مازالت "مريم" تحتفظ في مخيلتها بصورة الشاب الذي ترغب أن تتزوج به يوماً ما، وأن يكون شريك حياتها وأباًً لأبنائها، مازالت تسقي الزهور التي بداخلها، على الرغم من بلوغها (37) عاماً، وقسوة أسرتها عليها، ووصف أقاربها لها ب "العانس"، وكذلك تعليقات صديقاتها لها أنها ستبقى كالبيت الوقف إذا لم تقرر سريعاً الدخول إلى عالم المتزوجات من أي رجل يطرق باب منزلها!، ولم يثن ذلك النقد وتلك الضغوطات من رؤية "مريم" للحياة الزوجية ولشكل شخصية الرجل الذي ترغب أن يقاسمها بقية حياتها، فهي بالرغم من تقدم عمرها، إلاّ أنها تؤمن أنه لابد أن هناك فرصة ذهبية ستأتي ومعها "رجل" يحمل شيئاً من صفات الزوج الذي ترغب أن تكمل حياتها معه، وتنجب منه الأبناء، فهي لا ترغب بمجرد الزواج والارتباط بأي رجل، حتى إن كان معدوم المميزات لمجرد خوض تجربة الزواج والخلاص من لقب "عانس"، إنما ترغب أن يكون في حياتها زوج حقيقي أو لا يكون، فهي تثق بنفسها وتعلم أن عدم زواجها لا يقلل من شأنها كإنسانه. لم تكن "مريم" الفتاة الوحيدة التي ترفض أن تدخل "سوق التنزيلات" لمجرد دخولها في سن حرج من عدم الزواج، بل إن هناك فتيات يؤمن بأن الزواج إما أن يبنى على شيء من الأسس حتى ينجح ويعد زواج، أو تبقى الفتاة من دون زواج أفضل، حيث يرون أن كثيرا من الفتيات اللاتي وصفهن المجتمع ب "العوانس"، وقدمن التنازلات في الارتباط بزوج غير مناسب، جنين ثمن ذلك التنازل ب "التعاسة" الدائمة مع زوج غير جدير أصلاً بهن، حتى شقين في الحياة. فالزواج لديهن حياة حقيقية لابد أن تدفع للسعادة وليس مجرد تجربة لابد أن تخوضها الفتاة، حتى حينما يتقدم لخطبتها رجل غير مناسب لمجرد الخلاص من العنوسة. "الرياض" تُسلط الضوء على الموضوع وتطرح عدة أسئلة: كيف يفكرن هؤلاء؟، وهل ما يؤمنون به له جانب من الصواب أم أن للمجتمع حكم آخر؟، وهل لابد أن تتنازل الفتاة كثيراً حتى تصل إلى انعدام التكافؤ مع الرجل الخاطب لمجرد الرغبة في دخول عالم المتزوجات؟. رفضت التدخلات وصلت "نورة" إلى سن (35) عاماً وهو المرحلة التي تصفها أسرتها بالخطرة، إلاّ أنها مازالت تردد وتقول: "إما أن أتزوج بشكل صح أو أبقى من دون زواج، فهي تعمل معلمة في إحدى المدارس الحكومية، وحياتها الاجتماعية مملوءة، كما أنها تنعم باستقرار أسري في ظل والديها وشقيقاتها، تحب أن تمارس هوايتها التطوعية منتسبة في المراكز النسائية المهتمة بعلوم الدين، وتحب أن تجد وقتاً لزيارة صديقاتها، تصف حياتها بالحياة الهادئة، على الرغم من نظرة المجتمع إليها أنها الفتاة التي فاتها قطار الزواج، أو العانس أحياناً، وعلى الرغم من النصائح المعلبة التي ينصحها بها أشقاؤها الذكور، وبعض صديقاتها في تقديم التنازلات الكبيرة حتى يأتي النصيب والحظ، إلاّ أنها ترفض التدخلات في تحديد مصير حياتها فيما يتعلق بالزواج، ما يثير غضب بعضهم منها، وربما بدت الدهشة على آخرين. لطيفة: صديقتي تعاني حياة خاصة وترى "نورة" أنه من المهم جداًّ أن يكون للفتاة حياتها الاجتماعية الخاصة، وأن تخوض تجربة الزواج وتتحول إلى أم، ولكن الأهم أن لا تدخل في إطار حياة تكون هي فيها الضحية أو الخاسرة الوحيدة، مشيرةً إلى أن كثيرا من صديقاتها تأخرن في سن الزواج ثم بدأن يقدمن التنازلات للخلاص من ضغوطات ونقد المجتمع والأسرة، فهناك من تكون متعلمة ومن أسرة جيدة ولديها مقومات كثيرة، ولكن النصيب لم يأت، فتضطر أن تقبل بأي رجل يطرق بابها لمجرد الخلاص من لقب العنوسة، مؤكدةً أنها ضد ذلك القرار، فالزواج إما أن تبنى له قاعدة من الأساسيات في القبول والتناسب والتكافؤ ولو بقدر بسيط، أو أن لا يكون أبداً، موضحةً أنه تقدم إليها رجل وهو في سن (75) عاماً، أي أكبر من والدها، وحينما سألت عن أسبابه في الزواج، أوضح أنه يرغب في فتاة "تسلِّيه" بعد زواج أبنائه جميعاً وأحفاده وموت زوجته، وليس لديه رغبات سوى أن تعد له الشاي والقهوة وتتحدث معه، لتشعر أن هناك امتهان لقدسية الزواج!. شعارهن في الحياة: الزواج «حياة حقيقية» وليست «تجربة» للتخلص من نظرة المجتمع أُفضل عدم الزواج واتفقت معها "لطيفة محمد" التي مازالت ترى أن هناك فرص جميلة قادمة في الحياة، على الرغم من تأخر مجيئها، فقد وصلت "لطيفة" إلى سن (32) عاماً، ومازالت تصر أن تتزوج برجل يحمل بعضاً من المقومات التي تدفعها للقبول، مبديةً دهشتها من بعض مواقف الأسر التي تصر على الفتاة بالزواج من أي رجل لمجرد الزواج، مستشهدةً بقصة صديقتها التي تقدم لها رجل عاطل عن العمل وليس لديه شهادة علمية، فقد تعلم حتى شهادة الابتدائي، كما أنه سيقيم بعد الزواج في منزل أسرته، فأبوه من سيصرف عليه وعلى زوجته، موضحةً أن صديقتها قبلت بذلك الخاطب لمجرد الرغبة في التخلص من ضغوطات المجتمع، إلاّ أنها بعد زواجها أصبحت تعاني كثيراً، ووصلت حياتها إلى الأسوأ، وبعد أن كانت تحمل هم تأخرها في الزواج فقط، أصبحت تحمل هم مصروفاتها الشخصية وتدبير شؤون حياتها. ابتسام: «زوجة الأعمى» يضايقني ليس اختيارياً وتقاسمهن الرأي "عواطف يوسف" التي وصلت إلى ال (40) ولم تتزوج بعد، لكنها ترفض أن تدخل "سوق التنزيلات" بحسب تعبيرها، حيث ترى أن كل فتاة تحلم بالزواج والاستقرار وإنجاب الأبناء، إلاّ أن ما لا يفهمه الآخرون أن هذا الشيء ليس اختيارياً وإنما مسيرون له الخلق، فعلى الرغم من أنها لا تتمسك بشروط الزوج المميز كأن يكون مثقفا وجميلا وفي منصب مرموق، إلاّ أنها ترى أنه لابد أن يكون هناك حد أدنى من القبول والتناسب، فهناك بعض الحالات لخاطبين تقدموا لها شعرت أن الزواج غير متكافئ، كالرجل الذي اشترط عدم إنجابها للأبناء لأنه متزوج ولديه أبناء ويرغب بمجرد زوجة، وهناك من تقدم لها وهو لا يحمل أي مقومات بسيطة في شكله من القبول، مشيرةً إلى أن الحقيقة أن الفتاة تعيش في منزل أسرتها حياة كريمة ومستقرة، وما ينقصها سوى وجود رجل حقيقي وليس شبه رجل، فالهدف ليس الزواج فقط، بل كيف نأسس لهذه الحياة؟، متمنيةً أن تتغير نظرة المجتمع للفتيات اللاتي يوصفن بالعوانس. د. العود: الفتاة قد تتنازل كلما تقدم بها العمر في صفات الخاطب! زوجة الأعمى وتختلف معهن "ابتسام عبدالله" التي عانت كثيراً من تعليقات أسرتها وصديقاتها ونظرات المجتمع الذي يصفها بالعانس، فقد أنهت دراستها الجامعية وتوظفت في إحدى الشركات، إلاّ أنها لم تحصل على فرصة زواج مناسبة، مبينةً أنه تقدم لها بعض الخاطبين لكنهم لا يحملون الصفات المناسبة، وقد مارست أسرتها عليها كثيرا من الضغوطات حتى قبلت بالزواج من رجل فاقد للبصر، كما أنه يكبرها ب (15) عاماً وقد رضيت بنصيبها، وحاولت أن تعيش مع زوج تتوق كثيراً أن تشعر أنه يراها أو يستطيع أن يتأملها، وأن تخرج معه وتمارس حياتها بشكلها الطبيعي، إلاّ أن ذلك لم يتحقق، موضحةً أنها تخلصت من انتقادات المجتمع لها لوصفها بالعانس، إلاّ أنها دخلت في صفة جديدة أكثر ألماً وهي "زوجة الأعمى"، حتى شعرت أن حياتها دائرة مظلمة، وفقدت رغبتها في كل شيء، وأصبحت ترى نفسها أنها كبرت كثيراً عن السابق. تنازل بنسبة 50% وقال "د. ناصر العود" أستاذ الخدمة الاجتماعية بجامعة الإمام محمد بن سعود: إن المبدأ الذي ينطلق منه بعض الفتيات في النظرة للزواج التي ترفع شعار إما الزوج المناسب أو العنوسة، فإن ذلك قد يناسب بعض الفتيات، في حين قد لا يناسب الأخريات، إلاّ أن ذلك أصبح يكثر لدى الفتيات اللاتي يحصلن على شهادات علمية عالية، أو لها طبيعة حياة مهنية معينة، فإنها ترغب في الحصول على الزوج المناسب، خاصةً مع التقدم الحاصل في وسائل الاتصال والتقنية والتطور الملحوظ في الوظائف وتطلعات الفتيات، مشيراً إلى أنه من بين نتائج الدراسة التي عملتها إحدى الباحثات في جامعة نورة وهي الباحثة "خلود اليوسف"، أن الفتاة كلما تقدمت في السن تتنازل في شروطها، ليصل ذلك التنازل إلى (50%)، ذاكراً أن هناك من الفتيات من يقدمن التنازل بدافع الأمومة أو المجتمع أو الرغبة في الزواج أو الرغبة في التخلص من ضغوطات الأسرة، إلاّ أن الفتيات غالباً ما يبحثن عن الزوج الذي يحترم المرأة ويعطيها حقوقها ويحترم الأسرة. نورة: أرفض التدخلات! قبول ورفض وأوضح أن الموظفات اللاتي يصلن إلى درجات علمية، غالباً ما يفضلن البقاء من دون زواج، في حال عدم وجود الزوج المناسب؛ لأنهن يخشين أن يتزوجن بزوج يشكل لهن عبئاً في الحياة، أو أن يعوق عملهن، مبيناً أن هناك دراسة أخرى للشباب أجراها الباحث "أحمد المقبل" في جامعة الإمام محمد بن سعود، توصل فيها إلى أن الشاب يفترض كثير من الشروط في الفتاة التي يرغب في الزواج بها، وحينما يقبل على الزواج، فإنه يقدم التنازلات عن تلك الشروط، فقد يغض النظر عن الثقافة أو الجمال وأشياء كثيرة، مؤكداً أن الفتاة قد تتنازل عن الزواج من رجل وسيم أو ثري أو رومانسي، إلاّ أنه من غير المنطقي أن تتزوج ممن لا خلق ولا دين له، وذلك حد أدنى في القبول، مضيفاً أن اختلاف القبول والرفض يتفاوت بين الفتيات، فهناك نساء يرفضن مجرد الزواج في حين يرغب بعض منهن الزواج للحصول على الأمومة، حتى إن كانت من رجل غير مؤهل. زواج ثم طلاق وأكد أن هناك حالات لفتيات يفضلن أن يتزوجن وأن يتطلقن أفضل من البقاء في ظل العنوسة، حتى تخرج من دائرة نقد المجتمع، فالقبول بالطلاق أفضل لدى كثيرات من البقاء من دون خوض التجربة، مبيناً أنه من الصعب تغيير ثقافة المجتمع الذي مازال ينتقد الفتاة غير المتزوجة ويصفها بالعانس، خاصةً مع انقطاع العلاقات الاجتماعية، فالأسر لا تتواصل ولا ترى بعض إلاّ بعد أشهر، إلاّ أن مثل هذه النظرة يصعب غيابها عن المجتمع، حيث بدأ يكون هناك شيء من التفهم والقبول لها، وعن الآثار الاجتماعية التي قد تنجم عن الزواج غير المنطقي للفتاة المتأخرة في الزواج، قال "د. العود": إن من أهمها الطلاق الذي يتحمل مسئوليته الأسرة بعد عودة الفتاة مطلقة، كذلك تهرب الفتاة من مسؤولية الأبناء، فالمرأة أصبحت تسأم من القيام بواجباتها الزوجية، كالاهتمام بالبيت والأبناء، فأصبحت تطمح لأن تقاسم الرجل الحرية والخروج والاستمتاع مع الصديقات، حتى أن هناك من الزوجات من أصبحت تحدد عدد الأبناء، حتى تهرب من المسؤولية، حتى وإن عارض الزوج، موضحاً أن الفتاة قد تتنازل كلما تقدم بها العمر في صفات الخاطب، إلاّ أنه في مقابل ذلك أيضاً هناك حالات لنساء تزوجن لرجال أقل مواصفات منهن ونجح الزواج، مشيراً إلى أن القضية هنا تدور حول اختلاف التجارب، فما تقبل به فتاة قد ترفضه أخرى، إلاّ أن التنازل لابد أن لا يشمل الأمور الأخلاقية في الرجل.