مدينة الأمير عبدالله بن جلوي الرياضية تستضيف ختام منافسات الدرفت    البريد السعودي يصدر طابعاً بريدياً بمناسبة اليوم العالمي للطفل    أمير الشرقية يفتتح أعمال مؤتمر الفن الإسلامي بنسخته الثانية في مركز "إثراء"    الدفاع المدني يحذر من الاقتراب من تجمعات السيول وعبور الأودية    تهديدات قانونية تلاحق نتنياهو.. ومحاكمة في قضية الرشوة    لبنان: اشتداد قصف الجنوب.. وتسارع العملية البرية في الخيام    مذكرة تفاهم بين إمارة القصيم ومحمية تركي بن عبدالله    الاتحاد يخطف صدارة «روشن»    دربي حائل يسرق الأضواء.. والفيصلي يقابل الصفا    انتفاضة جديدة في النصر    ارتفاع الصادرات السعودية غير البترولية 22.8 %    برعاية ولي العهد.. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي    بركان دوكونو في إندونيسيا يقذف عمود رماد يصل إلى 3000 متر    «التراث» تفتتح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    المنتدى السعودي للإعلام يفتح باب التسجيل في جائزته السنوية    جامعة الملك عبدالعزيز تحقق المركز ال32 عالميًا    لندن تتصدر حوادث سرقات الهواتف المحمولة عالمياً    16.8 % ارتفاع صادرات السعودية غير النفطية في الربع الثالث    «العقاري»: إيداع 1.19 مليار ريال لمستفيدي «سكني» في نوفمبر    «التعليم»: السماح بنقل معلمي العقود المكانية داخل نطاق الإدارات    «الأرصاد» ل«عكاظ»: أمطار غزيرة إلى متوسطة على مناطق عدة    صفعة لتاريخ عمرو دياب.. معجب في مواجهة الهضبة «من يكسب» ؟    «الإحصاء» قرعت جرس الإنذار: 40 % ارتفاع معدلات السمنة.. و«طبيب أسرة» يحذر    5 فوائد رائعة لشاي الماتشا    في الجولة الخامسة من دوري أبطال آسيا للنخبة.. الأهلي ضيفًا على العين.. والنصر على الغرافة    في الجولة 11 من دوري يلو.. ديربي ساخن في حائل.. والنجمة يواجه الحزم    السجل العقاري: بدء تسجيل 227,778 قطعة في الشرقية    السودان.. في زمن النسيان    لبنان.. بين فيليب حبيب وهوكشتاين !    مصر: انهيار صخري ينهي حياة 5 بمحافظة الوادي الجديد    «واتساب» يغير طريقة إظهار شريط التفاعلات    اقتراحات لمرور جدة حول حالات الازدحام الخانقة    أمير نجران: القيادة حريصة على الاهتمام بقطاع التعليم    أمر ملكي بتعيين 125 عضواً بمرتبة مُلازم بالنيابة العامة    ترحيب عربي بقرار المحكمة الجنائية الصادر باعتقال نتنياهو    تحت رعاية سمو ولي العهد .. المملكة تستضيف مؤتمر الاستثمار العالمي.. تسخير التحول الرقمي والنمو المستدام بتوسيع فرص الاستثمار    محافظ جدة يطلع على خطط خدمة الاستثمار التعديني    الإنجاز الأهم وزهو التكريم    نهاية الطفرة الصينية !    أسبوع الحرف اليدوية    مايك تايسون، وشجاعة السعي وراء ما تؤمن بأنه صحيح    ال«ثريد» من جديد    الأهل والأقارب أولاً    اطلعوا على مراحل طباعة المصحف الشريف.. ضيوف برنامج خادم الحرمين للعمرة يزورون المواقع التاريخية    أمير المنطقة الشرقية يرعى ملتقى "الممارسات الوقفية 2024"    «كل البيعة خربانة»    مشاكل اللاعب السعودي!!    انطلق بلا قيود    تحت رعاية خادم الحرمين الشريفين ونيابة عنه.. أمير الرياض يفتتح فعاليات المؤتمر الدولي للتوائم الملتصقة    مسؤولة سويدية تخاف من الموز    السلفية والسلفية المعاصرة    دمتم مترابطين مثل الجسد الواحد    شفاعة ⁧‫أمير الحدود الشمالية‬⁩ تُثمر عن عتق رقبة مواطن من القصاص    أمير الرياض يكلف الغملاس محافظا للمزاحمية    اكثر من مائة رياضيا يتنافسون في بطولة بادل بجازان    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ابو داود : انتحلت الجنسية البرازيلية ودخلت مدينة ميونيخ الرياضية وساعدتني شابة اسرائيلية على دخول مقر البعثة الحلقة - 4
نشر في الحياة يوم 24 - 06 - 1999

تركزت الحلقة الثالثة من مذكرات أبو داود على متابعة عمليات رصد انشاء المدينة الرياضية في ميونيخ واختيار قائد المجموعة التي ستنفذ الهجوم وعدد العناصر وأنواع السلاح المطلوب استخدامه والمطالب التي ستنقلها بيانات منظمة "ايلول الأسود".
وأهم نقطة كشفها ابو داود في مذكراته هي اقدام ابو اياد شخصياً الرجل الثاني في حركة فتح على تأمين جوازات سفر اردنية مزورة ونقله السلاح برفقة تاجر وامرأة في حقائب سفر الى مطار فرنكفورت وقام بتسليمها في الفندق الى ابو داود الذي نقلها الى ميونيخ وأودعها في خزائن حقائب السفر في محطة القطار في المدينة.
الرياضة، الرياضة بالقلم العريض، صافية مثل الماء العذبة، سليمة، أخوية. الايام الاولى أتت مثيرة جداً، مع انجازات الاميركي مارك سبيتز الباهرة. افضل السباحين في التاريخ. المانيا الشرقية التي كانت مُتَجَاهَلة في السابق، لم تتخلّف عن اثبات وجودها بواسطة نوعية ممثليها. احتشدت الجموع الفرحة المتعددة الالوان امام عربات بائعي النقانق وأكشاك بيع المرطبات - يضاف اليها، وبفضل التلفزيون، ما يقارب المليار شخص - كلّهم يستمتعون بالعرض العظيم".
انها بالفعل "ألعاب السلام والفرح" كما أرادتها حكومة المانيا الغربية الاتحادية وسلطات مقاطعة بافاريا.
لم يكن يزعجنا احتمال ان يُصْدم الرأي العالمي بالعملية المدوّية التي نستعدّ للقيام بها في حرم مثل هذا. كنّا مستعدين لأي عمل من اجل منع تناسي مصير شعب وطنه محتلّ، محروم من دولة له. زد على ذلك ان اللجنة الاولمبية قرّرت ابعاد فريق روديسيا، فلماذا لا تُبعد الفريق الاسرائىلي أيضاً؟
لهذه الاسباب، لم اجد أي صعوبة في اقناع تلك الصديقة الفلسطينية التي كنا نعرفها انا وعائلتي في دمشق، بمساعدتنا.
قرّرت ان اتصل بإختها المتزوجة من الماني، كما ذكرت، وهو استاذ في جامعة ميونيخ. وبالمصادفة، كانت سهام موجودة هناك في عطلة لبضعة ايام.
سألتها: هل تتكلمين الالمانية؟
فأجابتني: اتدبّر امري، لماذا؟
لم أقل اكثر من هذا على الهاتف. لكننا اتفقنا على موعد في اليوم التالي على الجادة الكبيرة التي تحدّ الحديقة الاولمبية لجهة الشرق، عند مخرج محطة المترو "اولمبيا زنتروم" الضخمة. في مقابلتي معها صارحتها، لم أَخفِ عنها مهمتي، ولا العوائق التي كنت اواجهها في استطلاعي النهائي.
قلت لها: بما انك تتكلّمين الالمانية، فقد تتمكنين من اقناع احد الحرّاس، على احد مدخليّ القرية الاولمبية، بأن يتركنا نمرّ أنا وأنت.
فقالت: لست متأكّدة من النجاح، لكنني سأحاول على اي حال.
واستدركتُ مطَمْئناً اياها: سيكون هذا بالتأكيد اكثر فعالية مما حاولت القيام به أمس أنا وإثنين من معاونيَّ!
في الواقع كنت حاولت البارحة مع مسؤولي المجموعة الفدائية اللذين وصلا بدورهما الى المدينة البافارية، ان ندخل القرية لكنّ محاولتنا باءت بالفشل الذريع. فعلى عكس ما كتبه كثير من الصحافيين لاحقاً، نظراً الى السهولة الظاهرية الكبيرة التي قمنا فيها بعمليتنا بعد بضعة ايام، لم يكن ذلك المكان مفتوحاً لكلّ من اراد الدخول. طبعاً كان حرّاس المداخل يبدون طيبي الاخلاق، وقد خلعوا ستراتهم بحرِّية بعد ظهر ذلك اليوم الخانق من ايام الصيف، يمازحون الجمهور وحتى يقدّمون اليه ما يستطيعون من المساعدة، إلاّ انهم لم يكونوا ليسمحوا لك بالدخول إلا اذا كنت من الرسميين، او الرياضيين أو احد الصحافيين المعتمدين. خصوصاً ان سرقات كثيرة كانت تحدث في الداخل، كما أخبرت في الفندق. هكذا عند المدخل الرئيسي الذي لا يبعد كثيراً عن مدخل المترو، على طرف الساحة التي تعجّ بالناس بشكل متواصل والتي تنطلق منها الممرات المؤدية الى المدرّجات، طُردنا بلطف بعدما اقتربنا وطلبنا الاذن بزيارة القرية. ولا بد من القول أيضاً ان "تشي" لم يحسن التصرّف. اذ كان يحاول جاهداً ان يتكلم مع الحراس بانكليزية لا يفهمها احد وقد تعلّمها قبل بضع سنوات من احتكاكه بموظفين سود في احدى الشركات الاميركية في الكويت، كما قال لي، ولم يتوصّل في نهاية المطاف، بعد اصراره الكبير، إلا الى اغاظة الحراس.
فحسمت الامر قائلاً له: اصمت يا هذا! الانكليزية المكسّرة التي لا تتوقّف عن النهيق بها، لا يفهمها احد، ولن تجعلهم يفهمونك اكثر بتكلّمك معهم وانت تصرخ في وجههم بهذا الشكل!
اكتفينا اذاً بالسير على طول الطرق التي تحدّ جانبي القرية جنوباً وغرباً. وما شاهدناه لم يكن من دون منفعة: هكذا لاحظنا انه باستثناء سور الشباك المعدنية ونقاط التفتيش عند المداخل، وبعض مأموري الأمن الشبّان الذين يتنقلون بشكل منتظم بواسطة الدراجات، لم تكن هناك اي اجراءات امنية اخرى. لا اسلاك شائكة، ولا حرّاس هنا او هنالك، ولا دوريات مع كلاب الشرطة مثلاً، عند هبوط الليل. وقد تحققنا من ذلك عند بقائنا في الحديقة حتى وقت متأخّر.
باختصار، لم يكن هناك ما يشبه الموقع المحصّن. ولكن على رغم هذا، كان لا بد لنا من استكمال استطلاعنا داخل القرية. واذا كنّا قد سبق ان حدّدنا كيف، وفي أي نقطة سيعبر الفدائيون السياج اثناء الليل، فليس لدينا ادنى فكرة عمّا سنقوم به بغية احتلال الجناح الذي يشغله الاسرائيليون. على خريطة للمكان اقتطعتها من احدى الجرائد، كان يبدو موقع البناء بشكل واضح: عملياً، في طرق الكونوليشتراسيه احدى طرق المشاة الثلاث الكبيرة التي تنطلق من مدخل القرية الرئيسي في الشرق بإتجاه الغرب بشكل متعرّج. لكنّ المشكلة هي ان هذا الجناح الذي يحمل الرقم 31، لم يكن مسكوناً من الاسرائيليين فقط، بل من الاوروغوانيين أيضاً ومن بعثة هونغ كونغ. ومن دون الامعان في التفاصيل، كيف نتجنّب ان يخطئ الفدائيون الشقق؟
لهذا السبب، ومن أجل الاستفهام عن مصدر لمعلومات من هذا النوع، قرّرت ان اتصل بإخت سهام من دمشق على الهاتف. كنت اجهل تماماً آنذاك انها موجودة في ميونيخ . ولكن برفقة صديقتي هذه التي تتكلّم الالمانية، أصبح بإمكاني ان أوسّع من طموحي وأحاول مجدّداً الدخول الى القرية الاولمبية.
وبدل التقدّم من المدخل الرئيسي، حيث كنت أخشى ان يتعرّف احدهم عليّ، توجهنا انا وهي الى مدخل آخر، خلف القرية، وبالتالي لجهة الغرب. كان لهذا المدخل فائدة إضافية هي قربه من الجزء الذي يهمنا من كونوليشتراسيه. من هنا يأتي ويذهب الرياضيون الى جلسات التمرين في القاعات والملاعب التي وضعت في تصرّفهم خارج حدود القرية، كذلك فرق التلفزيون التي لها استوديوهات وطاولات مونتاج في احد المباني المخصص لها، والذي كان قائماً قبالة المدخل. تصوّروا حركة العبور في تلك النقطة، كنّا ننوي ان نستفيد جيداً من هذا الظرف.
كانت النتيجة أهم من كل توقعاتنا.
وفق سيناريو وضعناه سويا، بعدما رأينا قبل بضع دقائق رياضيين برازيليين يعودون الى شققهم، سألت صديقتي احد الحراس:
- صديقي برازيلي. يعتقد انه تعرّف على احد رفاق مدرسته القدامى في فريق البرازيل الذي دخل لتوّه. لدينا فرصة كي نلحق به ونلقي التحية عليه. هل يمكنك ان تدعنا ندخل؟ لخمس دقائق فقط، عشر دقائق على ابعد حدّ. نخرج فوراً بعدها...
- هذا غير قانوني، "ماين فرولاين" ]يا انستي[. ولكن ... ليس لأكثر من عشر دقائق، أليس كذلك؟
- بالطبع.
اشار الحارس علينا بالمرور. وإمعاناً منّا في الخداع، أخذنا نحن الاثنين نركض بأقصى سرعة كي نوهمه اننا نحاول فعلا اللحاق بأولئك البرازيليين. ثم اختلطنا بجموع الرياضيين المتنقلين في تلك الناحية وأسرعنا في الاختفاء عن انصار الحرّاس والوصول الى المكان المنشود اي كونوليشتراسيه.
عند وصولنا سرنا بجانب الطريق المقابلة للمبنى رقم 31 الذي كنا نبحث عنه. مشينا بادئ الامر بمحاذاة مبنى ضخم على يسارنا لجهة الشمال يحمل الارقام 26-28 تقيم فيه بعثات الارجنتين وتوغو وتونس ولبنان، ثم مبنى آخر، اكثر ضخامة عليه الارقام 20-24، يشغله بكامله الالمان الشرقيون. عند هذه النقطة، توقفنا قليلاً: كان لدينا متسع من الوقت لنراقب بحرية المبنى الذي يقيم فيه الاسرائيليون، امامنا تماماً ولجهة الجنوب. المبنى متواضع، طويل، مؤلف من طبقتين فقط، غير اننا من حيث كنا واقفين انا وسهام، خلف حوض للأزهار في وسط الطريق، لم نستطع ان نحدد مكان اقامة الاسرائيليين من مكان بعثتي الاوروغواي وهونغ كونغ اللتين تقيمان في الجناح نفسه. اما الباب الزجاجي على طرف المبنى تقريبا، لجهة القرية، فكان يعطي الانطباع بأنه المدخل الرئيسي، لكن سلسلة من الابواب على طول الواجهة كانت تفضي، على ما يبدو، الى شقق صغيرة مستقلة الواحدة عن الاخرى.
قلت عندها لصديقتي: تعالي، اريد ان اتأكد. لنذهب ونتحقق اذا كان المبنى الذي يقيم فيه السعوديون والسودانيون يشبه هذا.
فاستعنت بالخريطة التي حملتها لأتبين ان هذا المبنى يقع على الجهة نفسها من الطريق، على بعد 150 متراً او 200 متر تقريبا. ولأنني تجولت في المكان اثناء اعمال البناء، تذكّرت ان هذا الجناح الذي نسير باتجاهه انا وسهام مسرعين، له الشكل الخارجي نفسه تقريباً للجناح الذي يقيم فيه الاسرائيليون.
قلت لسهام، وكنا نرى علم السعودية يرفرف خلف مجموعة من الشقق الاكثر انخفاضا تشغلها بعثة نيوزيلندا:
- اذا كان فعلا يشبهه في كل النقاط، سأطلب السماح لي بالدخول في زيارة اكوّن بعدها فكرة افضل عن الوضع، نضع بموجبها انا ورفافي الخطوط العريضة لعمليتنا.
عند وصولنا صح ظني تماما، فالهندسة هي عمليا مثل هندسة مكان اقامة الاسرائيليين. دفعت باب مدخل الردهة فالتقيت سودانياً، وهذا افضل، فالسعوديون بشكل عام لا يتكلمون اللغات الاجنبية، وكنت افضّل ان استمرّ في الادعاء أننا برازيليون.
خاطبته بالانكليزية سائلاً: قيل لي ان هناك مسجداً في هذا المبنى، فهل هذا صحيح؟
في الواقع كنت اعرف عقلية السعوديين. اينما حلوا، يقيمون مصلّى.
فاجابني السوداني: هذا صحيح، لقد حولت البعثة السعودية احدى غرف الطبقة العليا الى مسجد صغير.
- هل يمكننا ان نراه؟
قال الرجل: آه، لمَ لا! الحقا بي. من ايّ بلد انتم؟
- من البرازيل.
قال مقهقها: آه، البرازيل. كرة القدم! بيليه! هذا لاعب كبير!
اثناء صعودنا معه التقينا بعض السعوديين بلباس التمرين، كانوا يتفرّسون فينا انا وسهام فتكلم معهم السوداني ببعض الكلمات العربية، لم يكن يتصور اننا نحن انفسنا من العرب.
قال لهم: "لاتينيون"! لا يصدّقون ان ثمة مسجداً هنا! سأدلّهم.
في الطبقة العلوية، استطعنا ان نرى من سفرة الدرج صالة كبيرة، مشرعة الابواب، مغطاة بالسجاد.
فأوضح السوداني قائلا: ها هو هنا. اما اذا كنتما تودان الدخول فيجب ان تخلعا حذائيكما.
أجبته: لا، لا، هذا يكفي، كنا فقط نريد ان نرى.
واستدركت بسرعة وسألته: هل اقامتكم هنا مريحة، مع بعثاتكم؟
- آه اجل! نشعر بالراحة. لدينا التلفزيون وهناك الشرفات.
- هل يمكننا ان نرى؟
- اجل، اجل، بالطبع.
قمنا بجولة على الغرف وعلى الشرفات ايضاً. كل الغرف في الطبقة الأعلى لها شرفات خاصة بارزة. ولاحظت ان المساكن في الطبقة الارضية تفتح هي ايضاً الى الجهة الخلفية. وقلت في نفسي: لا بدّ ان تكون مساكن الاسرائيليين بالشكل نفسه.
لكن الوقت حان للرحيل، فقد انقضت عشر دقائق على وجودنا هنا. لم اكن اريد ان اثير قلق الحرّاس الذين سمحوا لنا انا وسهام بالدخول الى القرية - الله يعلم كيف تجري الامور، اذا لم نظهر من جديد، وخصوصاً في حال احتجت للعودة من اجل استطلاعات اخرى. من الافضل ان اتفاهم معهم بشكل جيد.
عند عودتنا مررنا مجددا امام الجناح الاسرائيلي، فتوقفت لحظة امام لوحة مثبتة على سيبة منصوبة على الرصيف. عند مجيئنا لم ننتبه اليها وكانت هذه غلطة منا، فهي تحدد في الواقع الشقق حيث تقيم هذه البعثة او تلك التي في المبنى 31.
لم يكن في الجوار اي من مأموري الامن. مع ذلك وجدت انه من دواعي الحذر الا آخذ قلمي وادون كل هذه التعليمات على ورقة. حاولت جهدي ان آخذ صورة ذهنية عن اكبر كمية ممكنة من العناصر. تقيم البعثة الاسرائيلية في ست شقق متلاصقة كما عددتها، بدءا من يسار المبنى كلها على ما يبدو في الطبقة الاولى الارضية. اما الشقق التي على اليمين فقد اعطيت للاوروغوانيين الذين يشاطرون الطبقة الثانية ايضا مع بعثة هونغ كونغ.
ذُكرت على اللوحة ايضاً، بما يختص بكل شقة، اسماء المقيمين فيها الا انه من المستحيل ان احفظها كلها في هذا الوقت القصير.
احصيت في المجموع 21 اسماً اسرائيلياً. وأثار فضولي تخصيص شقتين لبعثتهم، الرقم 5 و6، في حين انه لم يظهر سوى اسم مقيم واحد في احداها وما من احد في الثانية. هل هي قاعات اجتماعات؟ ام شقق خالية بسبب تخلّف بعض الرياضيين ام بسبب مغادرتهم في اليوم الرابع من الالعاب؟ وقلت في نفسي: لمَ لا تكون مقر رجال امن مدسوسين في البعثة؟
همست لسهام قائلا: فلنرحل، حفظت ما يكفي من المعطيات، على اي حال لا اعتقد ان هناك سبيلاً لمعرفة المزيد.
دامت الزيارة عشرين دقيقة بكاملها.
اعتذرت سهام من الحارس الذي سمح لنا بالدخول قائلة: الف اعتذار، سيدي، على تخطينا الوقت الذي سمحت لنا به بلطفك.
فسألنا، بعدما قبل سيجارة من العلبة الاميركية التي قدمتها اليه: هل تمكنتم من رؤية اصدقائكم على الاقل؟
فأجابته سهام: نعم بالطبع، لهذا السبب بالضبط طال كثيراً لقاء صديقي ورفيقه القديم. على اي حال، شكراً جزيلاً سيدي.
وأضفت من جهتي كي اقول شيئا:
- "ثانك يو فيري متش" شكراً جزيلاً.
فأجابني الحارس بدوره: "يو ويلكام" على الرحب والسعة.
ابتعدنا ونحن نلوّح له بأيدينا راضين عن نزهتنا القصيرة في القرية وبالنسبة اليّ عن كوني تصادقت نوعا ما مع احد رجال الامن الذي يتكلّم الانكليزية علاوة على ذلك.
هكذا اعلمت سهام قائلاً: ربما يبقى الحراس انفسهم غداً في هذا المكان. سأسعى للعودة والدخول مجددا الى القرية، مع رفيقيّ هذه المرة.
فصاحت: لم تعد بحاجة اليّ اذن؟
- لا. قمت بالكثير من اجلنا، اشكرك كثيراً. الا انني سأطلب منكِ شيئا اخيرا: لا تخبري اختك بأي شيء من هذا، ولا صهرك بالطبع. يجب أن يبقى هذا الامر سراً بيننا نحن الاثنين. واذا صادف ان سألوك عما فعلته اثناء النهار، أجيبي بأنك رأيت صديقاً من دمشق يمرّ في المانيا من أجل بعض الاعمال، واننا تنزّهنا في الحديقة الاولمبية وقمنا ايضاً بجولة في المدينة ناحية مارينبلاتز. مفهوم؟
- مفهوم!
وبالفعل، ذهبنا سوية نشرب كأسا في احد المقاهي وسط المدينة، ثم افترقنا.
وفي لحظة ذهابها لتأخذ المترو قالت لي: ليكن الله معك!
فتمنّيت لها بدوري قائلا: ليحميك الله انت ايضا!
في اليوم التالي عدت الى الحديقة الاولمبية مع مسؤولَيْ المجموعة الفدائية، والهدف هذه المرّة معاينة المبنى حيث يقيم الاسرائيليون في القرية بالداخل، فبحسب الوصف الذي قدمته الى رفيقيّ، لم يبدِ لي من السهل احتلال كامل الشقق التي تشغلها البعثة الاسرائيلية دفعة واحدة وبثمانية رجال فقط، اذا لم تكن الشقق متصلة بعضها ببعض. ومن الضروري التحقق من هذه النقطة.
دخلنا القرية بسهولة، فالحارس الذي ادخلنا أمس كان موجوداً على المدخل الغربي وتذكرني على الفور - وكيف له ألا يتذكرني مع قامتي العملاقة!
فصاح قابلآً مني مرّة اخرى السيجارة التي كنت اقدمها اليه، وقال: آه، ولكنك تأتي كل يوم الى الحديقة!
اجبته: هذا طبيعي، لقد أتينا انا وصديقيَّ خصيصاً من البرازيل لحضور الألعاب.
فسألني متعجباً ربما للفرق الكبير بين حجمي وحجم رفيقيّ فمحمد مصالحة ذو قامة صغيرة، مثل تشي.
- هم ايضاً برازيليون؟
فارتجلت قائلاً للحارس: هل تعلم؟ ان صديقيّ غاضبان بعض الشيء مني. فقد اخبرتهما انني تمكنت في الامس من الدخول الى القرية ومقابلة بعض الرياضيين من بلادنا.
- انهما يشعران بالغيرة اليس كذلك؟
- اجل، لهذا السبب اسمح لنفسي بأن اطلب منك خدمة.
لم يدعني اتكلم، وكان قد فهم.
فغمزني وهو يهمس قائلا: حسنا، ادخل مع صديقيك!
هكذا بدأت الامور على افضل ما يمكن.
وهذا لم يكن شيئاً نسبة الى ما كان ينتظرنا. بعد خمس دقائق، فما ان وصلنا الى امام المبنى حيث يقيم معاً الاسرائيليون والاوروغوانيون وموفدو هونغ كونغ، حتى رأيت فجأة امرأة شابة سمراء مرسلة الشعر تخرج من الباب الزجاجي الكبير الى يسار المبنى.
وعلى ما بدا لم تكن احدى الرياضيات: فهي لا تلبس بذلة تمرين، كما ان محفظة الوثائق التي في يدها جعلتها تبدو لي في الواقع كاحدى المرافقات. يبقى ان هذا اعطاني فكرة. فذهبت لملاقاتها.
سألتها بالانكليزية قائلا: عذراً آنستي، هل هذا مقر البعثة الاسرائيلية؟
- فعلاً، ماذا تريد منها؟
اجبتها قائلاً: انا احلم بزيارة اسرائيل. انا برازيلي، مثل صديقيّ اللذين يرافقاني. هما أيضاً يحلمان بالذهاب يوماً لقضاء عطلة في اسرائيل. نتمنى الحصول على كراسات دعائية عن بلدكم. قد يكون لديكم ايضاً اعلاما اسرائيلية صغيرة تعطوننا اياها، نأخذها معنا الى اطفالنا.
كانت المرأة الشابة اسرائيلية بالفعل.
قالت لنا: سأجدها لكم، الحقوا بي.
عادت ادراجها الى الجناح الاسرائيلي ودخلنا القاعة وراءها، حتى انها رجتنا الدخول الى احدى شقق الطبقة الارضية الى زاوية المبنى. كان المسكن يبدو عملياً جدا، مثل المساكن التي تمكّنت من زيارتها في الامس عند مروري في الطبقات العليا من مبنى السعوديين والسودانيين: اثاث فاقع الالوان، ومطبخ بباب جرار، وفسحة تستعمل كصالة طعام مع فرق واحد هو وجود درج لولبي داخلي.
فصحت متعجباً امام الامرأة الشابة التي كانت توزّع على كل منا بعض الكتيّبات وقلت: عجيب هذا السلم الداخلي! هل يصعد هكذا الى اعلى البناية؟
اجابت وهي تضحك قائلة: لا، لا. هذه الشقة دوبليكس.
وسألتها مدّعياً الدهشة: كيف تكون الشقة دوبليكس؟
- كيف اقولها لك؟ شقة موزعة على طبقتين.
فسألتها مجددا: هل كل الشقق هنا مثل هذه؟
- شقق الطبقة الارضية، اجل.
كان محمد وتشي في هذا الوقت يلتزمان الصمت. فقد أخطرت تشي قبل دخولنا القرية بالتزام الصمت التام، وبألاّ يحاول التحدث من تلقاء نفسه الى اي كان ممّن نلتقيهم وبأن يدعني اتصرّف. وكانا يقلّبان صفحات الكتيّبات الغنية بالصور التي اعطتنا اياها الاسرائيلية الشابة.
فتابعتُ من ناحيتي، طرح كل انواع الاسئلة: فيما اذا كانت اقامة البعثة الاسرائيلية مريحة، اذا ما كانت تتمتع بكل الفسحة اللازمة في شقتها.
فأجابت بتهذيب: انت ترى بنفسك، ان المكان بالحري مريح، اليس كذلك؟
ثم دلتنا الى احدى الغرف في الطبقة الارضية وكانت تفضي الى الجهة الخلفية من المبنى، ناحية الحديقة. وقد لاحظنا وجود سريرين مرتبين.
فأوضحت لنا قائلة: يقيم في كل غرفة اثنان من رياضيينا.
ثم اصعدتنا الى الطبقة الاعلى بواسطة السلم الداخلي. كانت هناك غرفتان، احداهما تطل على الطريق والاخرى على الحديقة.
وقالت لنا: حظكم جيد، لأن رياضيينا هم اما يتدربون الآن واما يشاركون في المسابقات. لا اعتقد انني كنت استطعت ان اجعلكم تزورون غرفهم لو كانوا هنا...
واثناء قيامنا بجولتنا في الشقق، كنا انا ورفيقي نحفظ كل التفاصيل: تلفزيون هنا، هاتف هناك، وايضا المشاهد التي كنا نراها من زجاج النوافذ، اخيراً غرف الشقق التي يمكن اقفالها من الداخل. وتابعت المرأة الشابة، عندما عادت بنا الى القاعة عند مدخل المبنى الرئيسي قائلةً: أليس تصميم البناء هذا جيداً من اجل ستة او سبعة اشخاص؟
ثم توقفت عن حديثها وقالت: آه، يا لغبائي! لقد نسيت إعطاءكم الأعلام الصغيرة التي طلبتموها مني. انتظروني هنا، سأعود وأجلبها لكم.
عادت الى الشقة. اغتنمت الفرصة أنا ورفيقيّ لنلقي نظرة دائرية على القاعة ومخارجها. فبالإضافة الى السلّم والمصعد اللذين يوصلان الى الطبقة الأعلى، كان هناك سلّم يوصل الى القبو. لكنّ أحد تفاصيل القاعة لفت نظري: لم نكن نرى في الطبقة الارضية ايّ ممرٍ أو باب يوصل الى الشقق الاخرى. بكل تأكيد، ليس من الممكن الدخول الى سائر شقق الطبقتين التي يشغلها الاسرائيليون إلاّ من الخارج.
عادت المرأة الشابة أخيراً ومعها بضعة أعلام. ولم يبق امامنا سوى ان نشكرها. كانت تلك "المعتّرة" لا تشكّ إطلاقاً في انها، ومن دون معرفتها، قد سهّلت مهمتنا بشكل كبير. اصبحنا نعرف الآن أول اهداف مجموعة الفدائيين: السيطرة على تلك الشقّة التي زرناها معها. كانت الشقة معزولة بعض الشيء على طرف المبنى، لكنها تتحكّم في الوقت نفسه بأكبر عدد من المخارج، وبمداخل الطبقة العلوية والقبو. وعند احتلال هذه الشقة واحتجاز ساكنيها، يجمع فيها الفدائيون بقيّة الاسرائيليين الذين يتمّ أسرهم في الشقق التي لا يمكن دخولها إلاّ من الخارج.
* من كتاب "فلسطين: من القدس الى ميونيخ".
* * الحلقة الخامسة السبت المقبل.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.