رجل الشارع في روسيا يكتئب كلما ألمّ برئيس الدولة مرض، لا من "فرط الهيام" ببوريس يلتسن الذي اعترف اخيراً بأن شعبيته في الحضيض، بل لأن هذا المواطن يعرف ان التكاليف المباشرة لعلاج رئيس الدولة قاربت 300 مليون دولار، فيما بلغت النفقات التي تحملتها الخزانة بسبب تدهور صحة الرئيس، اكثر من خمسين بليون دولار. قدمت النائبة الروسية نينا دانيلوف تقريراً اعده خبراء مستقلون اجروا حسابات لما انفقته الدولة على علاج الرئيس بوريس يلتسن منذ توليه السلطة. وأكد التقرير ان المبلغ فاق 283 مليون دولار. لكن المراقبين اجمعوا على وجود "خسائر غير مباشرة" فمن المعروف ان "سيد الكرملين" يرفض في غالب الاحيان الاعلان عن مرضه. ثم يضطر الى كشف الحقيقة او بالأحرى، جزء منها في اللحظة الاخيرة، ومن ثم تترتب على ذلك تعقيدات في تنظيم أمور الدولة ونفقات بسبب تأجيل الزيارات الرسمية. وكان يلتسن الغى زيارات الى اكثر من عشر دول وأجل عدداً منها في اللحظات الاخيرة، ما كلف الدولة 3711 مليون دولار هي مجموع النفقات على التحضير وتبادل الوفود وإرسال فرق الحماية وتنظيم خطوط الاتصال والاتفاقات مع شركات التلفزيون. وبسبب امراض الرئيس، خسرت روسيا بلايين الدولارات بفعل هبوط اسعار الاسهم والهزات المالية. وأشار التقرير الى ان الخسائر الاجمالية زادت على خمسين بليون دولار. وإذا كان ثمة من يتهم واضعي التقرير بالتحيز فان احداً لا يشك في صدقية رئيس مجلس الفيديرالية ايغور سترويف الذي لم يعرف عنه انه من المعارضين ليلتسن. وأشار الأخير الى ان كل تعديل وزاري في روسيا يكلف الدولة مبلغاً يعادل قروض صندوق النقد الدولي. ولأن يلتسن استبدل خمس حكومات فان المجموع الاجمالي قد يصل الى ارقام خيالية، خصوصاً اذا عرفنا انه ابدل خلال السنوات الاخيرة 160 وزيراً وسبعة من مدراء الديوان الرئاسي و45 نائباً لرئيس الوزراء. وهذه النفقات، يتكبدها بلد يبلغ فيه الحد الادنى للاجور 84 روبلاً، اي قرابة 3.5 دولار، وحددت الحكومة الحد الادنى للمعيشة ب717 روبلاً للفرد في الشهر الواحد. وهذا المبلغ يكفي لسلة أكل يومية هي عبارة عن نصف بيضة وحبتي بطاطس وشيء من الخبز وبضع غرامات من الزبدة النباتية. ورغم ان كماشة الازمة تطبق على خناق البلد ومواطنيه فان يلتسن بدا مزهواً حينما بدأ حديثه مع ضيفه السوري حافظ الأسد بنبرات الاعتزاز باعادة ترميم الكرملين. لكنه لم يكشف ان هذه العملية كلفت الدولة 335 مليون دولار وهو مبلغ اعترف به مدير اعمال الرئاسة بافل بورودين، حينما استدعى مراسلي التلفزيون ليعرض عليهم "منجزات" العهد الرئاسي ويحدثهم عن اطنان الذهب التي استخدمت في تصليح الجدران. ولا يهم ان يجوع الناس، المهم الا يمرض رئيس الدولة. وطبعاً لا احد يعرف حجم المبالغ على المشروبات الكحولية التي ينفقها سيد الكرملين من خزينته!