بدا أمس ان الخلاف تكرّس داخل الجبهة الإسلامية للإنقاذ في شأن الهدنة وعرض جناحها العسكري وضع نفسه في تصرف السلطات الجزائرية لقتال الجماعات التي ترفض وقف عمليات العنف التي تشهدها الجزائر منذ بداية 1992. إذ أعلن أربعة من كبار قادة جبهة الإنقاذ، بينهم الرجل الثالث فيها الشيخ عبدالقادر حشاني، أنهم مع وقف العنف في الجزائر. لكنهم أبدوا تحفظات عن عرض التعاون عسكرياً مع الحكم ضد الجماعات المسلحة. وفي وقت يُتوقع ان تُصدر "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" قريباً موقفاً من الهدنة، خرجت "الجماعة الإسلامية المسلحة" أمس عن صمتها الذي التزمته منذ مذابح صيف وخريف 1997، وأعلنت في بيان رفضها موقف الشيخ عباسي مدني المؤيد للهدنة، وتوعدت بتصعيد عملياتها داخل الجزائر وخارجها. أصدر ليل أول من أمس أربعة من أعضاء "القيادة السياسية" لجبهة "الإنقاذ"، هم عبدالقادر حشاني وكمال قمازي وعلي جدي وعمر عبدالقادر، بياناً حددوا فيه موقفهم من الهدنة التي يلتزمها "الجيش الإسلامي للإنقاذ" منذ تشرين الأول اكتوبر 1997 والتأييد الذي نالته قبل أيام من زعيم "الإنقاذ" الشيخ عباسي مدني. وشدد الأربعة في بيانهم الصادر من الجزائر والذي يحمل توقيعاتهم، على "ضرورة المصالحة الوطنية" وعلى رغبة الشعب الجزائري في "الصلح والإصلاح والسلم والإسلام، ورفع الغبن والحرمان". وتابع البيان انه "إذا كان من حق الرئيس عبدالعزيز بوتفليقة ان يقول انه غير مسؤول عن الأزمة، فإنه بتوليه مقاليد الأمور أصبح مسؤولاً عن حلها". ولفتوا الى ان بوتفليقة باشر فترة رئاسته التي بدأت في نيسان ابريل الماضي ب "حملة إعلامية لا نظير لها"، وانه القى خطباً "بُنيت عليها آمال كبيرة، نرجو ألا تخيب، لدى الفئات العريضة التي اكتوت بنار العنف الإجرامي والقمع العشوائي". لكنهم أبدوا حذراً من الأجواء التي رافقت إعلان السلطات الجزائرية الرسالة التي بعث بها الشيخ عباسي مدني الى الرئيس بوتفليقة وأعلن فيها تأييده وقف العمليات المسلحة. إذ لاحظوا ان "التوجس بدأ يساور النفوس عندما أُفرج عن رسالة الشيخ عباسي ولم يُفرج عنه ولا عن صاحبه الشيخ علي بن حاج". ومعلوم ان الشيخ مدني لا يزال في الإقامة الجبرية منذ آب اغسطس 1997، في حين ان الشيخ بن حاج موجود في السجن منذ 1991. وتابع الشيوخ الأربعة: "حتى لا تضيع الفرصة كما ضاعت من قبلها فرص الحوار، فإننا نهيب بأمتنا ان تنهض بكل قواها لترشيد أبنائها من كل الأطراف وحملهم على الرجوع الى صلح عادل يحقن دماء الجزائريين، ويزيل العداوة والبغضاء بينهم، ويمحو عن الجزائر محنتها الأليمة بإطلاق سراح المساجين واعادة المفقودين وكفالة الضحايا والمنكوبين، ويفتح الباب أمام كل القوى الوطنية من دون استثناء لإنجاز حل سياسي شامل ... يعيد الوئام على أسس راسخة". وأكدوا ان "الأمة لن تنعم بالأمن إلا إذا أقامت على أرضها العدل ... ومع ذلك فإننا لن نبخل بعوننا على ما دون ذلك من المساعي إذا كان فيها تخفيف للضرر ولو تدريجاً". وختموا بالقول: "لا يفوتنا ان نرفع الحيرة عن الذين يبحثون عنا في عداد المعارضين أو المؤيدين للهدنة، فنقول أننا لن نختلف مع أحد على الخير متى ما ظهر للعيان وتحقق في الميدان". وأوضحت مصادر إسلامية جزائرية قريبة من موقعي البيان ان الأربعة أصدروا بيانهم بناء على طلب منهم لتوضيح موقفهم من الرسائل التي وجهها زعيم "جيش الإنقاذ" مدني مزراق وزعيم الجبهة الإسلامية عباسي مدني الى الرئيس بوتفليقة. وكان الأول عرض على الرئيس الجزائري القاء السلاح او وضع قواته في تصرف الجيش في قتال رافضي الهدنة، في وقت أعلن الثاني تأييده الصريح لوقف القتال. وأضافت المصادر ان الأربعة يعتبرون ان موقف مزراق في خصوص وضع عناصر جبهة الإنقاذ في تصرف قوات الأمن الجزائرية "لا يمثّل موقف الجبهة الإسلامية". وتابعت انهم يعتبرون انه "حر" في اتخاذ القرار الذي يراه مناسباً "لكن عرضه لم يحصل على تزكية من الجبهة الإسلامية". وقالت ان الأربعة يعتبرون ان الرسالة التي وجهها مدني الى بوتفليقة "هي رسالة شخصية، إذ انه وجهها باسمه الشخصي" وليس باسم جبهة الإنقاذ. وشددت على ان الأربعة يعتبرون "ان الجبهة الإسلامية هي حزب سياسي لا علاقة لها بالعمليات المسلحة". ومعلوم ان السلطات الجزائرية أفرجت عن حشاني في تموز يوليو 1997، في حين كانت أطلقت رفاقه الثلاثة في 1994. وهم ممنوعون من العمل السياسي. لكن يُعتقد ان بيانهم أول من أمس تم بعد قرار رسمي بعدم تعريضهم لمساءلة قانونية. ومعلوم انهم وقعوا البيان باسمائهم، وهو ما لم يفعلوه علناً في السابق. وفي هذا الإطار، لوحظ ان بيان أول من أمس خلا من اسمي عضوين آخرين في "القيادة السياسية" لجبهة الإنقاذ في الداخل هما نورالدين شيقارة وعبدالقادر بوخمخم. ويتردد ان الثاني على اتصال بمزراق ولا يعارض الهدنة التي أعلنها الأخير في 1997. ولم يصدر بعد موقف للشيخ علي بن حاج من موضوع الهدنة. "الجماعة المسلحة" وفي حين يُتوقع ان يصدر موقف من "الجماعة السلفية للدعوة والقتال" برئاسة عبدالمجيد ديشو أبو مصعب رداً على رسائل مدني ومزراق الى الرئاسة الجزائرية، صدر أمس بيان عن "الجماعة الإسلامية المسلحة" التي يقودها عنتر الزوابري تضمن رفضاً للهدنة والسائرين بها. وهذا البيان الأول الذي يصدر عن جماعة الزوابري منذ البيان الأخير الذي تبنّت فيه مذابح 1997. وكانت نشرة "الأنصار" في لندن تدأب على نشر بيانات "الجماعة المسلحة". لكن مسؤول هذه النشرة المصري مصطفى كامل "أبو حمزة" أوقف النشرة بعد بيان الزاوبري في تشرين الأول اكتوبر 1997 الذي تضمن "تكفيراً" لعموم الشعب الجزائري. ومنذ ذلك الوقت تعرّضت "الجماعة المسلحة" لسلسلة انشقاقات كان أبرزها الإنشقاق الذي قاده "أمير المنطقة الثانية" فيها حسان حطاب الذي أسس لاحقاً "الجماعة السلفية" خلفه في رئاستها ديشو الشهر الماضي. وتلقت "الحياة" أمس بياناً من "أمير كتائب الشهداء" في "الجماعة المسلحة"، وقعه "أبو حمزة الأفغاني" وحمل تاريخ الجمعة 11 حزيران يونيو الجاري، هاجم فيه المنضمين الى الهدنة الذين قال انهم أعلنوا "ولاءهم للطغمة العسكرية بالجزائر، ينحنون مستسلمين أمام الشروط غير القابلة للمناقشة التي وضعها الجنرال ... اسماعيل" لعماري، الرجل الثاني في الاستخبارات الجزائرية الذي أشرف على ملف الهدنة مع "جيش الإنقاذ". وهاجم البيان أيضاً الرسائل المتبادلة بين مدني ومزراق لم يسمهما بالاسم وبين الرئاسة الجزائرية. ووصف ذلك بأنه "تبادل للدواوين والتحيات بين فئة ولّت الأدبار واختارت الحياة الدنيا، وبين رئيس ... يبحث عن مشروعية يفتقر اليها". وقال: "تؤكد الجماعة الإسلامية المسلحة، الإطار الشرعي والوحيد للجهاد بالجزائر، ان صمتها لا يعني ثني عزمها. وتؤكد نيتها في مواصلة جهادها الى ان يظهر هذا الدين أو تهلك دونه، عازمة في ذلك على استعمال لغة الحديد والنار وضرب اعناق المرتدين والمشركين". وتحدث عن التحضيرات للقمة الافريقية في الجزائر الشهر المقبل والتي وصفها بأنها "قمة النفاق"، وعن "محاكمات مسيّسة لإخواننا المجاهدين تُجرى متزامنة مع تصعيد غربي لخنق التيار الجهادي بالخارج بإيعاز من فرنسا". وقال: "بالأمس ترجّل المجاهدون ورفعوا سيوفهم في وجه أصحاب الردة وأبناء الشرك، فسُمعت لهم تكبيرات الجهاد ودوي القنابل في قلب فرنسا، وسقط الشهيد خالد قلقال مضجّراً في دمائه"، في إشارة الى سلسلة التفجيرات التي حصلت في فرنسا في صيف 1995. وقُتل قلقال، وهو أحد المتهمين بالتورط في تلك التفجيرات، خلال معركة مع الشرطة الفرنسية في صيف 1995. وقال البيان ان "الجماعة" تعلن "تصعيد العمل الجهادي والإعلان عن فتح باب الجهاد على مصراعيه، مروراً من خط المواجهة بالداخل الى المواجهة بالخارج، وهذا ليس اختياراً بل إضطراراً مشروعاً". وأضاف: "تعتبر الجماعة الإسلامية المسلحة أمراءها سفراءها وجندها ديبلوماسييها، ومن ثمة تخوّل نفسها حق الرد بالمثل ... عن كل ما يحل برجالها من أذى"، ووعد "الحكومات المتورطة في قمع المجاهدين بوابل من الأهوال وحمامات من الدماء، وهدر دماء أبنائها مثلما أهدرت دماء المسلمين". وقال ان "الجماعة تضيف الى قائمة أعداء الإسلام كل دولة موقعة على وثيقة إدانة الجهاد معلنة عن ضرب مصالحها وممثلياتها من دون سابق إنذار". ولم يكن واضحاً لماذا لم يوقع البيان الزوابري نفسه، علماً ان مصادر إسلامية جزائرية تقول انه محصور حالياً في مناطق معيّنة في منطقة المدية وعين الدفلى، في وقت تتمركز غالبية قواته في غرب البلاد. وقالت مصادر إسلامية أخرى ان "كتائب الشهداء" تنشط خصوصاً في العاصمة الجزائرية.