اي الارادات انتصرت في حرب البلقان هذه؟ وهل ما انجز من رحم "الكارثة" هذه لم يكن ليتم الا بهذه الطريقة الجهنمية؟ ام ان ما تحقق للحلف الاطلسي له دلالات اخرى ستظهر فصوله لاحقاً. اظن ان الاحداث المتسارعة التي تباهت فيها الديبلوماسية والعسكريتاريا في وسط اوروبا الملتهبة منحتنا فرصة التقاط الانفاس لما يجب ان تكون عليه خطواتنا اللاحقة بشأن حقوقنا التاريخية في فلسطين وغيرها، سيما في ظل "النظام الاميركي الجديد" ومخلبه الاقليمي المعتمد في "الشرق الاوسط". انتصرت الارادة الاميركية ولم تنتظر "القارة العجوز"، وانتصرت الارادة الصربية "السمية" ولم ينتصر البان كوسوفو ولا الشعب اليوغوسلافي. اذن من الرابح ومن الخاسر في هذه الملهاة التراجيدية البلهاء؟ مطالب الدول الثماني تلقفها المبعوث الروسي فيكتور تشيرنوميردين وراح يسوقها في الداخل الروسي صاحب الاصل العرقي والاثني المشترك السلاف - الارثوذكس مع حليفه المثخون بالجراح، لعله يمتلك جرأة ساعي البريد للتخفيف من اوجاع حليفه ما امكن الى ذلك سبيلاً. بينما انتشى الرأي العام الاوروبي - الاميركي اذ تخلص من "ديكتاتور" لا يحترم الديموقراطية وحقوق الانسان، وهو الذي ارسى هذه القواعد بكثير من الصبر والتأني دعامة للعالم المتحضر الذي يتزعمه، اذ سبق ان مارس هذه التجربة في غير منطقة من هذا العالم المضطرب …. ومن هنا فانه لم ينتصر في هذه الحال سوى الآتي: الصناعات العسكرية الغربية بكافة اصنافها التي اتيح لها استخدام ادواتها الحربية الهائلة وتكنولوجيتها المتطورة مع الظروف الميدانية المستجدة، واستخلاص العبر منها لتلافيها في الاجيال المقبلة، وكذلك تنمية القدرات والخبرات العسكرية والامنية والتجسسية لعسكريي الاطلسي بعد ان خرجت من "العاصفة" في العراق الى تضاريس جغرافية مختلفة التي فرضت خططاً مختلفة تبعاً للاجواء المناخية المختلفة. ولكن اذا استطاع الحلف الذي تميزت حربه هذه بأنها اول حرب منذ تأسيسه في العام 1949، واول حرب تخوضها لأسباب انسانية … واول حرب هي الثالثة في البلقان وفي اوروبا بعد الحربين العالميتين الاولى والثانية، فاذا استطاع "احتواء الاوروبيين" وتقليم "اظافر الروس" بزعم حماية ألبان كوسوفو من الابادة البشرية التي يتعرضون لها على ايدي الصرب بعد رفضهم التوقيع على اتفاق رامبوييه التي قبلها ألبان الاقليم، فهذا يعني ان هذا الحلف وبعد ان وضع استراتيجيته الجديدة في ذكراه الخمسين، يستطيع ان يجعل من اي نزاع حدودي بين دولتين متجاورتين، او اي خلاف بين اقلية قومية وحكومتها المركزية، مدعاة لبسط شرعيته الكونية بديلاً عن الشرعية الدولية المتمثلة بالجمعية العامة للامم المتحدة واداتها التنفيذية "مجلس الامن" كلما ارادت ذلك …. غير ان الحرب الاطلسية هذه التي تزعمتها الولاياتالمتحدة في يوغوسلافيا السابقة تذكرنا بتدخلها وحروبها في فيتنام نهاية الستينات 1969 ولبنان 1983 والصومال 1995 والعراق 1999 التي خرجت منها مدحورة ذليلة على رغم جبروتها وترساناتها العسكرية الهائلة …. حلب - المحامي عبدالمنان رشيد