قالت مجموعة من الخبراء الاقتصاديين المستقلين في بلغراد إن يوغوسلافيا ستحتاج إلى 40 سنة للعودة إلى المستوى الذي كانت عليه لدى بدء تشققها عام 1989، وأن خسائرها من جرّاء الحرب الجوية والصاروخية التي استمرت 11 أسبوعاً تتجاوز 6،29 بليون دولار، منها 2،23 بليون دولار من جراء خسارة فرص العمل والانتاج. وقال تقرير، أعدته مجموعة بارزة تضم 21 من الخبراء المحليين المستقلين يطلق عليها "مجموعة ال 17" وحصلت "الحياة" على نسخة منه، إن يوغوسلافيا ستحتاج إلى 15 سنة، في حال لم تحصل على مساعدة أجنبية، لبلوغ مستواها الانتاجي للعام الماضي. وأضاف: "إذا أخذنا في الاعتبار أن يوغوسلافيا كانت بحاجة قبل الحرب إلى 25 سنة إضافية لبلوغ مستواها الانتاجي الصناعي الذي كانت عليه عام 1989، فيمكن حينها الاستنتاج أن البلاد ستكون بنهاية القرن الجاري متخلفة 40 سنة عن مستوى التنمية الصناعية الذي كانت عليه عام 1989". وذكرت الدراسة، التي تعتبر الأولى من نوعها والتي نشرت في 70 صفحة، ان معدّيها لم يدرجوا الخسائر في رأس المال البشري في كوسوفو ولا خسائر السكان والقطاع الخاص فيها، ولا الخسائر التي أصابت الثروات الطبيعية والاحيائية في كامل يوغوسلافيا. وتتناقض النتائج التي خلصت اليها الدراسة مع تقديرات سابقة قدمتها الحكومة اليوغوسلافية وقدرت خسائر الحرب بنحو 100 بليون دولار. وقال التقرير إن الخسائر التي لحقت بالبنى التحتية 884،2 بليون دولار احتلت المرتبة الثانية وبعدها الموارد البشرية 3،2 بليون دولار. وتوقعت الدراسة أن يتقلص إجمالي الناتج القومي اليوغوسلافي الذي بلغ العام الماضي 442،17 بليون دولار بنسبة 7،40 في المئة، وأن يتراجع إلى 348،10 بليون دولار، مما يوصل إجمالي الدخل الفردي للسكان إلى 975 دولاراً أو نحو 5،81 دولار شهرياً وهو من أقل المستويات في أوروبا. وستتراجع الصادرات بنسبة 55 في المئة من 858،2 إلى 291،1 بليون دولار والواردات بنسبة 58 في المئة من 849،4 إلى 037،2 بليون دولار. أما معدلات البطالة فمن المتوقع أن ترتفع من 1،25 في المئة حالياً إلى 6،32 في المئة وهو معدل صعب ويحمل مضاعفات اجتماعية وسياسية كبيرة. وقال معدّو التقرير إن هذه النسبة ستظهر "فقط في حال قررت حكومة صربيا عدم تسجيل هؤلاء الناس على أنهم لا يزالون قيد العمل". وذكروا أن 250 ألف عامل سيفقدون عملهم نهاية السنة الجارية، في حين سيزيد حجم البطالة المقنّعة بنحو 500 ألف شخص. وحذرت الدراسة من أن تدمير مرافق الكهرباء ومحطات التدفئة المركزية سيؤدي "إلى احتمال بروز موجة هائلة من المهاجرين الاقتصاديين باتجاه أوروبا، لا سيما في نهاية السنة الخريف - الشتاء. وفي هذه الحال فإن أي نظام تأشيرات دخول أو رقابة أو إجراءات حظر لن يكون قادراً على منع وصول مئات آلاف الأشخاص الذين سيعملون على ترك يوغوسلافيا إلى الأبد سعياً وراء خلاصهم". ونبّه التقرير إلى حجم الأضرار غير المباشرة التي ستنجم عن تخلي المجتمع الدولي عن إدراج يوغوسلافيا في خطط التنمية المستقبلية لدول البلقان وربط بقية أوروبا بالشطر الجنوبي الشرقي منها. وكان التقرير عُرض في مؤتمر صحافي حاشد في بلغراد صباح أمس، استمر ثلاث ساعات متواصلة، وعكس اهتمام الصحافة الدولية بمتابعة الوضع الاقتصادي في يوغوسلافيا، في ظل الخلاف بين أوروبا وأميركا على كيفية تمويل إعادة تعمير البلقان، وفي ظل الربط بين تقديم المساعدات إلى يوغوسلافيا واستمرار نظام الرئيس سلوبودان ميلوسفيتش في الحكم. وقالت المسؤولة في المركز سوزانا مرغيتش ل "الحياة" إن الدراسة حرصت على تقديم حلول عملية تتناول إقامة صندوق للتعويض عن الدمار الذي ألحقه القصف ومعها تقديم مساعدة إنسانية عاجلة وعرض التمويل اللازم لتحديث الاقتصاد الوطني في يوغوسلافيا. وأضافت : "إذا أخذنا في الاعتبار أن الحكومتين الحاليتين الصربية والفيديرالية لا تحوزان على صدقية لا في البلاد ولا خارجها، فإن آفاق الحياة في يوغوسلافيا مستقبلاً لا تبدو زاهية للغاية". وحذرت الدراسة، في قراءتها للموقف الدولي وتجارب الحصار السابقة، من أن الحزب الحاكم في صربيا سجل انتصاراته الكاسحة في جميع الانتخابات التي جرت إبّان فترة العزلة الدولية والعقوبات. ودعت لهذا الغرض إلى رعاية القيام بإصلاحات اقتصادية وديموقراطية في يوغسلافيا على الفور.