لم أكنْ أعلم بأن زيارتي مستوصفًا بجدَّة لوعكةٍ صحيَّةٍ ستكون لحظة ميلاد فكرة تحقيق صحفي، يكشف عن تقديم بعض المستوصفات الخدمات العلاجيَّة لمجهولي الهويَّة، مقابل 30 ريالاً، ففي طابور الانتظار مع المرضى، وقبل مناداة الممرضة باسمي للدخول على الطبيب، جالت العديد من الأفكار والتساؤلات في خاطري: هل هذه المنشآت التي تقدِّم الخدمة العلاجيَّة، تلتزم بتعليمات وزارة الصحة بضرورة إبراز بطاقة الأحوال المدنيَّة للمقيمين، وهويَّة مقيم للمقيمين، أم أنَّها لا تهتم إلاَّ بجمع النقود حتَّى لو كان ذلك فيه إضرار بالبلد؟ وتساءلتُ: كيف يتمُّ علاج المخالفين، والعديد منهم يكون لديه عائلة؟ وهل هنالك طرق للاحتيال وفتح ملف للمريض المخالف؟ من هنا بدأتُ رحلتي متقمِّصًا دور أحد العمالة الوافدة المخالفة لأنظمة الإقامة، وانطلقتُ بجولة ميدانيَّة في أحياء جدَّة من مستوصف إلى آخر. استقبال مكفهر وطبيب متعجل ب30 ريالاً ارتديتُ زيًّا مناسبًا لشخصيتي الجديدة، وانطلقتُ أبحث عن المستوصفات، اتَّجهتُ إلى جنوب جدَّة، وجدت مستوصفًا بحي الكندرة في عمارة سكنيَّة، فكان أوَّل ما لفت نظري هو عدم وجود ممر خاص لذوي الاحتياجات الخاصَّة، وهناك فقط سلالم من 6 درجات، صعدتُ، ودخلتُ، ووجدتُ أمامي موظَّفة الاستقبال من جنسيَّة عربية في عقدها الرابع، وبجانبها لوحة مكتوب عليها «مطلوب موظَّفات سعوديَّات»، وبوجه عبوس استقبلتني بسؤال: ماذا تريد؟ قلتُ: أريد أن أقابل الطبيب العام. وكم يكلِّفني الكشف؟ قالت: 30 ريالاً، فوافقتُ على الفور، وسألتني: ما هي جنسيتك؟ أجبتها بأنَّني من جنسيَّة عربيَّة.. فسألت: هل لديك إقامة؟ أجبت: لا أحمل إقامة! فأرجعت ناظريها إلى الحاسب الآلي، وأكملت الإجراءات. دخلتُ على الطبيب، وسألني: من ماذا تشتكي؟ فقلت: معدتي تؤلمني، وأتقيأ كل ما آكله. فلم أنته من شكواي حتى كتب «روشتة» أدوية في ورقة وتمنَّى لي الشفاء . موظفة تستأذن من طبيبة لتجاوز التعليمات توجهت إلى حي مشرفة ووقعت عيني على مستوصف بجانبه حلقة خضار عشوائية ومجموعة من الباعة المتجولين، أوقفت السيارة بعيدًا عن المستوصف واتجهت إليه وعندما دفعت الباب كانت هناك ممرضة في مكتب الاستقبال آسيوية الجنسية وبجانبها ورقة تحذيرية من المستوصف تفيد ضرورة ابراز الهوية. وقفت في طابور الانتظار حتى جاء دوري وقلت للممرضة أريد كشفا عند طبيب عام، بكم؟ قالت: أنت أجنبي.. أجبتها بنعم هل لديك إقامة: قلت لا، قالت اذهب إلى الدكتورة واسألها إذا وافقت على تقديم العلاج لك، فذهبت ووجدتها طبيبة كبيرة وطلبت الإذن منها للعلاج فأذنت لي . تدبير ولادة امرأة دون أوراق ثبوتية توجهت إلى حي الشرفية، ووجدت مجمعًا طبيًّا وعند الدخول استقبلني موظفون من جنسية آسيوية ودار نفس السيناريو لم يسألا هل أملك إقامة أم لا فقط أخذا المبلغ وتوجهت إلى الطبيب على الفور وحصلت على روشتة مليئة بأسماء العلاجات، وقبل خروجي قلت لإحدى الطبيبات: أريد أن أطلب منك طلبًا، قالت: ماذا؟ أجبتها بصوت منخفض: أنا متزوج بامرأة من جنسية إفريقية لأكثر من 10 شهور وهي حامل وبقي على ولادتها أقل من أسبوع، ولا تملك أي أوراق ثبوتية، وأنا لا أعرف ما العمل الآن.. صمتت قليلاً ثم قالت: أحضرها لمكتبي غدًا وأنا أفحصها، وأرى إذا اقترب موعد الولادة أو لا، وقبل أن تصعد إليَّ افتح ملفًا باسمها، واطلبني باسمي ثم أعلمك ماذا تفعل بعد ذلك، كنت أريد معلومات أكثر من الطبيبة، فسألتها: بكم سوف تقومين بالعملية؟ قالت: أحضرها أولاً ثم أفحصها ثم أعلمك ماذا تفعل، حاولت أن أخرج منها بمعلومات إضافية ولم أستطع فخرجت من عندها. موظفة مستوصف: لا توليد للمخالفات ولكن هناك من يساعد دفعتني التجربة السابقة للتفكير: كيف أجد طريقة أعرف بها مستشفى أو مستوصفا يقوم بتوليد نساء المخالفين وماهي الإجراءات التي يتبعونها، والتكاليف؟ في اليوم التالي بدأت في إكمال ما بدأته وقررت الذهاب إلى البلد بحكم وجود الكثير من العمالة الوافدة وقرب العديد من الحارات الشعبية حتى وصلت إلى سوق الخيمة، دخلت السوق اسأل حراس الأمن هل هنالك مستوصف؟ أجابني أحدهم: يوجد في حي السبيل، وعندما وصلت وجدته عبارة عن مستوصف بلوحة بالكاد تستطيع أن تقرأها وعند الدخول وجدت نفس الصور التي كنت أراها في باقي المستوصفات والمجمعات الطبية، وافد يشغل وظيفة موظف الاستقبال وأطباء أجانب والعلاج بدون إقامة مسموح ولا يعمل في المستوصف غير امرأة سعودية واحدة، وهذا ما قالته لي عندما توجهت إليها وبدأت الحديث معها وفي نهاية حديثي معها قلت لها قصة امرأتي الإفريقية فقالت: لا يمكنك أن تقوم بذلك في ذها المستوصف ولن يفيدوك بشيء ولكن أذهب إلى أحد الأحياء في النزلة أو الشرفية ستجد أحدًا يساعدك. عيادة «ختان» في عمارة سكنية بالبلد أثناء تجولي في أحياء البلد وجدت عدة لوحات مكتوب عليه أسماء أطباء معلقة على شقق سكنية بقرب من دوار البيعة، فسألت بعض المارة: هل الطبيب موجود فكانوا يقولون: هذا الطبيب قد ترك المكان منذ مدة طويلة. لفتت نظري لوحة صغيرة في أعلى عمارة على الشارع مكتوب عليها طبيبة عامة، وفي الدور الثاني وجدت عيادتها وبجانبها جارها واضعا لوحة مكتوبا اسمه عليها ويطلب فيها عدم الإزعاج، فتحت الباب ودخلنا أنا والمصور، وكانت الشقة مجهزة بمقاعد انتظار وهناك مكتب صغيرة لاستقبال الطلبات وأصوات بكاء الأطفال في كل مكان فعرفنا بأنها طبيبة أطفال. وكان بجانبي أحد الآباء فسألته عن الطبيبة وقال: إنها مشهورة ومعروفة لكثير من الأهالي يأتونها لعلاج أطفالهم وسبب شهرتها أبوها فقد كان طبيبا وأكثر الذين يأتون هنا لختان أطفالهم، وما إن انتهى حتى جاءت موظفة الاستقبال وكانت سعودية فسألتها أريد أن أقوم بختان طفلي، فقالت: كم عمره؟ قلت: شهر، ردت علي أن العملية تكلف 250 ريالا، وإذا كان أكبر من شهرين تكلف 400 ريال، وبعد أن انتهت قلت لها أنا لا أملك إقامة هل هنالك مشكلة قالت: لا . مستشفى يجري عمليات ولادة للمخالفات والمجهولات في جنوبجدة وجدت أحد المستوصفات المعروفة والعريقة وعند دخولي لم أتوقف عند موظفة الاستقبال، بل دخلت مباشرة إلى أخصائية النساء والولادة وكانت آسيوية، وسردت لها قصتي المزيفة عن زوجتي الحامل فأجابتني بأن هنالك طبيبة في مستشفى بحي العزيزية تستطيع أن تفيد . وذهبت إلى الأخصائية بالمستشفى وقلت: لدي حالة طارئة وبدأت أقص عليها حالتي فقبلت بمساعدتي وأعطتني ورقة صغيرة مكتوبا عليها باللغة الإنجليزية، وقالت اذهب إلى مكتب 33 . أخذت الورقة وتوجهت للمكتب وعند الوصول وجدت مكتبين أحدهما به موظفة أجنبية وموظف سعودي شاب، فتحدثت معه وأعطيته الورقة، وبدأ يشرح كيفية التعامل مع مثل هذه الحالة قائلًا: تدفع 10000 ريال مقابل العملية والولادة لنا وتدخل الزوجة الحامل، ونقوم بتوليدها على أن تحضر شخص تثق به معه إقامة سارية المفعول نأخذ بأوراقه الثبوتية ونسجل بأنه هو المسؤول عن الحالة. «الصحة»: عقوبات على المخالفين..وعيادات العمارات بموافقة البلديات أوضح مدير ادارة العلاقات العامة بوزارة الصحة عبدالرحمن الشمراني ل «المدينة» أن وزارة الصحة تفرض الرقابة على مستوصفات القطاع الخاص، مبيناً أنها تشدد باستمرار على جميع منشآت القطاع الخاص بعدم استقبال أي حالة ليس لديها اثبات للهوية، وإذا ثبت لدى «الصحة» من خلال جولاتها التفتيشية وجود حالة يتم فيها تقديم خدمة طبية لها بدون اثبات هوية فإنها تحال للجان المختصة لتطبيق العقوبات، كما أن التعاون قائم بين الوزارة، وإمارات المناطق، والجهات الأمنية لضبط مثل هذه التجاوزات، واضاف: لا يشترط وجود هوية في حالات إنقاذ الحياة. وفيما يتعلق بالترخيص للعيادات الطبية في عمارة سكنية، أبان أن موافقة البلدية تعتبر الأساس في قبول وجود المؤسسات الصحية في عمارة سواء كانت سكنية ام تجارية مع ملاحظة أنه في الوقت الحالي لا يتم الترخيص من البلديات الا في مبنى تجاري. الدخول بهوية نظامية لشخص آخر في رحلتي بحي السبيل هممت بالعودة إلى سيارتي ووجدت المسافة بعيدة والليل قد أليل، وتعبت من المشي، فأوقفت سيارة أجرة وسألته هل يعرف أحدًا قام بتوليد بدون إقامة أومستوصف آخر يقوم بالعلاج بدون طلب أوراق ثبوتية، وأخبرته بأن لدي امرأة مجهولة حاملا وأريد أن أجد لها مستشفى للولادة، فأجابني أنه يعرف طبيبة تعمل في مستشفى، ولكنها لم تعد موجودة الآن، وسألته عن مستوصف أستطيع المراجعة فيه، أيضًا ولا يدقق في الأوراق الثبوتية فذكر العديد من المستوصفات، وأخبرني عن طريقة للتحايل إذا لم يسمح المستشفى أو المستوصف بدخولي دون بطاقة ثبوتية، وقال: تستطيع أن تأتي بأي شخص لديه إقامة تدخل باسمه وتتلقى العلاج اللازم، وهذا ما قمت به لأحد معارفنا فقد كان بدون إقامة وأصيب بكسر في قدميه ولم يدخله المستشفى وطلب منه أي شخص يملك إقامة تدخل بها ونعطيك العلاج، ونجحت الطريقة وتعافى من الإصابة بعد عدة أشهر.