تستحق دائرة الخالدية الانتخابية في الكويت اهتماماً خاصاً، فهي دائرة تركتها المجموعات الليبرالية والإسلامية والشيعية والقبلية مجتمعة، ولم تقدم لها أي مرشح باعتبار أنها "دائرة السعدون" ولا يجوز مزاحمته فيها. غير أن الخالدية تشهد الآن متغيرات مهمة ولم يعد أحمد السعدون، الرئيس السابق لمجلس الأمة، يملك كل الأوراق فيها. كان السعدون، الذي برز في مجال الاتحادات الرياضية في السبعينات، نجح في الوصول لمجلس الأمة للمرة الأولى عام 1975، وفي عام 1981 كرر نجاحه في الخالدية، لكنه اخفق في نيل تأييد المجلس لمنصب الرئاسة الذي ذهب لمحمد العدساني صاحب الخبرة الأوسع والعلاقات مع المجموعات السياسية والحكومة. غير أن مفاجأة سقوط العدساني في دائرته كيفان عام 1985 تركت مقعد الرئاسة فارغاً للسعدون. وفي 3 تموز يوليو 1986 حل أمير الكويت المجلس وجمد العمل بالدستور بعد توتر كبير بين الحكومة ونواب المعارضة، وقيل وقتها إن السعدون يتحمل جزءاً من المسؤولية بسبب إدارته الجلسات لمصلحة المعارضة وعدم لعبه الدور المطلوب من رئيس المجلس في معالجة التأزم ونزع فتيل المواجهة. وفي العام 1988 بدأت المجموعات المعارضة بفصائلها الإسلامية والليبرالية والشيعية تتحرك لاستعادة العمل بالدستور، وبلغ التحرك ذروته في خريف 1989 في ما عرف ب"ديوانيات الاثنين"، ووجد الفرقاء الايديولوجيون أنفسهم في متحالفين في العمل اليومي المشترك. وكانت الحاجة تدعو لزعامة رمزية للمعارضة، ولم يكن ممكناً ان يكون هذا الزعيم هو الدكتور أحمد الخطيب الليبرالي، أو مبارك الدويلة الإسلامي، أو جاسم الصقر من فئة التجار الوطنيين، أو عدنان عبدالصمد الإسلامي الشيعي. وكان السعدون هو المستقل الذي التفت حوله المتناقضات. غير أن هدير المعارضة انتهى إلى لا شيء، ثم وقعت كارثة الاحتلال العراقي ورأت القيادة السياسية الكويتية الواقعة تحت شعور مفرط بالذنب بسبب فشلها في التعامل مع الكارثة ان من العسير حكم الشعب الكويتي بعد التحرير من دون برلمان، فأعيد هذا وأجريت الانتخابات في تشرين الأول اكتوبر 1992، وانعكس الزخم السياسي فيها لمصلحة السعدون في دائرته، ففاز ب1490 صوتاً، محرزاً المركز الأول، ثم محرزاً كرسي الرئاسة في المجلس، فيما جاء محمد المرشد، الذي يتبع السعدون كظله، في المركز الثاني ب919 صوتاً هي أصوات قاعدة السعدون الملتزمة في الدائرة، وكان المرشد أحرز المركز الثاني في الخالدية في انتخابات 1981 و1985 مما دفع للقول بأن السعدون "يملك مقعدين" لا واحداً في المجلس. غير أن السعدون فقد "المقعد الثاني" في انتخابات 1996، وتمكن علي الخلف نائب الخدمات القادم من الجهراء من اختراق الخالدية على حساب المرشد، واحتفظ السعدون بالمركز الأول ولكن بتراجع كبير في الأصوات بلغ 40 في المئة. وفي الانتخابات الحالية تبدو الخالدية أكثر غموضاً، فالتجربة الناجحة للخلف في اختراق الدائرة أغرت منافسين جديدين للترشح فيها، هما الوزير السابق أحمد الربعي والمحامي جمال شهاب، كذلك هناك نائب المجلس البلدي سليمان المنصور الذي احتل المركز الرابع في انتخابات 1996. ويمكن القول بأن السعدون لن يجد مشكلة في الاحتفاظ بمقعده في الخالدية لأن منافسيه ما زالوا محدودي القوة ولن يتمكنوا من ازاحته. لذا فإنه يبدو في الحملة الحالية أكثر انهماكاً بحشد التأييد لعودته إلى كرسي الرئاسة منه على القلق على وضعه الانتخابي، لكنه بالتأكيد قلق على الرقم الذي سيحرزه أمام تزايد المنافسين، وسيكون تراجعه للمركز الثاني معادلاً للخسارة. ويسعى مؤيدو السعدون إلى حض الناخبين على انتخابه مستخدمين اطروحات مثل "ان الخالدية هي التي تقدم رئيس المجلس، ويجب أن لا تفقد هذا المجد للشامية دائرة جاسم الخرافي"، و"ان السعدون مستهدف من الحكومة وسراق المال العام"، و"انه لا يليق بالخالدية دائرة المثقفين والواعين سياسياً ان يخترقها نواب الخدمات مثل علي الخلف بوجود رمز وطني مثل السعدون". أما النائب علي خلف، فلا تبدو الظروف في مصلحته مع عدم استبعاد فرصته في الفوز بالمركز الثاني، وهو يستفيد من حقيقة ان قاعدة ناخبيه مختلفة عن قاعدة السعدون والربعي وجمال شهاب، وإن كان رصيده كنائب خدمات تراجع منذ 1996. ويخوض الليبرالي أحمد الربعي مغامرة غير واضحة النتائج في الخالدية بعد خسارته الانتخابات في دائرته الأصلية مشرف عام 1996. ويلاحظ ان الربعي الذي طالما سعى إلى الأضواء الاعلامية يتحاشاها في حملته الانتخابية الحالية بسبب رواسب دخوله الحكومة ما بين 1992-1996، وهو لم يعط أي حديث للصحافة وامتنع عن الادلاء بأي تصريح لمراسل "الحياة" لدى اتصاله به. ويفضل الربعي خوض الحملة من خلال الاتصال المباشر بالناخبين في ديوانيات الخالدية، مستخدماً مهاراته الحوارية وبريقه السياسي القديم ويستهدف شريحة الناخبين الشباب. ويترشح جمال شهاب، الذي مارس المحاماة ويشغل منصب وكيل مساعد في وزارة العدل في الخالدية، مستفيداً من مهاراته الحوارية وتقديمه طرحاً جديداً لدور النائب في البرلمان، فهو يرى أن "مجلس الأمة جهاز له وظيفة وطنية وليس مجرد ساحة مواجهة بين الأضداد". ومثل الربعي الليبرالي يجتذب جمال شهاب ذو الصبغة الإسلامية فئة المثقفين والشباب بين الناخبين، وكان حتى عام 1989 عضواً في تيار الاخوان المسلمين، لكنه استقل عنهم لخلافات منهجية ولا يزال يطمح في نيل تأييدهم الان. والمشكلة الأولى التي يواجهها شهاب أنه حصل على سبعة أسابيع فقط لتقديم نفسه للناخبين، وهي غير كافية لمرشح جديد، غير أنه يحتفظ بفرصة أكبر في انتخابات 2003. أما المرشح سليمان المنصور، ففرص حصوله على "المقعد الثاني" تبدو أفضل من الخلف والربعي وشهاب لأسباب مختلفة، أولها ان ترشيح الربعي دفع خصومه من الاخوان المسلمين والسلفيين إلى التوحد خلف المنصور ذي الميول الإسلامية سعياً لإسقاط الأول، ويملك هذان التجمعان الإسلاميان ثقلاً مؤثراً في الخالدية، كذلك للمنصور تواصل قديم مع ناخبي الدائرة.