"على رغم وجود فرق شاسع بين الآمال والتوقعات عند الطرفين الإسرائيلي والسوري على مسار التفاوض بينهما، إلا أن لدى الطرفين رغبة كبيرة وجامحة للبدء مباشرة بالتفاوض وإحياء المسار السوري من جديد". هذا ما قاله ل"الحياة" البروفسور ايتامار رابينوفيتش الذي كان سفيراً لإسرائيل في واشنطن والذي من المقرر أن يكون رجل المهمات الصعبة لرئيس الوزراء الجديد ايهود باراك في أي تفاوض مستقبلي ممكن مع السوريين. ولا يهمل رابينوفيتش الدور الأميركي في إحياء هذا المسار، لكنه يضيف أن ثمة حاجة ماسة وملحة لإجراء مفاوضات واتصالات مباشرة بين الطرفين السوري والإسرائيلي من أجل اغلاق الفجوات بين رؤية الطرفين المفاوضين وامالهما. أما زئيف شيف، المراسل العسكري لصحيفة "هآرتس"، فيؤكد ل"الحياة" ان "مسألة إحياء المسار السوري ليست معقدة بتاتاً والعديد من الجوانب التي يتجادل الطرفان عليها هي جوانب هامشية وسطحية، والعمل المركزي المهم في هذا المسار هو ما يهدف إليه الطرفان". ويحذر شيف من استمرار المقاومة اللبنانية في الجنوب اللبناني والعمليات العسكرية التي يشنها حزب الله على شمال إسرائيل. ويقول إن استمرار تلك العمليات سيلحق ضرراً بالغاً باستمرارية المسار السوري. ويستذكر شيف ما جرى عام 1993 ازاء تصعيد الوضع في الجنوب اللبناني وعملية "يوم الحساب" ابان فترة رابين، وبعدها عملية "عناقيد الغضب" في 1996 ابان فترة شمعون بيريز، ويقول إن استمرار تصعيد عمليات المقاومة يمكن أن يؤدي إلى نشوب عملية "سيارات الغضب" في عهد باراك، و"سأكون صريحاً معك: إذا استمرت سورية بدعم المقاومة، فإني سأوصي حكومة باراك بأن يهاجم الجيش السوري في لبنان". أما السفير رابينوفيتش فيبدو أكثر ديبلوماسية وأقل حدة في لهجته، إذ يقول "لو طلب مني أن انصح السوريين، فإنني اقترح عليهم ان يجربوا ولو لمرة واحدة طريقة أخرى غير تلك التي يستعملونها في الجنوب اللبناني وعلى الحدود اللبنانية مع إسرائيل وبواسطة حزب الله. واقترح عليهم أن يدعوا الضغط جانباً وان يستعملوا طريقة أخرى أقل عنفاً، الأمر الذي سيخفف بالطبع من حدة التناقضات بين جميع الأطراف". ويولي زئيف شيف اهتماماً خاصاً للرأي العام الإسرائيلي، قائلاً إن "على الطرف الآخر أخذ هذا الرأي بالحسبان، وأي اشارات ايجابية تعطى من الجانب السوري تؤخذ بجدية تامة وتقابل بالمثل". وفي مقابلة خاصة مع "الحياة" قال المستشرق تسفي البيلغ الذي شغل سابقاً منصب سفير إسرائيل لدى تركيا ما بين السنوات 1992-1996، إن "أمام باراك تحديات هائلة تشكل امتحاناً كبيراً لقيادته، ولذا فإن عليه أن لا يخيب من يعلقون عليه آمالاً وأن يصمد أمام كل تلك التحديات والمسارات. من الممكن أن يتخذ قرارات غير شعبية البتة، أما تكلفه منصبه أو تسجله في التاريخ كقائد فذ وكبير". ويضيف البيلغ ان أي زعيم إسرائيلي لا يمكنه أن يتجاهل تماماً، كأي زعيم سوري، أن متطلبات المسار السوري تتمثل باستعادة سورية السيادة على كامل هضبة الجولان واخلاء المستوطنات في مقابل اعتراف سوري بحق إسرائيل بضمانات أمنية، ومحطات رقابة وانذار مبكر، وأي شيء آخر هو مغالط للحقيقة". ويشاطر الكاتب والصحافي باتريك سيل، مؤلف سيرة الرئيس السوري حافظ الأسد، السفير البيلغ رأيه أن باراك هو المنقذ للعملية التفاوضية المقبلة، وأنه لا يوجد مكان لأي حلول مرحلية، وقد آن الآوان لأن توقع إسرائيل اتفاقاً مع الأسد، لأن الوقت ليس لمصلحتها، خصوصاً بعد خلافة الأسد. ويقدر رابينوفيتش فهم باتريك سيل للسياسة السورية، لكنه يقول عنه إنه "متحمس ومفرط في التفاؤل". وتسود لدى الطرفين رؤى مختلفة بعضهما عن بعض. إذ من خلال دراسة دقيقة لرؤية الجانب الإسرائيلي لسورية لجهة قدراتها وقيادتها وأمنها القومي، يتبين أن لدى الجهاز الإسرائيلي السياسي والعسكري الحاكم ايمان بالفرضية القائلة بأن سورية قررت اللجوء إلى السلام والمفاوضات مع إسرائيل من منطلق استراتيجي، وانها، أي سورية، لا تملك خيارات سياسية وعسكرية أخرى. وتعزو وجهة النظر الإسرائيلية هذه عدم وجود خيارات أخرى لدى سورية إلى تركها خيار التوازن العسكري، وفشل برنامج الاصلاح الاقتصادي "فشلاً ذريعاً"، وهي تحاول الوصول إلى أحضان أميركا عن طريق المفاوضات مع إسرائيل. أما التقارب السوري مع العراق، فيعتبر من وجهة النظر الإسرائيلية تكتيكاً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى دعم المقاومة اللبنانية في الجنوب. وحسب الرؤية الإسرائيلية، فإن الأسد يعلق أهمية قصوى على استمرار نظامه والحصول على تنازلات إسرائيلية في أقرب وقت ممكن، كي يضمن استمرارية هادئة للسلطة في سورية. وإذا كانت تلك الفكرة هي السائدة استراتيجياً في نظرية الأمن القومي الإسرائيلي تجاه سورية، فإن العامل اللبناني المقاومة هو أهم العوامل التي يمكن أن تحرك هذا المسار، إضافة إلى التحرك الأميركي. ويعتقد البروفسور رابينوفيتش القريب من باراك، بأن الحكومة بقيادة باراك وبمشاركة من حزب ليكود أي حكومة موسعة هي أفضل بكثير من حكومة ضيقة من الصعب عليها أن تتخذ قرارات مصيرية في المستقبل القريب، وبالتالي فإن باراك وعد أيضاً بميكانيكية الاستفتاء العام الذي سيجرى على مسألة الجولان سواء كان ليكود في حكومة أم لا، أي أنه يقول بعبارة أخرى بأن باراك يمكن أن يحاول أن يدفع ليكود إلى تنازلات مستقبلية، وإذا رفضوا ذلك، فإن الاستفتاء سيعطيه دفعاً وقوة في سياسته مع سورية، ويستطيع الاستمرار في هذا المسار من خلال التوجه إلى الرأي العام الإسرائيلي. ويعارض زئيف شيف جلب شارون إلى حكومة باراك، لأن تاريخ شارون معروف "وقد حاول جاهداً افشال بيغن وشامير ورابين وحتى نتانياهو". ويفضل شيف جلب حركة شاس إلى الائتلاف الحكومي وتوجيه الطوائف الشرقية في إسرائيل من أجل دعم العملية السلمية. ويستطرد قائلاً إن باراك قرر أن يرقص التانغو مع الأسد، كونه يضع المسار السوري في سلم أولوياته وكونه وعد الناخب الإسرائيلي بأن ينسحب من لبنان خلال عام، وعليه أن ينفذ اتفاق واي ريفر، وعلى الفلسطينيين أن ينفذوا ما التزموا به، لكي يمكن للمسارين السوري والفلسطيني أن يسيرا كل منهما بموازاة الآخر. أما رابينوفيتش فإنه يقدر أن المسارين السوري والفلسطيني مهمان ولا يمكن الوصول إلى التسوية الشاملة من دون الوصول إلى التسوية في المسارين معاً "ولكن يمكننا سلفاً أن نقدر في أي مسار نستطيع تحقيق وانجاز القدر الكبير من النتائج، ولذا فعلينا البدء بالتفاوض في المسارين وبعدها نتخذ القرار في أي مسار يمكننا أن نبذل جهوداً أكثر ونحقق انجازات أكثر". وما يفترضه الإسرائيليون من عدم وجود تنسيق سوري - فلسطيني، وهو افتراض واضح من خلال تصريحاتهم، يعطي إسرائيل مجالاً واسعاً للمناورة في وتيرة المفاوضات، سرعة وتباطؤاً، على هذا المسار أو ذاك.