ينزعج الإسرائيليون حين يقول الفلسطينيون إن الحل الذي تقترح إسرائيل تفاصيله عليهم وتفرض بنوده في الاتفاقات الموقعة، من أوسلو إلى واي بلانتيشن، هو حل سيؤدي إلى نظام عنصري. ولكن الإسرائيليين يقترحون الفصل بين الشعبين، ويصرون على عمالة فلسطينية تحضر من مناطقها مع الفجر وتغادر إسرائيل يومياً مع غياب الشمس. يقترحون مناطق صناعية عند المواقع الفاصلة تخفف من الاحتكاك وتوفر الاستفادة الاقتصادية الإسرائيلية، ويصرون على نوعين من القوانين: قوانين للإسرائيلي وقوانين للفلسطيني، ويرفضون أي سلطة للشرطة الفلسطينية على الإسرائيلي حتى لو ارتكب الإسرائيلي جريمة في منطقة فلسطينية. ويقترحون أنماطاً من الانسحاب إعادة الانتشار تقسم المناطق الفلسطينية إلى مناطق يسيطر عليها الجيش الإسرائيلي بسهولة، ويتباهون بأن الفلسطيني سيمتلك حرية كاملة داخل تلك المناطق المتباعدة معازل. وحين يستذكر الفلسطينيون ان هذه المقترحات كلها هي نقل شبه حرفي لتجربة التمييز العنصري الأبيض ضد السود في جنوب افريقيا، يغضب الإسرائيليون ويثورون. ولكن لماذا لا نقرأ شيئاً من تجربة جنوب افريقيا؟ يقول نلسون مانديلا في مذكراته المنشورة حديثاً تحت عنوان "رحلتي الطويلة من أجل الحرية" انه جرت في جنوب افريقيا سنة 1948 انتخابات برلمانية تنافس فيها الحزبان: "الحزب المتحد" الحاكم بزعامة الجنرال سميث، والحزب الوطني بزعامة دانيال مالان، وهو صحافي ورجل دين من أتباع الكنيسة الاصلاحية الهولندية، وهو الذي فاز في الانتخابات. كان الحزب الفائز يدعو إلى "الفصل العنصري" قبل أن يتطور الموضوع إلى "التمييز العنصري". وعمل هذا الحزب على استصدار قوانين تضفي الشرعية على كل ما كان أمراً واقعاً. وكان هدفه ان يبقى الرجل الأبيض هو السيد، وكان يستعمل مصطلح السيادة بمعناه السياسي وغير السياسي. ويقول مانديلا: "لقيت هذه السياسة الدعم من الكنيسة الاصلاحية الهولندية، وادعت ان "الافريكانيين"، وهم سكان جنوب افريقيا من البيض، هم شعب الله المختار، أما السود فما هم إلا جنس من العبيد، وصارت التفرقة العنصرية من وجهة نظر الافريكانيين جزءاً لا يتجزأ من تعاليم الكنيسة". ويضيف مانيدلا: "كان انتصار الحزب الوطني من وجهة نظر الافريكان يضاهي عودة بني إسرائيل إلى أرض الميعاد، إذ جاء تحقيقاً لوعد الله، وتأييداً لاعتقادهم أن جنوب افريقيا هي وطن الرجل الأبيض إلى الأبد". ولو نحن استبدلنا كلمة "الأبيض" في حديث مانديلا، بكلمة "الإسرائيلي"، واستبدلنا "الأسود" ب"الفلسطيني"، واستبدلنا اسم "جنوب افريقيا" ب"مناطق الكيان الفلسطيني"، لأصبحنا أمام نص سياسي راهن يعالج الأهداف والغايات التي يعلنها باراك ومن قبله نتانياهو حول هدفه من التفاوض على المسار الفلسطيني. والأمر الناقص هنا، ان الحلول العنصرية التي انجزت وفرضت على السود في جنوب افريقيا بقسوة لا مثيل لها، عادت وتلاشت وأخلت مكانها للرجل الأسود، وأصبح مانديلا السجين رئيساً للجميع ولا بد لهذا الدرس التاريخي ان يتكرر، لأن العنصرية منافية للإنسان وللتاريخ في كل مكان.