واصل الرئيس الموريتاني معاوية ولد سيد احمد الطايع "تشجيع" المنشقين عن جبهة احزاب المعارضة، فيما اعلن "اتحاد القوى الديموقراطية" المعارض الذي يقوده احمد ولد داداه انه يستقبل "المزيد من انصار السلطة التقليديين" وسط مخاوف من ان يقود "الاحتقان" السياسي وتردي الاوضاع المعيشية الى انفجار اجتماعي يفاجئ الطرفين. وتبخرت امال بحدوث انفراج أثارها اقرار السلطات بأنها زوّرت الانتخابات البلدية الاخيرة في بعض المناطق واعلانها العزم على ادخال اصلاحات على النظام الانتخابي مع تزايد الحديث عن استعداد للحوار مع المعارضة. غير ان هذه الآمال اصطدمت باستمرار اساليب "التفكيك" التي دأبت السلطة عليها لتحجيم المعارضة، وتلك المضادة التي تنتهجها المعارضة لاستقبال الغاضبين من الحزب الحاكم واستغلال نقاط الضعف لدى المجموعات القبلية المحبطة. وبدد ولد الطايع افتراضات وتوقعات راجت اخيراً بأنه عقد العزم على الانفتاح على خصومه حينما اتضح ان الامر لا يتعلق بالمعارضين في الجبهة المتحدة، انما بالمنشقين عليها. فقد استقبل رئيس الدولة وللمرة الرابعة جماعة "الحركة الوطنية الديموقراطية" الماركسية سابقاً والمنشقة عن "اتحاد القوى الديموقراطية". وتعمل هذه الجماعة تحت اسم الحزب نفسه وتقول انها طردت الغالبية التي تصفها ب"زمرة ولد داداه". ويقول مسؤولو هذه الجماعة، وهي قليلة العدد لكنها تضم قادة لهم دورهم التاريخي في النضال اليساري، انهم انشقوا عن ولد داداه لاسباب منها قبوله ناصريين في صفوف حزبه، ويبررون التفاهم مع السلطة بأن جبهة أحزاب المعارضة تقود البلاد الى حرب اهلية. وتقول الجماعة انها ترفض شعار "كل شيء او لا شيء" وترى في الحوار مع السلطات الوسيلة الوحيدة لاقناعها بادخال اصلاحات. لكن خصومها في الجبهة يقولون ان افرادها القياديين لهم علاقاتهم القديمة برأس النظام. ويذهب هؤلاء الى حد اتهام الجماعة بأنها "كانت في مهمة هي التجسس على المعارضة وتفكيكها من الداخل". ومهما كان الحال فانه يبدو ان الاتصالات المتكررة بين ولد الطايع و"اتحاد القوى الديموقراطية" جناح الحركة الوطنية الديموقراطية التي يعلنها التلفزيون الحكومي وترد في عناوين الاخبار في شكل: "رئيس الجمهورية يستقبل قادة المعارضة"، لا تدخل في اطار انفتاح على المعارضة، خصوصاً ان ولد الطايع استقبل قبل ايام افراداً انشقوا عن حزب "الجبهة الشعبية" المعارض الصغير. وكان عنوان التلفزيون الحكومي للخبر: "رئيس الجمهورية يستقبل قيادة الجبهة الشعبية". وكانت السلطات، على ما يقال، تعمل بواسطة "العملاء السريين" على تفجير احزاب المعارضة من الداخل. والثابت انها عيّنت اشخاصاً في وظائف حقائب وزارية احياناً مباشرة بعد خروجهم من المعارضة. وتتعامل السلطات الآن بشكل مفتوح مع من يخرجون من الجبهة المعارضة. وتعتقد السلطات على ما يبدو، ان استقبال الجماعات المنشقة ومنحها صدقية باستقبال الرئيس لها واعلان انه تشاور معها "حول اصلاح التعليم" وغيره من المواضيع، يفيد خارجياً في اقناع اطراف دولية مهتمة بما يجري في البلد بوجود معارضة معتدلة يجري التشاور معها واخرى متطرفة رافضة. وعلى المستوى الداخلي تريد السلطات تشجيع افراد او جماعات اخرى على الانشقاق في اطار "سياسة التفكيك" التي يُتهم نظام الرئيس ولد الطايع بانتهاجها على مدى السنوات الثماني التي مضت من عمر التجربة التعددية في موريتانيا. وأثار هذا الاسلوب قدراً من الاستياء في بعض اوساط مؤيدي السلطة من السياسيين الذين يرون في التعاطي مع جماعات صغيرة غير مؤثرة ومعروفة لعبة خاسرة. ويقول هؤلاء في المجالس الخاصة - طبقاً لمصادر تحدثت الى "الحياة" ان قليلاً من الانفتاح على المعارضة الحقيقية وضبط ماكينة التزوير بحيث تتمكن الجبهة المعارضة من دخول البرلمان بمقاعد محدودة امر من شأنه اضفاء صدقية على التجربة الديموقراطية في البلد والحد من المخاطر التي قد تنجم عن "الاحتباس السياسي". تحرك المعارضة وعلى الضفة الاخرى تتحرك جبهة احزاب المعارضة وخصوصاً تشكيلة ولد داداه الغارقة الآن في حملة انتساب استعداداً لعقد مؤتمر وطني تداوي فيه جروح الانسحابات المتكررة للجماعات التي شكلت احزاباً مؤيدة او معارضة او انضمت مباشرة لحزب السلطة. وتقول هذه التشكيلة انها ستخرج من المؤتمر قوية بعد "انسحاب العملاء" الحركة الوطنية الديموقراطية". وتقول ان "المزيد من الانصار التقليديين" لولد الطايع ينتسبون اليها في شكل مستمر. وعلى رغم ان حزب ولد داداه ظل على الدوام ينتقد ولد الطايع لاستناده الى القبلية في احكام السيطرة على البلاد فان هذا الحزب بدأ منذ فترة يلعب على التوازنات القبلية ويستغل الاحباط في اوساط القبائل والمجموعات القبلية التي تهمشها السلطات. واستفاد حزب ولد داداه من اجواء الغضب التي أثارتها الانتخابات البلدية التي اجريت في كانون الثاني يناير الماضي في جذب جماعات همّشها الحزب الجمهوري الحاكم في تلك الانتخابات. واضافة الى قوائم رشحت نفسها لتلك الانتخابات في وجه قوائم السلطة، اعلن حزب ولد داداه ضم مجموعات من الشباب وشخصيات قبلية ومستشارين بلديين.