الحوار مع ابليس صعب، لأنه مخلوق مشغول بالاف المهمات التي لا تدع له وقتاً للإدلاء بأحاديث صحافية أو إجراء حوار.. ولكننا اعتمدنا على صداقتنا القديمة له، واقنعناه أن من المفيد أن يتحدث بين كل فترة وأخرى لأن العصر يتغير وبالتالي فإن اساليب الغواية في حاجة أن تساير العصر المتغير وخاصة أن التغيرات سريعة ومتلاحقة. ................ قلت لإبليس: هل تجد عملك مع الإنسان مثيراً أم ممتعاً؟ قال إبليس: جوهر عملنا هو الصراع، والصراع عادة مثير ولكنه ليس ممتعاً.. سألته: بعد تجاربك مع النوع الإنساني.. كيف ترى الشرور؟ قال إبليس وهو يتنهد: الشرور أحزان ترتدي أقنعة الفرح وتخدع.. قلت له: إنك تتحدث بحزن. قال إبليس: تتكاثر أحزاني وتزيد مع الوقت. قلت له: لماذا؟ قال: تضاف إلى سجل سيئاتي أحزان الذين أغويهم، وذلك عبء جحيمي ثقيل.. قلت له: أرجو أن تحدثني عن فلسفة إبليس. قال إيليس: يمكن تلخيص فلسفتنا في العبارة التالية "ليس هناك إنسان لا يمكن شراؤه.. المهم هو الوصول الى السعر المناسب، كل ابناء آدم معروضون للبيع.. هذه قاعدة جربناها على الدوام". سألته: أظن أن هناك استثناءات لهذه القاعدة. قال: نعم.. عباد الله.. ليس لنا عليهم سلطان، وفيما عدا المؤمنين من جميع الأديان، فإن البقية اتباع لنا وموالي. قلت لإبليس: يتهيأ القرن العشرون لجمع أوراقه والرحيل، هل تتغير سياسة إبليس في القرن الحادي والعشرين؟ قال إبليس: نحن لا نتحدث مثلكم عن القرون، إن سياسة إبليس واحدة في جوهرها، إنما تختلف الأقنعة التي نضعها والأسماء التي نطلقها عليها، ونركز دائماً على رغبات الإنسان، مدركين أن مصرعه كامن في تحقيق رغباته. قلت لإبليس: ما هي رغبات الإنسان التي تركزون عليها؟ قال إبليس: أولى رغبات الإنسان هي هذا الشوق الى التسلط والطغيان، ونحن نركز كثيراً على هذه الرغبة، ونساعد الإنسان عليها، لا نقهره على الفعل ولكننا نزين له الفعل، ونظل معه حتى يصل الى قناعة أنه شبه إله، إن طاغية واحداً يستطيع أن يقوم بعمل آلاف الشياطين. قلت لإبليس: هل تتكرم وتشرح لي هذه النقطة، إنها مثيرة جدا؟ قال إبليس: أول شيء يسعى إليه الطاغية أن يرى صورته في عيون الناس، وأن يرى كلامه في عقولهم، وأن يتحولوا إلى أدوات لتنفيذ أكثر رغباته استحالة، وحين يسلب الطاغية حرية الناس ويستخف بعقولهم يصبح الباقي سهلاً بالنسبة لنا. قلت له: كيف؟ - قال إبليس: إن الفساد كله ينبع من تحكم الإنسان في الإنسان وظلمه له، وحين يفلح الطاغية أن يرفع عن الناس عدل الله ويحكمهم هو، نكون أمام هزيمة إنسانية كاملة، ونصول نحن ونجول وسط خراف بشرية ليس لها راع يحميها أو يدافع عنها، من المهم كثيراً عندنا أن ينهزم الإنسان. قلت له: زدني شرحاً وتفصيلاً لهذه النقطة؟ - قال إبليس: ما هذا الغباء، قلت لك إن الإنسان حين ينهزم تلعب به الشياطين تماماً، يصير الإنسان في يدنا كالعجينة، نشكله كيفما نشاء، ونركب ظهره وندلدل أرجلنا ونهزها فيسير كالدابة، هذه فلسفة إبليس باختصار. قلت له: إذا كان إبليس فيلسوفاً فلا ريب أن له خطة؟ قال إبليس: تقوم خطة إبليس على التشكيك في رحمة الله، وضرب أمل الإنسان في غفرانه، وإبليس الجد كان من كبار الفلاسفة الذين عرفتهم الحياة، وهو فيلسوف لا يبحث عن الحكمة مثل فلاسفة بني آدم، وإنما يبحث عن الشر، وتقوم سياسة إبليس الاستراتيجية على إبعاد الإنسان عن الله، وتقوم سياسته التكتيكية على غمس الإنسان في الغواية اليومية بكل ألوانها حتى يرين السواد على قلبه ويصير في قسوة الحجارة. ورغم أن إبليس لا علاقة له برزق الناس أو نجاحهم إلا أنه يستغل كل شيء لخدمة أهدافه، وهي تدمير الإنسان روحياً وتحويله الى جسد للرغبات وأداة لاستهلاك المتعة. قلت لإبليس: هل يعلن إبليس عن نفسه؟ قال إبليس: ما هذا الحمق؟ إن هذا ضد تكنولوجيا الشر، إن إبليس يقنع عابد الأصنام بوجود الله، ويشده إلى عبادة الصنم ليقربه من الله زلفى، ويقنع اللص حين يسرق أنه يأخذ حقه حين يسرق، ويقنع الخائن أنه ذكي حين يخون ويقنع المرتشي أنه يتعاون مع الجمهور بقبول الرشوة، ويوحي إبليس للناس أن الانحطاط ضعف بشري، وأحياناً يصل التغرير الى الحد الذي يقنع فيه إبليس الخاطئين بأن يخطئوا لأن رحمة الله واسعة ولن تضيق بذنوبهم. قلت لإبليس: ما رأيك فيما ذكره أبو نواس في بيتين من الشعر يقول فيهما عن إبليس: عجبت من إبليس في تيهه وسوء ما أظهر من نيته تاه على آدم في سجدة وصار قواداً لذريته قال إبليس: هذا كلام ركيك لشاعر تافه كانت لنا أفضال عليه ولكنه نسي كعادة بني آدم.