رأيته يبكي بحرقة، وكان ذلك مفاجأة لي، اذ لم أره يوما الا والضحك يتقاطر منه زرافات ووحدانا.. وأعرف انه لم يفقد شيئا فأحواله كلها حقل في الربيع، لذا دفعتني هذه الحال الغريبة الى التوجه له بالسؤال التالي: * لماذا تبكي «يا زلمة»؟ * أبكي على جدنا «آدم».. هكذا أجاب والدموع تتسابق من عينيه وهنا استبد بي العجب ولكني حاولت أن أجد له مبررا: * هل تبكي لأن آدم أخرج من الجنة.. وتعتقد بعض الأديان بأن خطيئته تلك أورثها لأبنائه؟ * كلا.. * هل تبكي لأنه وجد حواء عارية ووجدته هي كذلك بعدما أكلا من تلك الشجرة ف «طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنة»؟ * كلا.. فالعري بين الزوجين «آخر حلاوة». * هل تبكي لأن آدم وحواء حين اهبطا الى الارض لم يهبطا في مكان واحد: فآدم اهبط في الهند وحواء في المزدلفة.. وهذا انذار واشارة الى تفرق ذريتهما في انحاء الارض.. وهذا ما نشهده اليوم من الفرقة بين ذريتهما. * كلا فالآية الكريمة: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأثنى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ان اكرمكم عند الله اتقاكم) تدل على ان ذلك التفرق «لا الفرقة» كان خيرا للبشر. * هل تبكي لأن آدم شهد قتل قابيل لأخيه فانخرط في البكاء «حتى ابيضت عيناه من الحزن» وكانت هذه اول كارثة تحدث على الارض؟ * كلا.. فقد روي عن ابن عباس ان آدم لم يمت الا وقد بلغ ولده وولد ولده اربعين الفا، وفي هذا ما يجعل حزنه في مهب النسيان. * هل تبكي لأن ابليس لم يزل حتى الآن يتعقب آدم ويطارده في ذريته زارعا فيهم العداوة والبغضاء والتناحر؟ * نعم، الآن اصبت كبد الحقيقة كما يقول القدماء. * هذا لا يستدعي منك البكاء على آدم فهو ليس مسئولا عنهم، ان ذريته هم المسئولون.. لأن كل واحد منهم مزود بسلاح ضد غواية ابليس وهو «الارادة» فلماذا لم يشهروا هذا السلاح في وجهه؟ * هذا صحيح ولكن سلاح الارادة له شروطه التي تجمع كلها فيما اسميه «الوعي الوجودي» الذي يعني ان يصنع الانسان ذاته «ماهيته» فيكون ما يريد ان يكون.. وهذا لا يمكن الا باصطياد «العنقاء» التي يسمونها «الحرية». وهنا ادرك شهريار الصمم فتوسد احدى اذنيه ونام.