاحصاءات حركة عكسية خرجت فيها الاموال من دولة واحدة.
في ظل هذه الظروف والخصائص الاقتصادية، والبنية الاساسية الضعيفة للدول الاسلامية، تبرز الحالة الاقتصادية عموماً، كتحد كبير في حد ذاته. مما يحدو الدول جميعها العمل لتخطي هذه الظروف والارتفاع بالقدرة الاقتصادية والتنظيمية لها.
ومن ابرز التحديات التي تواجه هذه البلدان:
أ - تحرير التجارة الدولية: وقد يعبر عنها بعالمية التجارة Globalaization، او الغاء العوائق الجمركية او تحرير حركة رؤوس الاموال، او تشكيل منظمة التجارة العالمية، WTO وتنفيذ احكامها واتفاقاتها.
ولاحظنا من جهة، ان هيكلية اقتصاد الدول الاسلامية وحجم هذا الاقتصاد لا يتناسب بين بعض هذه الدول وبعضها الآخر، فلا يشكل مجموعة منسقة. ومن جهة اخرى، فان تحرير التجارة العالمية، يعني ازدياد حركة الاموال والبضائع بما يتعدى الحدود، ويعني ايضاً انتشار ونقل التكنولوجيا والمعلومات بين الدول بسرعة كبيرة.
ونتيجة للعوامل المذكورة، شهدت حركة التجارة العالمية في الفترة بين 1990 و1995 نمواً سنوياً يعادل ستة في المئة، بينما اظهر اجمالي الناتج المحلي نمواً لم يتعد الواحد في المئة.
ونلاحظ ان جذب الاموال الاجنبية المباشرة في هذا التطور السريع المطرد، يحتاج الى بنية تحتية متناسبة لجهة القوانين والانظمة، والادارة المحنكة العالمة، وهيكلية متينة من انظمة المعلومات وتداولها، وايضاً الى نظام حر لتبادل العملات. وطبيعي ان لا نغفل ان انتقال الاموال الاجنبية، يمكن ان تتبعه آثار سلبية، خصوصاً اذا كانت ادارة الامور غير كفوءة، او اذا افتقدت التناسق والتنظيم بين مختلف القطاعات والاجهزة في الدولة، او اذا افتقدت الاستراتيجية المناسبة للتعامل مع الاموال الاجنبية وكيفية الافادة منها، وبأي نسبة، وفي اي قطاع، وعلى اي جدول زمني.
ونؤكد ان افتقاد البرنامج الواعي للافادة من الاموال الاجنبية، قد يعرض الاقتصاد الى هزات كبيرة، اذ يربط هذا الاقتصاد بحركة هامش الفائدة العالمية، ويتأثر به مباشرة.
حرية التجارة العالمية
ان دخول حقل التجارة الحرة، على المستوى العالمي، يمهد فرصاً كثيرة لزيادة حجم التجارة والصادرات، ويؤدي الى انتعاش الانتاج وارتفاع عدد فرص العمل. لكن اخطاراً عدة تهدد اقتصاديات التصدير التي تشكل الصادرات فيها نسبة عالمية من اجمالي ناتجها المحلي، ذلك ان هذه الاقتصاديات، تجعل من الاقتصاد اكثر تعرضاً للتغييرات والتطورات في السوق العالمية، وتصبح بذلك اكثر حساسية امام هذه التطورات، وتنقلها مباشرة او تنقل آثارها الى داخل الاقتصاد الوطني. فأي تباطؤ في درجة النمو العالمي، سيؤثر بسرعة في الاقتصاد المحلي.
ولكن، وبالمقارنة مع هذه الاقتصاديات، نلاحظ ان الاقتصاد الذي يعتمد على تصدير المواد الاولية، سيتأثر بدرجات اكبر، ويتحمل خسائر اكثر من اقتصاد التصدير المتنوع. ولننظر الى قطاع مصدري الوقود، الذي لم تشمله اتفاقات منظمة التجارة العالمية ولا اتفاقات جولة الاوروغواي، اذ ان هؤلاء المصدرين سيعانون من مشاكل كبيرة جداً، لأن التباطؤ في درجة النمو العالمي، سينعكس مباشرة عليهم.
وسيعاني مصدرو الوقود من مشاكل في السوق، ومن تثبيت الاسعار، في حين ستكون لدى مصدري البضائع المصنعة قدرة اكبر للمناورة، اذ ان هناك انظمة وقواعد دولية تحكم هذا الانتاج، ولكل دولة ان تضع قواعدها الخاصة لتلك البضاعة، وبامكانها دعم بضاعتها على اساس متبادل تجاه منتجات الدول الاخرى، ولها ان تحد من حركة سلع الدول الاخرى، وان تزيد من طاقتها في المنافسة بتحسين الانتاج، او تقليل الكلفة وغير ذلك من الاساليب.
وفي الواقع، فإن قواعد واتفاقات منظمة التجارة العالمية تعمل لصالح الاقتصاد التصنيعي، وبخاصة السلع الالكترونية وتكنولوجيا المعلومات، اكثر مما تعمل لصالح اقتصاديات الدول النامية.
والاجواء المستقبلية للدول المصدرة للمواد الخام، وخصوصاً المنتجات الزراعية، في حالة دخولها معترك التجارة الحرة، تنبئ بمشاكل اكثر، اذ انها لا تمتلك القدرات البشرية الماهرة للارتقاء بمستوى انتاجها وبنوعيته، ومن ثم ستفقد القدرة على المنافسة في الاسواق العالمية. يضاف الى ذلك ان هذه الدول لم يكن التوفيق حليفها في اجتذاب الاموال الاجنبية، وبذلك فانها ستقع ضحية ديونها الخارجية، وخدمة هذه الديون وفوائدها التصاعدية.
النظام التجاري المتعدد الاطراف:
بعد مرور عقود عدة من تنفيذ قرارات الغات، ظهرت منظمة التجارة العالمية الى حيز الوجود، عام 1994. ويجري التأكيد في هذه المنظمة على خفض التعرفة الجمركية للدول حتى يتم حذفها بالنسبة للسلع المستوردة، وتطلب من الدول الاعضاء ومن ضمنها الدول النامية، تقديم تسهيلات اكثر في هذا المجال.
ومن نافلة القول هنا ان المنظمات تطالب بحذف الدعم الحكومي للسلع الوطنية، والغاء الضوابط والقواعد التي تضع قيوداً خاصة على السلع الاجنبية وبخاصة المنسوجات والمواد الغذائية، وتأكيد ضمان حقوق الملكية الفكرية.
صحيح ان منظمة التجارة العالمية تتيح المجال للتفاوض، وتهيئ الآليات اللازمة لذلك، لكن الحدود والجدولة الزمنية والقانونية التي تضعها لا تتناسب والقدرة المتواضعة للدول النامية، وبذلك تضيف اعباء على كاهل هذه الدول، ومنها الدول الاسلامية. هذا اذا ما استثنينا الضغط السياسي لبعض الدول، لتأخير عضوية دول اخرى، او لزيادة القيود عليها، او لخفض فترات السماح لتطبيق الاتفاقات.
تجارة الخدمات:
تحاول ان تستند هذه التجارة وغيرها من أنواع التجارة على الاسس التالية:
1- الوضوح والشفافية في القوانين والانظمة.
2- التعامل مع الدول الاخرى على اساس الدولة الاولى بالرعاية.
3- معاملة السلع العابرة على اساس السلع الوطنية.
4- العمل على تحقيق وتنفيذ الالتزامات المسجلة في ملحقات اتفاقات منظمة التجارة العالمية.
وتم الحاق اتفاقات خاصة بحقول قطاع الخدمات، ومنها حقل الخدمات المالية، وخدمات الاتصالات السلكية واللاسلكية، وخدمات النقل والشحن الجوي، وغيرها. كما اضيفت اتفاقية لاستمرار المفاوضات لتحسين وتعميق الاتفاقات المذكورة وقطاعات اخرى.
ومما هو جدير بالملاحظة ان اكثر من 30 من الدول الاسلامية، اصبحت اعضاء في منظمة التجارة العالمية، وان ثماني دول اخرى تقريباً في طريقها للالتحاق بهذه المنظمة، وهي تسير في المراحل القانونية.
مؤتمر سنغافورة الوزاري
اجتمع وزراء التجارة للدول الأعضاء في منظمة التجارة العالمية عام 1996 في سنغافورة، ويعد هذا المؤتمر المرجع الأول للمنظمة. وعلى اثر الضغط الذي مارسته الدول النامية، بعد تنسيق مواقفها، استطاعت ان تخرج موضوع الطاقة البشرية وضوابطها من دهاليز منظمة التجارة العالمية، وجعلت ضوابط منظمة العمل الدولية مرجعاً لها، وبذلك حققت نجاحاً نسبياً، اذ احتفظت بميزاتها النسبية في الانتاج لامتلاكها اليد العاملة الأرخص.
كما تمكنت الدول النامية من التأثير في اتخاذ قرارات ايجابية اخرى، ومنها اعطاء المساعدات الفنية للدول النامية، وتنظيم برنامج للعمل المشترك مع منظمة اونكتاد، ومركز التجارة الدولي.
عنصر المنافسة
يعد عنصر المنافسة أساساً في التجارة الحرة، لكنه ان لم يراع ظروف الدول النامية، فسيؤدي الى خروجها من حلبة المسابقة مبكراً.
ان اعادة النظر في علاقة التجارة الحرة بسياسات المنافسة امر ضروري، كما ان اعادة النظر في علاقة التجارة بسياسات التنمية الاقتصادية، ضروري ايضاً. وهنا نجد ان الدول الآسيوية لها منظارها الخاص، ورؤيتها المستقلة المختلفة عن رؤية الدول الأوروبية. فالآسيويون يؤكدون ضرورة اعادة درس قواعد وأنظمة اغراق الأسواق Dumping، بينما يدعو الأوروبيون الى التفاوض في شأن المواد الأساسية المغايرة للضمانات، ليجعلوها تحت رقابة وإشراف منظمة التجارة العالمية.
تأثيرات اتفاقات منظمة التجارة العالمية على الدول الاسلامية
تختلف هذه الآثار من بلد الى آخر، ومن اتفاقية الى اخرى، اذ استفادت دول اسلامية، وستستفيد اكثر في المستقبل، من خفض التعرفة الجمركية في الدول الأوروبية في شأن المنسوجات والملابس، ومن هذه الدول: مصر وبنغلاديش والمغرب وتونس وتركيا.
وستحظى الدول النامية بالمساعدات الفنية والقانونية اللازمة لتحسين هيكلة اقتصادها وتدريب العنصر البشري المتخصص والماهر فيها. لكن المسألة، هي ان الدول الاسلامية التي بقيت خارج اطار منظمة التجارة العالمية أصبح عددها قليلاً جداً. ولن تجد هذه الدول في المستقبل غير البعيد، مجالاً للتحرك والمناورة في موضوع التجارة على المستوى العالمي، وكذلك في موضوع الاستثمارات المباشرة او غير المباشرة، وفي انتقال التكنولوجيا.
كما ان الدول المصدرة للنفط، ستجد نفسها مرغمة على تغيير هيكل اقتصادها لتجعل منه اقتصاداً ذا اركان متعددة ومتنوعة، وبالنتيجة لا بد لها من التعامل المتنوع في الاطر التي وضعت في المجالات التجارية المختلفة. ولا نريد ان نفقد الأمل في امكان عقد اتفاق خاص بشأن الوقود والنفط في المستقبل.
التكتلات الاقليمية والتكتلات العالمية
تطرح التكتلات الاقليمية في بعض المحافل الاكاديمية وكأنها على طرفي نقيض مع التكتلات العالمية. وقد يشار الى ان التعاون بين الدول الاسلامية لن يحل مشاكلها، ومن الافضل ان تتعاون هذه الدول مع الدول الصناعية لتكسب منها التقنية والتنمية التي تحتاجهما.
ان هذا التلقي، بعيد كل البعد عن حقائق الجغرافيا، والثقافة والتاريخ، وحتى عن لغة الاعداد والأرقام والاحصائيات، وأيضاً بعيد عن معادلات السياسة والواقع المر.
وينسى اصحاب هذا التلقي، قدرة التكتل في التفاوض على المستويات الاخرى. ويكفي ان نطرح بعض التساؤلات، وندعو للتأمل فيها: ما هي العلاقة بين التعاون الاقليمي، والتعاون عبر الاقاليم، والتعاون العالمي؟ وماذا نعرف عن آلية التعاون الاقليمي وغير الاقليمي؟ وما هو مدى علمنا بالامكانات والطاقات المتوافرة في التبادل الاقتصادي والمالي والتجاري الاقليمي؟ وما هو مفهومنا للاستقرار والثبات الاقليمي وما هي العلاقة بين الاثنين؟ وهل تأتي التنمية من الخارج؟ وهل يكون انتقال التكنولوجيا امراً بسيطاً كنقل سيارة من بلد الى آخر؟
خلاصة الأمر، ان التعاون الاقليمي وغير الاقليمي، يستطيع ان يحفظ المصالح الوطنية للدول ويدعمها، وأن يرفع من كفاءتها في المفاوضات، على النطاق الأوسع. اذ ان دخول معترك التجارة والاقتصاد العالمي، اذا كان منظماً ومتناسقاً وجماعياً، ستكون له آثاره الايجابية اكثر من الدخول الفردية.
ويمكن الدول الاسلامية، بتكتلها الاقتصادي، ان تنظم انظمتها وقواعدها لدعم اقتصادها الاقليمي وغير الاقليمي، وان تدخل ساحة العمل الدولي والعالمي والمنظمات الدولية وهي تحمل قواعدها، وتدعم صناعتها وزراعتها وتجارتها، وأن تستفيد من الفرص وفترات السماح بشكل جماعي ومركز، وان تحفظ تعاملها مع الانظمة الدولية لفترة اطول. وشاهدنا نتائج التنسيق تظهر الى الوجود في اجتماع الوزراء في سنغافورة.
ويكن البنك الاسلامي للتنمية، باعتباره جهازاً استشارياً ويقدم المساعدة الفنية في حقول التجارة والصناعة العالمية، ان ينسق او يمهد الأرضية للتنسيق بين الدول الاعضاء في المحافل وفي المنظمات الدولية ليصبح صوتها موحداً ومؤثراً.
ومن جهة اخرى، يبقى المجال مفتوحاً للتعاون والتكامل بين الدول الاسلامية في مجالات الطاقة البشرية وتصدير الخدمات الفنية والهندسية.
وللدول الاسلامية ان تملأ احداها فراغات الاخرى، فهنالك دول لديها مجالات مستعدة لجلب الاستثمارات، وهنالك دول اخرى لديها اموال حائرة. وبتلك الأموال يمكن البدء او اذا بدأت، يمكن اعطاؤها سرعة اكبر لملء الفراغات، وطبعاً لا بد من ضمانات ودراسات جدوى.
ويبرز مجدداً دور البنك الاسلامي للتنمية كمحفظة لتلك الأموال، وكمركز استشعاري لدراسات الجدوى الاقتصادية، ويبرز دور المؤسسة الاسلامية لضمان الصادرات وتأمين الاستثمار، في دراسة وأخذ الضمانات اللازمة لرؤوس الأموال واستثماراتها.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.