تتسم المملكة العربية السعودية والدول المجاورة لها وخاصة في منطقة الخليج العربي بصفات تكاد تكون مشتركة تميزها عن مختلف مناطق العالم الاخرى وان اختلفت بعض الشيء من بلد الى آخر. فعلاوة على لموقع الجغرافي الذي يربطها، فإن شعوبها ذات اصول وجذور واحدة حيث تربطها اواصل التاريخ والعادات والتقاليد المشتركة وتدين بدين واحد هو الاسلام الذي هو مصدر عقيدتها والمحرك لتاريخها بحضارته المجيدة. سمات المنطقة ومن السمات العامة التي تؤثر في تحديد وتنفيذ اولويات العلوم والتقنية في دول المنطقة وخاصة دول مجلس التعاون الخليجي ما يلي: يعد النفط والغاز المورد الطبيعي الرئيسي حيث يشكل هذا القطاع والصناعات التحويلية عصب التنمية لهذه الدول ويعتمد عليها بصفة أساسية في الدخل الوطني. مواجهتها لظروف بيئية ومناخية صحراوية متشابهة مثل الجفاف ونقص الموارد المائية. إرتفاع نسبة نمو السكان الوطنيين. خطط تنموية طموحة في المجالات الخدمية والانتاجية ونهضة عمرانية وحضارية واسعة. تبنيها لاقتصاد السوق والتوسع في خصخصة القطاع الحكومي. اعتمادها على استيراد التقنيات الأجنبية. نقص القوى البشرية العلمية والتقنية خاصة الفنية منها، وعلى وجه التحديد القوى العاملة في البحث العلمي والتطوير التقني. الاعتماد على الخبرات الأجنبية في تصميم وتنفيذ المشاريع الكبيرة وقلة مساهمة بيوت الخبرة الوطنية بالدور المطلوب منها. لا تزال مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي حديثة العهد نسبياً ولم تُكوّن تقاليد أكاديمية وعلمية ثابتة كما لم تؤسس بعد روابط وثيقة بالقطاعات الانتاجية والخدمية للاقتصاد الوطني. عدم وجود سياسات واستراتيجيات خاصة بالعلوم والتقنية. ضعف التنسيق بين المؤسسات العامة وتلك المسؤولة عن العلوم والتقنية. التحديات والفرص تشهد دول المنطقة وعلى وجه الخصوص المملكة العربية السعودية نهضة حضارية شملت مختلف الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والصناعية، وذلك في ظل عالم يعيش اليوم ثورة تقنية هائلة تنعكس أبعادها وآثارها المستقبلية على كافة جوانب الحياة المعاصرة، الأمر الذي يتعين معه التعامل مع تلك المتغيرات بايجابية للتعرف على الفرص التي ينبغي استثمارها وتوظيفها، وتدارك المخاطر والعمل على تلافيها او تحييدها قدر الامكان. وتبقى منظومة العلوم والتقنية هي الأساس في الإعداد للمستقبل لمواجهة تلك المتغيرات والتعامل معها بكل ما يحقق التطلعات المستقبلية للتنمية الشاملة في المملكة. ان هناك بلا شك ظروفاً ومتغيرات ومستجدات كبرى على المستوى الدولي والاقليمي والمحلي تشكّل تحديات مستقبلية لاختيار وتحديد اولويات العلوم والتقنية تجدر ملاحظة مدى تأثيرها على المملكة والدول المجاورة، وبالتالي على الاتجاهات والمسارات المستقبلية للعلوم والتقنية في مواجهة متطلبات المرحلة المقبلة للتنمية. فعلى رغم ان العوامل الرئيسية في تحديد أولويات العلوم والتقنية في المنطقة ترتكز على المحافظة على البيئة واستثمار مواردها في اطار تنمية مستدامة تحفظ للأجيال القادمة مستقبلها الزاهر، الا ان التفجر المعرفي الهائل وتطبيقاته المتمثلة في تقنيات المواد الجديدة، والتقنيات الحيوية وفي قمتها الهندسة الوراثية، وتقنية المعلومات والإلكترونيات والإتصالات وما أدت اليه من تحول ظاهر لإقتصاديات الدول المتقدمة في الاقتصاد الصناعي القائم على الصناعات التحويلية الى اقتصاد الصناعات المعلوماتية. كل هذا التغير فرض واقعاً لا يمكن تجاوزه لأنه سيتيح فرصاً جديدة ومتعددة لانطلاقات غير مسبوقة للدول النامية عموماً بما فيها المملكة والدول المجاورة. السوق العالمية كما ان بدء عمل منظمة التجارة الدولية وتأثيرها في تحول الاقتصاد الوطني الى الاقتصاد العالمي والسوق العالمية الموحدة، سيجعلان من الصعب على أية دولة ان تحقق معدلات التنمية المنشودة خارج نطاق هذا السوق، بل ان التوجه نحو هذه السوق وإيجاد الميزة التنافسية للصناعات الوطنية يصبحان المحرك الأساسي للصادرات ومن ثم التطور الصناعي. ونتيجة لذلك يصبح التجديد والتطوير والارتقاء بجودة المنتجات من العناصر المهمة لتحقيق الميزات التنافسية في الأسواق العالمية ومن ثم من اولويات سياسة العلوم والتقنية. ان هذا يعني بالنسبة للمملكة والدول العربية الخليجية الاخرى، ان الاقتصاد العالمي الجديد المتسم بالمنافسة الشديدة والاعتماد على تقنيات المعلومات والمواد الجديدة والتقنيات الحيوية سيتصف ايضاً باحتكار المعرفة التقنية ذات المردود الاقتصادي وبالتكتلات الدولية المتزايدة، وهو الأمر الذي يتطلب توجيه اولويات العلوم والتقنية نحو المجالات العلمية السائدة وتقنياتها الواعدة مع تعزيز التعاون والتكامل بين دول المنطقة. كما يتطلب كفاءات جديدة من العاملين من ذوي المهارات والقدرات العالية المبدعة مما يضع اعباء جديدة على مؤسسات التربية والتعليم ليس فقط لإعداد وتنمية الكوادر البشرية المتميزة في التخصصات الجديدة التي تتطلبها المرحلة المقبلة، بل ايضاً في الارتقاء بأخلاقيات الفرد والمحافظة على قيمه ومعتقداته. اتجاهات سلبية وفي هذا الاتجاه، هناك ظروف محلية جديرة بالاهتمام تشكل تحديات المستقبل من اهمها ارتفاع معدلات النمو السكاني في المنطقة بمعدلات متسارعة تزيد عن 3.5 في المئة سنوياً، مما نتجت عنه غالبية شريحة اليافعين وما دونها. فمثلاً في المملكة العربية السعودية تشكّل الفئة العمرية 15 سنة وأقل ما نسبته 53.5 في المئة مما سيخلق بدوره ضغوطاً شديدة على النظام التعليمي لكي يستجيب للطلب على التعليم بأنواعه وفي نفس الوقت تحدياً كبيراً في التوظيف. ومن الاتجاهات السلبية المؤثرة في مستقبل العلوم والتقنية في المملكة والتي تحتاج الى تصحيح في مساراتها المستقبلية ما يلي: عدم التوازن والتكافؤ بين أعداد الملتحقين بالتعليم الفني والمهني وأقرانهم في التعليم العام والعالي. تقلص في ميول اتجاهات الطلاب نحو التخصصات العلمية والتقنية. ان تلك المؤشرات بالتأكيد توحي الى ان مخرجات التعليم لا تتوائم تماماً والاحتياجات الحالية والمستقبلية لسوق العمل التي تنحو الى الطلب المتزايد على التخصصات العلمية والتقنية والفنية لمواجهة التطورات العلمية والتقنية في القطاعات الانتاجية للاقتصاد. المعوقات في المحاور السابقة لهذه الورقة تم استعراض معطيات واقع أولويات العلوم والتقنية والتحديات المستقبلية المؤثرة في اختيارها وتحديدها، وذلك من خلال رصد بعض المتغيرات والاتجاهات العامة بصورة مجملة على المستوى العالمي والمحلي لتشكل بذلك قاعدة لاستنتاجات تكون أساساً في تحديد بعض المعوقات التي واجهت وستواجه تحديد اولويات العلوم والتقنية، ومن اهم هذه المعوقات الآتي: - نقص المعلومات والبيانات: يعتبر عدم توافر المعلومات والبيانات من اهم العوائق الرئيسية في اختيار وتحديد الأولويات في مجال العلوم والتقنية لدول المنطقة عامة. فالتخطيط للمستقبل لا يمكن ان يكون بمنأى عن تقييم الماضي والحاضر سواء من حيث معرفة ايجابياته للبناء عليها، او تحديد سلبياته لتجنب تكرارها، وبالتالي يصبح توافر المعلومات عن الوضع الراهن وانجازاته واتجاهات تطوره والتعرف على مواطن القوة والضعف لمنظومة العلوم والتقنية مطلبين أساسيين لاختيار وتحديد الأولويات وتقييمها وتطويرها بما ينسجم مع الاحتياجات الوطنية الفعلية. ويعزى عدم توافر المعلومات الكافية الى حداثة مراكز الاحصاءات والمعلومات ذات العلاقة بالعلوم والتقنية والى قلّة الدراسات المنفذة في هذا الاتجاه علاوة على ضعف التنسيق بين المراكز والمؤسسات المعنية بما يمكن المخططين وواضعي القرار من الحصول على المعلومات بسهولة وفي الوقت المحدد. - العجز الكبير في الخبرات المتخصصة: تواجه المؤسسات المعنية بتحديد او تنفيذ اولويات العلوم والتقنية صعوبات متعددة من عدم توافر الكوادر الوطنية الخبيرة في اختيار وتحديد الأولويات وذلك نتيجة الى ان هذا المجال يعتبر من المجالات الجديدة نسبياً التي لم يبدأ الاهتمام بها في الأوساط الأكاديمية إلا حديثاً. وتزداد صعوبة تلك المؤسسات في كون هذا المجال يتطلب خبرات متمرسة وذات إلمام بالأوضاع والظروف الوطنية مما يجعل عملية الاستعانة بالخبرات الأجنبية أمراً لا بد منه. - أساليب وطرق تحديد الأولويات: وعلى رغم من اهتمام كثير من الدول المتقدمة والعديد من المنظمات الدولية بتطوير طرائق وأساليب تحديد الأولويات في مجالات العلوم والتقنية فلا توجد أساليب مثلى يمكن تبنيها للتوقعات ولاختيار وتحديد الأولويات العلمية مما يجعل من اختيار طريقة مثلى لدول المنطقة أمراً غير يسير وهو ما حتّم بذل جهود مكثفة واستخدام طرائق متعددة تضمن الاختيار السليم في تحديد اولويات العلوم والتقنية. - القطاع الخص: يمثل القطاع الخاص جزءاً رئيسياً في الاقتصاد الوطني ويعتبر واحداً من اهم القطاعات المعنية بأولويات العلوم والتقنية. الا ان حداثة ذلك القطاع والصغر النسبي لوحداته نتج عنه ضعف اهتمامه بالعلوم والتقنية وبالتالي عدم مقدرته على تطوير بنيته التقنية والتنافسية، مما أدى الى ضعف تفاعله في اختيار وتحديد وتنفيذ اولويات العلوم والتقنية. - التطورات العلمية والتقنية: يتفق جميع الدول المتطورة منها والنامية على حقيقة ثابتة تتصل بعالمية التطورات العلمية والتقنية وسرعتها مما يعني ان عملية تحديد معايير وضوابط لاختيار الأولويات لا بد ان تأخذ في اعتبارها تلك التطورات في مجالات العلوم والتقنية وهو الأمر الذي يعتبر في غاية الصعوبة لواضعي سياسات العلوم والتقنية في الدول النامية بشكل عام. - السياسة الوطنية للعلوم والتقنية: يمثل غياب السياسات والاستراتيجيات الوطنية لتطوير العلوم والتقنية في دول المنطقة واحدة من اهم العقبات المؤثرة في اختيار وتحديد اولويات العلوم والتقنية التي تتوافق مع توجهات التنمية لهذه الدول، وكذلك في تحديد برامج التعاون المشتركة في ما بينها. * رئيس مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية، والمقال مقاطع من تقرير ألقاه اول من امس في المؤتمر العالمي للعلوم في بودابست.