عاد الموضوع السوري - اللبناني ليحتل موقع الصدارة في النقاش الاسرائيلي الدائر حول العملية السلمية. ففي الأيام الماضية نشرت صحيفة اسرائيلية نبذة موسعة عن بشار الأسد، وظهرت مقالات أخرى مطولة تناولت صحة الرئيس حافظ الأسد والأوضاع السياسية العامة في سورية. ويلاحظ ان الخطاب الاسرائيلي في موضوع لبنان أخذ يقبل بواقع ان لا سلام في لبنان من دون مفاوضات مع سورية. وهذا ما لاحظه الكاتب البريطاني باتريك سيل أثناء زيارته الى اسرائيل في نهاية الاسبوع الماضي التي التقى خلالها مع من يبدو انه مسؤول ملف المفاوضات مع سورية أوري ساغي، كما التقى برئيس الحكومة المقبل ايهود باراك، وبرئيس الدولة عيزر وايزمان. وعلى خلفية الاهتمامات الاسرائيلية بالموضوع السوري، عقد هذا الاسبوع مؤتمر خاص بسورية ولبنان في جامعة تل ابيب تحدث فيه من اسرائيل شمعون بيريز وايتمار رابينوفيتش والقى الكلمة المركزية فيه السفير الاميركي السابق لدى سورية مساعد وزير الخارجية الاميركي لشؤون الشرق الأوسط سابقاً، ادوارد دجرجيان. قال دجرجيان انه اذا كانت القضية الفلسطينية هي النواة السياسية للصراع العربي - الاسرائيلي، فإن نواته الاستراتيجية والجيوبوليتية هي العلاقات السورية - الاسرائيلية. واعتبر دجرجيان ان تقدماً على المسار السوري لا بد ان يسبق حسم مفاوضات الوضع النهائي مع الفلسطينيين، مؤكداً ان لا تعارض بين الاثنين وان تقدماً على المسار السوري سيساعد في اكمال مفاوضات الحل النهائي مع الفلسطينيين. وأشار دجرجيان الذي يعمل اليوم رئيساً لمعهد جيمس بيكر في جامعة رايس الاميركية، الى ان السلام مع سورية سيؤدي الى فتح الباب على العالم العربي كله، الأمر الذي ستستفيد منه اسرائيل. واعتبر ان باراك يعرف جيداً أين انتهت المفاوضات بين اسحق رابين والسوريين، وهو بذلك يستطيع ان يكمل ما بدأه رئيس الوزراء الراحل، خصوصاً ان المفاوضات السورية - الاسرائيلية حققت شوطاً كبيراً من التقدم منذ مؤتمر مدريد للسلام. وافترض دجرجيان ان السلام مع سورية يعني انسحاباً كاملاً، ولذلك كان لا بد من التغلب على معارضة غالبية الاسرائيليين لمثل هذا الانسحاب الشامل. ولكنه عاد واكد ان سورية مستعدة لسلام كامل مقابل انسحاب شامل، بدليل ان خيار سورية الاستراتيجي هو السلام. لكنه استبعد ان يسير الأسد في خطى السادات، لأنه يعتبر ان أي لقاء لا بد ان يختتم المفاوضات، لا أن يبدأها. ومن المتوقع ان يلتقي دجرجيان الرئيس الأسد خلال زيارة لسورية سيقوم بها مع وزير الخارجية السابق جيمس بيكر بعد لقائه برئيس الوزراء الاسرائيلي الجديد. وتطرق دجرجيان الى الأسباب التي تجعل من غير المستعجل وجوب التوصل الى حل مع سورية، فذكر واقع غياب خطر الحرب، وغياب الإرادة الشعبية الاسرائيلية المستعدة للانسحاب التام، وقال انه في ضوء اقتراب موعد الانتخابات الاميركية لا نجد موقفاً اميركياً مشجعاً وحازماً يؤكد ضرورة التوصل الى سلام في الوقت القريب. ومن المعروف ان مرشحي الرئاسة الاميركيين شديدو الحساسية للوبي الاسرائيلي عشية كل انتخابات. لكن دجرجيان عاد وشدد على ثلاثة أبعاد مهمة يمكن ان تحقق سلاماً سورياً - اسرائيلياً في الوقت القريب، أولها نية اسرائيلية بالتوصل الى حل في لبنان وتحقيق سلام مع سورية كما جاء في العديد من تصريحات المسؤولين الاسرائيليين، خصوصاً ذلك الذي دعا الى انسحاب من لبنان خلال سنة، وهو أمر يمكن تحقيقه في اثناء المفاوضات مع سورية، كما أشار دجرجيان. ثانياً، تقول التقديرات ان الأسد هو الأكثر قدرة على تحقيق السلام ودفع فاتورته السياسية اكثر من أي مسؤول آخر سيتسلم مقاليد الحكم بعد الأسد، كون أي تغيير سيمر في مخاض يصعب اثناءه تحقيق مثل هذا السلام، وهو أمر تعيه جيداً الإدارة الاميركية. وبناء عليه، فإن دجرجيان يرى ان الرئيس كلينتون يعتقد بأن الوقت ملائم لمثل هذا السلام وان "السياسة مناسبة" لهذا، وانه في كل مرة اشترك الرئيس الاميركي مع وزير خارجية في جهود شرق أوسطية مثل أواسط السبعينات وأواخرها وكذلك في بداية التسعينات، فقد نجح هؤلاء في مهمتهم. وبناء على ذلك، رسم دجرجيان خطة عمل من 11 نقطة تتضمن تدابير لبناء الثقة ومفاوضات على الاطار العام وعلى ورقة مسودة التفاوض والانسحاب من لبنان بضمانات سورية الى ان يتم التوصل الى اتفاق سلام بين البلدين، وربما يكون ذلك في واشنطن.